الثلاثاء، ٣٠ ديسمبر ٢٠٠٨

تخيل لو أن هذا طفلك ؟


الهجرة وغزة ...

نعيش نحن المسلمون ذكرى غالية علينا جميعا ، ذكرى حدث فاصل في تاريخ أمتنا الإسلامية ، بل نستطيع أن نقول انه الحدث الأعظم في تاريخ أمتنا الإسلامية على الإطلاق ، هذا الحدث العظيم هو هجرة رسولنا وقدوتنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هجرته من مكة إلى المدينة ، هذه الهجرة غيرت وجه التاريخ وصنعت لأمة الإسلام المستقبل العظيم ، هذه الهجرة التي نقلت المسلمين من دار حرب وذلة إلى دار سلم وعزة ، نقلتهم من دار كفر وشرك إلى دار إسلام وتوحيد ، نقلتهم من دائرة الخوف إلى دائرة الأمن ، نقلتهم من دائرة الدعوة السرية أو العلنية إلى دائرة الدولة ، نقلتهم من دائرة الإبداع في التحمل للتعذيب والتحمل للجريمة الكبرى الذي كان يمارسها نظام المشركين في مكة إلى دائرة الإبداع في إدارة الدعوة من خلال الدولة الناشئة في المدينة المنورة .
في حادث الهجرة ظهرت معادن الرجال وظهرت الأخلاق العظيمة وظهرت الخطط العظيمة وظهرت لنا أمور كثيرة جديرة بأن نتوقف أمامها كثيرا ، توقف دراسة وتوقف اعتبار وتوقف تحليل يدلنا على حقيقة ديننا العظيم ، هذا الدين الذي أتاح للجميع أن يظهروا مواهبهم ويظهروا قدراتهم في نصرة الدين ويبرزوا إلى الصدارة حتى يجنوا ثمار ما يفعلوا ، وأعز وأغلى ثمرة هي رضا الله عز وجل ثم الحصول على جنة الله .
في حادث الهجرة ظهر معدن سيدنا أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه ، هذا الصحابي الجليل الصديق الذي رزقه الله عز وجل الصحبة ورزقه الله البشرى بالرضا وبشره الله بالجنة الله ، لقد رهن الصديق حياته وحياة عائلته ورهن ماله وما يملك للإسلام ولم يدخر جهدا ولا مالا إلا وقدمه خالصا مخلصا لله عز وجل ، قام الصديق بشراء الناقتين واشترى كذلك العلف اللازم ، وكذلك جهز نفسه وبيته وكلف أفراد بيته بحمل أمانة نصرة الإسلام فهذه ذات النطاقين السيدة العظيمة أسماء تصطدم بفرعون الأمة فلا تتلجلج ولا تخاف ولكن ترد بأنها لا تعرف أين ذهبا ، بل وتقوم بأكثر من ذلك فتقوم بنقل الماء والطعام إلى الغار ، وهى التي لا تجد ما تربط به الطعام سوى نطاقها فتشقه وتربط به ليكون لها اللقب الخالد "ذات النطاقين"؛ وهى التي ظلت تضرب أروع الأمثلة في التضحية وتعلمها لأهلها حتى تقول لابنها عبد الله وهو يخشى أن يمثل به أعداؤه لو ظفروا به في المعركة "امض يا بني إلى ما أراد الله لك ما دمت تؤمن بأنك على الحق، فإن الشاة لا يضرها سلخها بعد ذبحها". وهذا عبد الله بن أبى بكر يقوم بجمع المعلومات من داخل مكة ثم يمضى بها ليلا متخفيا إلى الغار ليطلع عليها النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه حتى يحيطا علما بكل الأحداث والتطورات. وهذا عامر بن فهيرة راعى الغنم عند أبى بكر يظل نهاره راعيا غنمه ملاحظا الطرق والناس فإذا جاء المساء ذهب بغنمه في حذر إلى الغار وسقا الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه في الهجرة، وانتظر حتى يعود عبد الله جامع المعلومات، وأسماء حاملة الزاد، ثم يعود عامر بغنمه ليمحو بأقدامها آثار أقدام الشقيقين المناضلين عبد الله وأسماء.
وظهر أيضا معدن الإمام على بن أبى طالب، رضي الله عنه، وكرم الله وجهه هذا الشاب المؤمن المخلص المضحي الذي لم يتردد في أن ينام على فراش الرسول عليه الصلاة والسلام ويتغطى ببردته في الليلة التي اجتمع فيها الكفار ليفتكوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، ويا لها من نومه تحيطها المخاوف والأهوال ولكن عليّا يمضى قدما في سبيل عقيدته مؤمنا الإيمان كله بأن الله معه وهو خير الناصرين.
ولو أردنا أن نتحدث عن كل من أبدع في هذه الحادثة العظيمة لا يكفينا مقال ولا مائة مقال ولكن بعد عرض المثالين السابقين أرسل رسالة واضحة وجلية إلى كل من يؤمن بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا وأبدأ هذه الرسالة بسؤال هام وهو : هل تريد يا أخي تريد أن تكون مثل هؤلاء العظماء ؟ وأنا متأكد من أن الرد بالإيجاب ولكن كيف يكون ذلك ؟.
أقول نحن الآن نعيش أيام صعبة من تاريخ أمتنا المعاصر ، نحن نعيش مهانة لم نعشها من قبل ، نحن الآن نرى الدماء في أماكن كثيرة من خريطة أمتنا المنكوبة ، نحن نرى الموت يخيم في أماكن كثيرة حولنا ، نحن نحس أننا نعيش لكي نحني رؤوسنا لعدونا لكي يطأها بأقدامه أو لكي يقطعها بسيوفه ، ولعل آخر المآسي ما نراه اليوم وأمس وقبل أمس في غزة .
إن ما رأيناه في غزة شيء لا يطاق ، هذه الدماء التي تسيل هنا وهناك في القطاع غالية علينا جميعا ، هذه الدماء سوف تذهب بأهلها إلى جنة الخلد بإذن الله ، ولكنها تتركنا هنا نعاني الضعف والهوان ، نعاني الحسرة على أننا مقيدين لا نستطيع فعل شيء ، ولكن هل نحن فعلا لا نستطيع فعل شيء؟ أو بصياغة أخرى : من الذي أوصلنا إلى هذا الحال ؟ لا شك أن للأعداء دور في هذا الحال ولكن أنا وأنت وجميع المسلمين هم الذين يرضون الآن بهذا الحال ولا يحركون أي ساكن لرد هذا العدوان الدائم ، الكل ينتظر من يقوم بتحريره هو ومن حوله من القيود ، نعم هذه هي الحقيقة المرة ، إن هذه الدماء لم تحرك كثيرا من العرب والمسلمين .
يا أخي الكريم : ألا تريد أن تكون مثل أبو بكر ؟ وما فعله في الهجرة ، إن غزة الآن تناديك فلابد من هبة جريئة من أجل المسلمين الذين يذبحوا هناك ، كن يا أخي إيجابيا مع الحدث العظيم ، انصر دينك ونبيك وانتفض على نفسك وانصر إخوانك وأبناءك وأخواتك المضارين هناك انصرهم بالكلمة أو بالدعاء أو بالتبرع أو بأي وسيله ترى أنها سوف تصل بك لهدفك ولكن احذر أن تكون صورة سيئة للإسلام أو أن ترتكب إثما أو ذنبا يبعدك عن هدفك .
وأنتم يا أهل العز ويا تاج الرؤوس المرابطين هناك في عزة : أسأل الله لكم الثبات والصبر وأسأل الله أن يجمع قلوب العرب والمسلمين على نصرتكم وعلى تقديم العون اللازم لكم وأن يمكننا من تقديم أي شيء نعتذر به لله تعالى حينما نلقاه .

الأحد، ٢٨ ديسمبر ٢٠٠٨

أواه ياغـــزة ....


أواه ياغـــزة ....

في هذا اليوم الدامي المشئوم السبت 27 ديسمبر 2008 قامت طائرات الكفرة الصهاينة من بني يهود بمجزرة كبيرة في غزة هاشم ، استشهد على أثرها عدد كبير جدا من إخواننا وأخواتنا وأبنائنا في غزة ، سالت الدماء في كل مكان وانتشرت رائحة الموت في كافة أنحاء غزة ، وانتشرت أشلاء الشهداء في كل مكان ، وشاهدنا على شاشات الفضائيات صور الفظائع التي صنعتها الطائرات المصنوعة في أمريكا ، الطائرات التي خرجت لتواجه أبناء الشعب الفلسطيني في غزة .
وفي المقابل جلسنا نحن العرب أمام شاشات التليفزيون ، تسيل دموعنا لنبكي ضعفنا وقلة حيلتنا قبل أن نبكي إخواننا في غزة ونحن لا حول لنا ولا قوة ، نحن لا نملك في أيدينا إلا البكاء والعويل ، أصبحنا أضعف من أن نفعل أي شيء ، أصبحا أقل من أن يعملوا لنا أي حساب .
قبل القصف بيوم واحد تقف الساقطة ليفني لتعلن من قاهرتنا الحبيبة لتعلن أنها سوف تغير الوضع في غزة ، تقف الساقطة ليفني ولا تخاف من أي رد من قياداتنا المحترمين ، تقف الساقطة ليفني لتضربنا نحن على رؤوسنا وتتفل علينا وهي تعلم أن قوادنا ماتوا منذ زمن بعيد وهي تعلم أننا آخر ما سنفعله صوت عال ولا شيء بعده وقفت الساقطة ليفني في القاهرة وهي تعلم أنها سيدة العالم ، نعم سيدة العالم في هذا الزمن الذي هانت فيه الأمة وضعفت حتى وصلت إلى هذا المستوى الرديء .
واليوم .. غطت الدماء غزة ولم نسمع من أي قائد عربي يهدد بأي رد .. أبدا .. لم نسمع من أي قائد عربي أو مسلم كلمة واحدة تشفي صدورنا ، لم نسمع أي كلمة ولو بطريق الخطأ أو أي كلمة نابعة من النخوة العربية أو من العاطفة الإسلامية .. كل ما سمعناه أشبه بمواء القطط الخائفة ، كل ما سمعناه لا يوازي قطرة دم واحدة أريقت على أرض غزة ، كل ما سمعناه لا يرقى لطموح أي طفل عربي رأى الدماء ثم بكى لأنه لا يستطيع أن يفعل أي شيء ، كل ما سمعناه كلام ضعيف ركيك ، كل ما سمعناه ردود أفعال متخبطة وردود أفعال من أناس ضعفاء مهزومون ، أناس سلموا حاضرهم ومستقبلهم لأعدائهم وهم لا يخجلون من ذلك .
اليوم .. رأيت صورة في قناة الجزيرة للساقطة ليفني تستند على يد وزير خارجية أكبر دولة عربية وهو يبتسم لها ففهمت كيف تدار الأمور ، ورأيت أعدائنا اليهود يتجبرون علينا ويذبحوننا من الوريد إلى الوريد ، ورأيت ضعفنا وقلة حيلتنا ، ورأيت إخواني وقد ارتقوا شهداء وليتني كنت معهم حتى لا أحس بهذا الكم من الهم والضعف والهوان ، ورأيتني أتمزق لأني لا أستطيع أن أفعل أي شيء ، ورأيت أننا جميعا مشاركون في هذا الجرم العظيم.
جاءني ابني يبكي وسألني : ماذا حدث في غزة ؟ ولماذا يحدث هذا ؟ وماذا فعل أهل غزة لكي يتم الحكم عليهم بالإعدام الجماعي ؟ جاءني وأنا لا أملك نفسي مما أراه على شاشة التليفزيون ، فلم أجد أي كلام لأرد عليه به ، غير أني دعوت الله أن يكون الجيل القادم أقوى من الأجيال التي مضت ودعوت الله أن يرزق أهلنا في غزة الصبر وأن يثبتهم وأن يكونوا على قدر الحدث .
وأقول لكم يا أهلنا في غزة : أسأل الله أن يثبتكم وأسأل الله أن يرزقكم الصبر ، وأقول لكم : لقد تعودنا منكم أن تكونوا رجالا أمام الشدائد وأن تكونوا أكبر وأقوى دائما من الأحداث .
وأرجوكم أن تسامحونا وترحموا ضعفنا ، فنحن لا نملك من أمرنا شيء ، ونحن نسير رغما عنا في ذيل عدونا ، ونحن في عصرنا هذا عار عليكم ، وعار على العروبة والإسلام ، فقد بلغنا من الضعف والهوان ما لم نبلغه من قبل ، وأنتم يا سادتنا في غزة أنتم تاج رؤوسنا وأنتم أملنا في هذه الأيام الصعبة ، أرجوكم لا تعولوا علينا كثيرا ، أرجوكم أن تعلموا أن طريقكم الذي تسيرون فيه هو طريق الحق وهو طريق الجهاد وهو طريق النصر إن شاء الله .
ورسالتي لكل الشعوب العربية : أن استيقظوا وكفاكم نوما ، انظروا إلى الدماء الفلسطينية واعلموا أن الدور سوف يأتي عليكم يوما ما ، عودوا إلى ثوابتكم ، عودوا إلى دينكم ، عودوا إلى ربكم ، اتصلوا بالله وادعوه أن يرحمكم وأن يزيل هذه الغمة عنا .

الأربعاء، ١٠ ديسمبر ٢٠٠٨

كل عام وأنتم بألف خير


كل عام وأنتم بألف خير وأسأل الله أن يأتي عيدنا القادم وأمتنا الإسلامية في تقدم وأن يأتي عيدنا القادم وقد تحرر المسجد الأقصى المبارك

الخميس، ٦ نوفمبر ٢٠٠٨

مقال أعجبني

كتب محمد العوضي في جريدة الرأي العام الكويتية:
" بعد أن شاركنا في مراسم غسل الكعبة المشرفة صباح يوم السبت الماضي، دعانا الشيخ / عبد العزيز الشيبي حامل مفاتيح الكعبة لتناول الفطور عنده, وهناك التقيت بعض من شارك في هذه المراسم منهم الداعية / عمرو خالد ، صاحب الضجة التي ثارت حوله في القاهرة بسبب تأثيره الإيجابي على الفنانات. ، وعلمت منهما أن الأستاذ / عبدالله الفايز وكيل إمارة مكة المكرمة، قد دعاهما إلى العشاء مساء الأحد مثلما دعاني، وجاء اللقاء، وكان من ضمن الضيوف، إمام الحرم الشيخ / سعود الشريم، والدكتور/ ناصر الزهراني، والدكتور / سعيد بن مسفر، ومن ضمن المسائل التي أُثيرت، سؤال طرحته على الحاضرين، قلت: كنت بين المغرب والعشاء في زيارة للأستاذ المفكر الإسلامي / محمد قطب ، وكونه حاصلا على جائزة الملك فيصل، على كتابه «منهج التربية الإسلامية» سألته: يا أستاذ من وجهة النظر التربوية، ما رأيك في منهجية وإرشادات الداعية عمرو خالد، فقال: إنه يملك موهبة فذة وظفها في خدمة دينه، قلت له: بعض الناس يرى أنه ليس عالماً ومن ثم لا يجوز أن يأخذ هذا الحجم من الانتشار، قال قطب: كثير من العلماء عبارة عن خزانة معلومات مغـلقة، أو نسخة من مكتبة، وهذا الداعية لم يقل إنه فقيه، وكون عليه ملاحظات، فمن ذا الذي ليس عليه ملاحظات، علينا النصح والتجاوز عن هذه العثرات في سبيل الانتفاع من الخير الكثير الذي يعطيه للناس، لأن المقابل هو النسخ المكتبية!! علق إمام الحرم الشيخ / سعود الشريم قائلاً: علينا أن لا نحصر معنى كلمة «فقه» في مدلولها الاصطلاحي، وإنما الفقه في اللغة يعني الفهم، فكما أن هناك فقه الأحكام، هناك فقه الدعوة وفقه السيرة، وفقه المعاملة,,, وما يقوم به عمرو في جذب الناس ومعرفة مخاطبتهم هو أيضاً نوع من أنواع فقه النفوس ،،، . توجهت بالسؤال إلى عمرو خالد فقلت : حدثنا عن أكثر ما أثر فيك من نتائج بثك الفضائي؟ فأحنى رأسه وسكت قليلاً، ثم تدفق قائلاً: بعد أن تكلمت عن معنى «العفة» في قناة (LBC) جاءتني رسالة عبر البريد الإلكتروني، من فتاة تقول :- * أنا فتاة اسمي « سارة » والدي لبناني مسلم، وأمي لبنانية مسيحية، انتقلا إلى فنزويلا، وبعد فترة انفصلا عن بعضهما ليتزوج كل منهما بمن يناسبه، وبقيت أنا حائرة شاردة، وقد رزقني الله جمالاً أخاذاً فانزلقت قدمي لأنضم إلى مسابقات ملكات الجمال هناك، حتى انتهى بي المطاف إلى العمل في بار!! وصار لي «بوي فرند» ونسيت ديني بل نسيت أني مسلمة، ولم أعد أعرف عن الإسلام إلا اسمه ولا عن المصحف إلا رسمه وفجأة كنت أتابع قناة (LBC) من فنزويلا لأنها قناة لبنانية، رأيتك يا عمرو خالد تتكلم عن العفة، فلأول مرة أشعر بالخجل من نفسي، وأنني أصبحتُ سلعة ًرخيصة ًفي أيدي الأوغاد،،، انشرح صدري، وأنا لا أعرف مسلماً سواك. ثم قالت،سؤالي لك: هل يقبلني الله وأنا الغارقة في الموبقات والآثام .. !! أجبتها عن سعة رحمة الله وفضله وحبه للتائبين، فأرسلت تقول: أريد أن أصلي ولقد نسيت سورة الفاتحة,,, أريد أن احفظ شيئا ًمن القرآن، قال ا/عمرو: فأرسلت لها بالبريد المستعجل ختمة مسجلة كاملة بصوت إمام الحرم الشيخ / سعود الشريم - وكان يجلس بجوار عمرو - وبعد ثلاثة أيام أرسلت سارة تقول: إنني حفظت سورة «الرحمن» و«النبأ» وبدأت أصلي، ثم أرسلت تقول: لقد هجرت" البوي فرند" وطردته، كما أنني انفصلت عن مسابقات الجمال، والبار,,,, وبدأت تقبل الفتاة على الله سبحانه بصدق، لقد وجدت ذاتها لأنها عرفت ربها.
بعد أسبوعين من المراسلات، أرسلت تقول: إنني متعبة لهذا انقطعت عن مراسلتكم وأصابها صداع وآلام شديدة، وبعد الفحوص والكشف الطبي، قالت لنا: يا عمرو، إنني مصابة بسرطان في الدماغ، والعجيب أنها قالت: أنا لست زعلانة بل فرحانة، لأنني عرفت ربي وأحببته وأقبلت عليه قبل المرض والبلاء، وأنا داخلة على العملية المستعجلة بعد يومين، وأنا خايفة ألا يغفر الله لي إذا ُمت، فقلت لها: كيف لا يغفرُ الله للتائبين لقد أكرمك الله بهذه العودة إليه وبحفظ سورة «الرحمن» وأنت الآن بين يدي أرحم الراحمين,,, وفتحنا لها أبواب الرجاء وطردنا من نفسها اليأس، فقالت: لقد وضعت أشرطتي لترتيل القرآن بصوت إمام الحرم الشريم في المسجد مع أشرطتك، لأنني قد أودع الحياة، لتكون لي صدقة جارية، وبعد يوم أرسلت لنا صديقتها المسيحية تقول: لقد ماتت سارة,,, هذا موجز القصة وسيفصلها عمرو في سلسلة ندواته الرمضانية لهذا العام. عندما خرجنا من العشاء كان الأخ كامل جمعة يقود السيارة ، وفي الخلف أنا وعمرو، قلت له ماذا نستطيع أن نقدم لسارة، فهمس في أذني قائلا:ً إلى الآن اعتمر لها اثنان وأهديا ثواب العمرة لها، قلت من هما: قال الأول أنا والثاني زوجتي، كان للخبر أثر كبير على نفسي بعد أن وصلنا إلى باب الفندق سلمت عليه قَبَّلْتُه على قصة سارة، ثم عانقني وعدنا إلى البلاد، ولن تنتهي خواطر الكعبة. " تعليقي على المقالة:- نحن الآن في عصر اصبح العالم فيه بيتاًصغيراً..... فهل كان عمرو خالد وفقه الله يعلم أن فتاة ًفي فنزويلا سوف تعود إلى الله بسبب محاضرةٍ له نقلتها الأقمار الصناعية إلى هناك ... !! وهل سعود الشريم يدرك انه قد يكون نائما ًفي فراشه في منتصف الليل في مكة ..... وصوته يصدح بالقرآن في مناطق شتى من العالم ...... ومنها فنزويلا النائية في آخر العالم ... !! وهذا معناه حسنات لا تنتهي ..... وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.... سوف تقولون عنهم انهم محظوظون !! وأنا أقول لكم: نحن أيضا ًقد انعم الله علينا بنعمة الانترنيت التي تستطيع بواسطتها مخاطبة الكفار في مشارق الأرض ومغاربها ....... فلنغتنم الفرصة ما دام القلب ما زال ينبض ...... !!! سبحان الله وبحمده...... سبحان الله العظيم
ملحوظة:- تخيل أخي الكريم لو أنك نشرت هذه الرسالة بين عشرة من أصدقائك - على الأقل - و كل صديق منهم فعل كما فعلت أنت وهكذا و هكذا .... و لكل واحد منهم حسنه , و الحسنة بعشر أمثالها , انظر كم كسبت من الحسنات في دقيقه واحدة أو دقيقتين !!!!!! انشرها أخي الكريم ولا تبخل على نفسك بالحسنات ... !!!!!

الثلاثاء، ٣٠ سبتمبر ٢٠٠٨

كل عام وأنتم بألف خير





السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أسأل الله أن يعم الخير والأمن على الأمة وأن يأتي العيد القادم وقد تحرر المسجد الأقصى

الثلاثاء، ٢ سبتمبر ٢٠٠٨

الشيطان يطمإن على الأمة


رمضان ينادي ..(1)


يا باغي الخير أقبل
الحمد لله الذي بلغنا هذه الأيام المباركة ، الحمد لله حمدا كثيرا الذي بلغنا رمضان ، الحمد لله الذي رزقنا أبدانا تعيننا على الصيام و القيام و رزقنا عيونا تعيننا على قراءة القرآن , الحمد لله الذي رزقنا عقولا تعيننا على فهم القرآن , الحمد لله على نعمه الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى .
- إن الناظر إلى أحوال الأمة يرى أن الأمة قد تفرق أبناؤها و تشتت دولها ولكن رمضان يأتي ليذكرنا أننا أمة واحده شعوبا و دولا و أن تفرقنا مهما طال فهو أمر طارئ على أمة الإسلام، فرمضان يجمع الأمة رغم أنف أعدائنا.
- يقدم علينا رمضان و معه كل الخير و معه كل المبشرات ومعه الصيام والقيام و قراءة القرآن والذكر ، يأتي رمضان و معه ذكريات النصر وذكريات الجهاد ، يأتي رمضان وهو يعلن للمسلمين أن موسم للطاعة قد بدأ ، وأن الرحمات تتنزل و الهبات توزع و أن هناك عتقاء من النار، ويا سعادة من أعتق ويا هناء من تعرض لنفحات الشهر الكريم ويا فرحة من بلغ ليلة القدر ومبلغ الأمل رضا رب العالمين.
- فالموفق من اغتنم الفرص و الموفق من بذل الجهد و الموفق من فهم القصد من الصيام و القيام والذكر و تلاوة القرآن أسأل الله أن يجعلنا من الموفقين ، وحيث أننا نعيش متساهلين في الطاعة ، مقترفين لكثير من المعاصي ، قليلي الانكسار بين يدي الله عز وجل ، ضعيفي الانقياد لله ، تطبق علينا الغفلة ، غير خائفين من سوء الحساب و العقاب وهذا حالنا لا يخفى على أحد وهذا موسم التوبة والعودة فهل نضيع الفرصة ؟
- وها هو رمضان يأتي بهداياه فهل نقبل هداياه و نعلن أن رمضان هذا العام هو بداية التغيير لنا و للأمة و هو بداية الانطلاق و بداية الأنعتاق من رتق العبودية عبوديه الأعداء وعبودية الذنوب وهو بداية تحرير الإنسان قبل تحرير الأرض .
- يا أمة الإسلام : أعلنيها صريحة مدوية أنه في رمضان هذا سيكون لكي مع الله شأن جديد وسيكون لكي من الأعمال رصيد ، وأن الله سبحانه وتعالى سيرى منك خيرا في رمضان هذا ، وفي هذا الشهر ستكون بداية النصر على الأعداء ، وستكون بداية العودة لمنهج السماء المنهج الحق الذي بعدنا عنه كثيرا .
- يا أخي في الإسلام : إن الله فرض الصوم علينا لغايات سامية وأهداف عليا ، وحتى يتقبل الله منا صومنا علينا أن نعرف ونفهم غاية الصيام والهدف منه ، ولعل أحد أهم الأهداف صناعة رجال أشداء يعيشون من أجل رضا الله عز وعينهم على جنان الله ، رجال لا تشغلهم شهوات البطن ولا شهوات الفرج ، رجال أظمئوا نهارهم وأيقظوا ليلهم ، عيونهم دامعة وقلوبهم خاشعة ، وألسنتهم مشغولة بذكر الخالق جل وعلا ، هم دائما أصحاب همم عالية .
- يروى في السير أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل ثلاث سرايا في رمضان من العام الثامن للهجرة المباركة بقيادة خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وسعد بن زيد الأشهلي رضي الله عنهم جميعا وكانت السرية الأولى لهدم العزى والثانية لهدم سواع والثالثة لهدم مناه ، فهذه دعوة لكي نحطم الأصنام التي تعوقنا عن التقدم نحو الله عز وجل ، والأصنام في حياتنا كثيرة وعلى رأسها كثرة المعاصي وكثرة ارتكاب المحرمات والتخلف في جميع المجالات الذي نعيشه ليل نهار ، ومحاربة الله في الإعلام ولاسيما في رمضان ، ومحاربة الله على صفحات الإنترنت .
- رمضان ضيف عزيز جاءنا زائر وواجب علينا إكرام ضيفنا ، وسأحاول في هذه السلسلة أن نعيش سويا أجواء هذا الشهر الكريم وأسأل الله أن يتقبل منا صالح الأعمال وكل عام وأنتم بخير .

الخميس، ٣١ يوليو ٢٠٠٨

وجعلني مباركا أينما كنت - 2

(( فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير )) القصص 24
إن الإنسان الذي يريد أن تشمله البركة أينما حل وكذلك الذي يريد أن تشمل البركة المكان والزمان الذي يعيش فيه لابد وأن يتصف بصفات تؤهله لذلك وإن لم يكن يحمل هذه الصفات فعليه أن يغير من نفسه وأن يحاول أن يعيش بصفات جديدة وأن يقود عملية تغيير شاملة لنفسه ولمن حوله حتى يصل إلى نهضة شاملة لنفسه تقوده إلى أن ينهض بالأمة ويعيد لها أمجادها المفقودة . ولكن ما هي الصفات التي تجعل مني أو منك إنسانا مباركا أينما حل ؟ أعتقد أننا ممكن أن نتفق أو نختلف حول بعض الصفات لكننا لن نختلف في أن أول شيء لابد أن نعمله أنا وأنت هو أن نقود عملية تنظيمية صحيحة وحقيقية لحياتنا فكل منا لابد أن يكون منظما في شئونه أي أننا لابد أن نرتب حياتنا بالطريقة الصحيحة وأن نرتب أولوياتنا بشكل صحيح وسليم وأن تكون رؤيتنا لهذه الدنيا سليمة نعرف متى نفكر ومتى نتكلم ومتى نكتب ومتى ننفذ ومتى وكيف نتخذ قراراتنا بل ولابد أن نعرف جيدا من هو عدونا ومن هو صديقنا وهكذا فإن ترتيب حياتنا له الأولوية في جعلنا أناس مباركين أينما كنا .
ولذلك فإني أرى أن تحسين وتطوير طريقة التفكير هو مدخلنا إلى هذا الموضوع واسمحوا لي أن أقول إن من أكبر ما تعاني منه أمتنا هو اختفاء المفكرين لأن أهل الفكر في الأمة كانوا دائما هم القادة وهم أهل التطور المستمر وهم الذين صنعوا تقدم الأمة على منهج سليم وقوي وهو منهج ربنا عز وجل ، ولهذا فإن صناعة الفكر هي الصناعة المفقودة وهذه الصناعة فقدت بسبب رئيسي وهو ضياع الحرية ولأن الحرية هي الجو الوحيد المناسب لصناعة الفكر الراقي فلن تتقدم أمتنا خطوة إلا في جو من الحرية التي تتيح لأبناء الأمة الفكر والإبداع ، وكذلك لأن صناعة الفكر في أوطاننا مكلفة فصانع الفكر معرض لكثير من المضايقات إذا كانت صناعته راقية وتصب في نهضة الأمة .
ولقد اتفقنا في المقال السابق أن نبدأ أمرنا هذا بأن نمسك الورقة والقلم وأن نجيب على عدة أسئلة ولكنها إجابات مكتوبة ، أول سؤال ماذا أريد من هذه الحياة والثاني ماذا عن علاقتي بربي والثالث ماذا أريد من أمتي والرابع هل أنا أسير في الطريق الصحيح لنهضتي الشخصية ولنهضة الأمة التي أعيش على ثراها ومن الممكن صياغة الأسئلة بشكل آخر إذا أردنا ، ونسأل أنفسنا : أولا : ما هدفي الرئيسي من الحياة على وجه الأرض ، ثانيا : ما هدفي من عملي في مؤسسة كذا أو شركة كذا أو هيئة كذا ، ثالثا : ما هي أهدافي المرحلية خلال 5 أو عشر سنوات قادمة ، رابعا : ما هو هدفي من تربية أولادي وهل رقي أولادي هدف واضح أمامي ، خامسا : ما هي خطتي لتطوير نفسي علميا ، سادسا : ما هي خطتي لتطوير نفسي مهنيا وفنيا ، سابعا : هل عندي هواية خارج مجال عملي المهني ؟ وإن كان لدي هواية هل حاولت الاستفادة منها وهل حاولت ممارسة هوايتي وإسعاد الآخرين بها وهل حاولت أن تكون هوايتي عامل بناء لنهضة الأمة فهواية القراءة أو الكتابة أو التأليف أو استخدام النت من الممكن أن تصب كلها في نهضة الأمة .
إن هذه الأسئلة المفترضة والتي ذكرتها كأمثلة فقط هذه الأسئلة ممكن أن تضيف إليها أنت أسئلة أخرى كثيرة من واقع حياتك أنت ولكن عندما تضع الأسئلة ضعها وعينك على المستقبل ولا تحصر أسئلتك على ذاتك فقط ولكن اجعل لعائلتك ولمجتمعك ولدولتك ولأمتك نصيب من نفسك ومن وقتك ومن خططك ومن أهدافك واعلم أن بداية تحرر الأمة ونهضتها فكرة والفكرة تبدأ بكلمة فلا تقلل من نفسك وابدأ معي ربما تكون أنت رجل الأمة المنتظر فمن يعلم ، فقط ابدأ وخذ وقتك ولا تتعجل وإذا كتبت الأسئلة المناسبة وأجبت عليها إجابات واضحة وراجعت الإجابات مرات عديدة واقتنعت أخيرا بما كتبت ، إذا وصلت إلى هذه المرحلة أهنئك وأشد على يدك فأنت الآن بدأت تفكر بطريقة جديدة وأصبحت من الذين يفكرون بطريقة صحيحة والتفكير بطريقة صحيحة هو بداية التحرك نحو الأفضل وكما قلت : إن المفكر هو الذي يقود فهل أعددت نفسك لكي تقود من حولك إلى الخير ؟!
إذا عرضت مشكلة أمام أحدنا فإنه ينظر إليها بطريقة ما لحلها وعند استعراض عدد من المشاكل التي عرضت لعدد من الناس وكذا استعراض طرق الحل سوف نجد أن غالبية الناس إن لم يكن كلهم يتعاملون مع مشاكلهم بطرق نمطية أي أن طرق التفكير التي يتعامل بها الناس من حولنا لا تميل إلى الإبداع في التفكير وهذه مشكلة أخرى لابد أن نحلها بيننا وحلها هو إتباع طرق غير تقليدية في حل مشاكلنا أي أن تفكيرنا يكون بطرق غير نمطية وذلك بتحفيز العقل للتمدد والاتساع في البحث عن أفكار متعددة للحل . وكذلك توفير البيئة الإبداعية للأولاد وتوفير البيئة الإبداعية للعاملين في المؤسسة وذلك يكون بتشجيع مبدأ الشورى وإرساء قيم الحرية المسئولة وإشاعة جو الثقة وكذلك إعلام الكل أننا جميعا نملك أعظم طاقة على الأرض ساكنة في ذواتنا الشخصية إنها الطاقة الإبداعية لعقولنا وأن هذا المصدر مستمر ولا ينضب أبدا.
أعلم أننا بعد قراءة هذا المقال سوف نخرج إلى مجتمعاتنا كل يقضي حاجته وأنا لي رجاء أن نتبع ما قرأنا هنا في تعاملنا مع كل من حولنا وأقصد أن نغير من طريقة تفكيرنا ونغير طريقة تعاملنا مع كل من حولنا فعندما نشتري الصحيفة من عند بائع الجرائد علينا أن نلقي عليه السلام ونبتسم في وجهه وبائع الخضار أو الفواكه علينا أن نسلم عليه بيدنا ونبش في وجهه ونسأله عن حاله وحال زوجته وأولاده وهكذا أريد منك أخي القارئ أن تغير وتحول طريقتك مع كل من حولك حتى تكون مباركا أينما تكون .

الثلاثاء، ٨ يوليو ٢٠٠٨

وجعلني مباركا أينما كنت - 1

القرآن الكريم كتاب الله العظيم نزل به ملك الوحي جبريل عليه السلام على رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم لنقرأه ونتدبره ونفهم آياته وأحكامه ونطبقه في حياتنا ، وكلما قرأنا القرآن وتدبرناه كنا إلى الله أقرب ، ولن ينتصر ديننا ولن تتقدم أمتنا طالما أننا بعيدين عن قرآن ربنا .
- والآية الكريمة جاءت في سورة مريم في معرض حديث سيدنا عيسى عليه السلام عن نفسه وحينما كان يتحدث عن براءة أمه مريم البتول الطاهرة ، ولكن إذا أمعنا النظر في الآية الكريمة وحاولنا فهمها سنجد فيها وفي دراستها منهج حياة ورسالة إنسانية راقية هي رسالة الأنبياء والمصلحين ، ولأننا نعيش في فترة صعبة من تاريخ أمتنا توجب علينا جميعا عمل المحاولات تلو المحاولات لرفع هذه الغمة ولإيجاد طرق وسبل ووسائل لإرجاع الأمة إلى مجدها فلابد لكل منا أن يكون له دور في ذلك ، ولذلك لابد لكل منا أن يكون له رسالة في حياته وهذه الرسالة لابد أن تكون مكتوبة وواضحة ومحددة حتى لا يمر العمر هكذا بدون فائدة ، ولأن كثير من الذين ينتمون إلى هذه الأمة لا يوجد لهم أهداف محددة ولا رسالة محددة في حياتهم فواجب علينا جميعا إرشاد كل من نعرفهم إلى أن يجلس مع نفسه ولو ساعة ليحدد فيها رؤيته وهدفه في هذه الدنيا وعلينا أن نساعد الناس على ذلك ولا نتركهم يعيشون هكذا بلا هدف واضح.
- ولعلها بداية خير أن يضع الإنسان هدفا له وهو أن تحل البركة معه أينما ذهب ، أليست غاية نبيله وهدف سام ؟ نعم والله إنها هدف وغاية الأنبياء ، فقد جاء في تفسير الجلالين أن معنى الآية أي جعلني نفاعا للناس وفي ابن كثير أي آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر وفي القرطبي أي ذا بركات ومنافع في الدين والدعاء إليه ومعلما له ، التستري : وجعلني آمر بالمعروف , وأنهى عن المنكر , وأرشد الضال , وأنصر المظلوم , وأغيث الملهوف . وإذا كان هدفك أن تحل البركة معك فسوف يكون هدفك دائما الزيادة والنماء في الخير وفي الاتجاه الإيجابي وثق أن الله معك إذا كانت نيتك صادقة ، فإذا كلفت بعمل أتقنته فنجح العمل ونجحت معه ، وإذا وضعت يدك في مال بالتجارة أو الاستثمار في الخير والحلال زاد وكثر ، وإذا سكنت في بيت ساده الهدوء والسكينة والاطمئنان ، وتجد في أسرتك انسجام وحب وتفاهم ، وفي وقتك تقضي حاجاتك في وقت أقل فتجد في الوقت متسعا ، وتجد في صحتك تمام وكمال ، وفي عمرك طول وحسن عمل ، وفي علمك إحاطة بجوانب العلم والمعرفة ، وتجد كثرة النعم وجوامع الخير .
- وفي زمننا هذا رأينا العالم كله يرفع راية التخطيط وراية العمل فلا مكسب بدون عمل ولا عمل بلا تخطيط والبركة لن تحل والنماء لن يأتي إلا بعمل متقن سبقه تخطيط سليم ، وعليه إذا أردت أنت أو أنا أن تنطبق علينا الآية فلابد بداية أن نأخذ بأسباب حلول البركة والنماء في كل شيء نتعامل معه فعلينا بداية أن نعرف من ديننا من أين ومتى تأتي البركة حتى نلزم أنفسنا به ، فقد علمنا ديننا أن التقوى والإيمان تجلب البركة حيث يقول الله عز وجل : ( ولو أن أهل القري آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ) فلنبدأ بإلزام أنفسنا بالتقوى والإيمان ونعمل على تمكين الإيمان في أنفسنا ، وكذلك الحرص على تلاوة القرآن دائما فالقرآن كتاب مبارك فيقول الله عز وجل: ( وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ) ، وأيضا إلزام أنفسنا التسمية قبل بدأ الأعمال فالتسمية تجعل العمل مباركا فيه وقد قال صلي الله عليه وسلم : (( كل عمل لم يبدأ باسم الله فهو أبتر ، أي مقطوع وناقص البركة )) واستيقاظ الإنسان مبكراً وبدأ أعماله في الصباح الباكر يأتي بالبركة ، فقد قال النبي صلي الله عليه وسلم : (( بورك لأمتي في بكورها )) ، والشكر الدائم لله عز وجل على نعمه فيقول الله عز وجل: ( ولئن شكرتم لأزيدنكم ) .
- فإذا أخذنا بأسباب نزول البركة ثم توجهنا مباشرة للتخطيط لأعمالنا تخطيطا جيدا وأحسنا صياغة أهدافنا طبقا للشروط العلمية المذكورة في كتب الإدارة ثم وضعنا خطة العمل بشكل سليم وبعدها وضعنا جداول التشغيل وأحسنا المتابعة وتصحيح الأخطاء في الأوقات السليمة والمناسبة كان ذلك عملا متكاملا نحصل بعده على أحسن النتائج بإذن الله .
- وهناك ملاحظة أن كثيرا من المنتمين لأمة المسلمين والذين يقومون ببعض الأعمال ، إذا قاموا بأعمالهم يؤدونها بلا وضوح هدف وبلا خطة محكمة لتحقيق هذه الأهداف ، وإذا سألتهم كيف تؤدون هذه الأعمال قالوا نؤديها بالبركة ! ، وهذا كلام عجيب يتعارض مع العقل والمنطق ويتعارض مع ديننا الحنيف فنرى الرسول صلى الله عليه وسلم لا يهم بعمل أي شيء إلا ويخطط له تخطيطا سليما ونرى ذلك واضحا في مثال الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة .
- إن الذي يتصدى للإصلاح ويعمل على رفعة الأمة سوف تقابله أشياء ومواقف تحزنه وتجعله مهموما لكن عليه في وسط هذا ألا يركن لليأس ويتذكر ما بدأنا به المقال أنه سوف يجعل من نفسه مباركا أينما حل فعليه أن تعلوا وجهه الابتسامه حينما يفقدها في الآخرين وأن يحذوه الأمل حين يأخذ اليأس من الناس مأخذه وعليه أن يحاول مرة ومرة ولا ينسى أن يكون إيجابيا وأن يعلم أن طريق نهضة الأمة طريق طويل لابد أن نتكاتف فيه جميعا وأن التزام طريق نهضة الأمة الآن هو من واجبنا جميعا ولا علاقة له بالعمر أو المهنة أو المستوى التعليمي أو الجنسية فالهم همنا جميعا .
- وسوف نستكمل سويا هذه السلسلة ان شاء الله سويا لنعرف كيف يكون الإنسان مباركا باستعماله الأدوات الحديثة لنعرف سويا بعض القيم الواجبة لنرقى بأنفسنا وبأمتنا .
جمال سيد الأهل
Gakgak11@hotmail.com

الأحد، ٢٩ يونيو ٢٠٠٨

خواطر عائد إلى الحياة ..

كنت ذاهبا إلى صلاة الظهر في مسجد صغير أمام مقر عملي وعند اقترابي من المسجد وأنا غارق في التسبيح وذكر الله فوجئت بنفسي طائرا في الهواء ثم اصطدمت بمقدمة سيارة ونزلت على الأرض فاقدا للوعي وبعد برهة قصيرة استعدت وعيي جزئيا على حديث قائد السيارة بأنه لم يكن يقصد وأنه كان مهموما بعض الشيء وقائد السيارة شاب في أوائل العشرينات من عمره وعندها جاءني أحد الزملاء بكوب من الماء ثم حملوني في السيارة التي صدمتني إلى طوارئ المستشفى وكان إحساسي بأن الموت قد داهمني وكنت أنتظر حدوث ما قرأته كثيرا عن قبض الروح وأحوال الميت وأكاد أجزم أنني رأيت الموت وعشته في هذه الدقائق بل وعشته لأكثر من عشرة أيام بعدها وكان على لساني في هذه اللحظة قول لا إله إلا الله محمد رسول الله بصوت عال ثم قولي يارب لقد سامحت كل من أساء لي في هذه الدنيا فسامحهم جميعا وسامحني واعف عني ، وفي الطوارئ أجريت الفحوصات الأولية وتم استدعاء أطباء العظام والقلب والمخ والأعصاب والجراحة وكان هناك ألم شديد في كل جسمي ولكن كان الألم الأكثر في كتفي الأيمن وكنت لا أستطيع تحريك يدي اليمنى وأرسلوني فورا إلى الأشعة التي قام فيها طبيب الأشعة بعمل أشعات مقطعية على المخ والعمود الفقري ثم أشعة عادية على باقي أجزاء الجسم وتم بعد ذلك تنويمي بالمستشفى تحت الملاحظة وكنت في اليوم الأول غائبا عن الوعي بصورة كبيرة . ولم أبلغ زوجتي ولا أولادي إلا بعد أن أفقت جزئيا بعد صلاة العشاء ، والحمد لله مرت الأمور كلها بعد ذلك بسلام ولم يترك الحادث على جسمي إلا بعض الردود والكدمات وأسأل الله أن يعافيني منها قريبا .
- في العشرة أيام التي تلت الحادث كنت أعيش حياة غريبة فقد كنت أحس أنني لست بين الأحياء بل كنت أحس أنني أعيش بين الأموات وكنت أفكر كثيرا في الموت وكنت أعيش وكأنني داخل فقاعة كبيرة وبيني وبين الناس حاجز غريب وكأن هناك حياة ضبابية أخرى تفصلني عن الناس وبدأ هذا الشعور يتلاشى قليلا الآن ولكن ..
- شغلني هذا الأمر من عدة أوجه وعلى عدة أسئلة : ما هو الموت وما هي الحياة وماذا لو مات الإنسان وعاد مرة أخرى وما دورنا نحن في هذا وهل أنا أو أنت من الأهمية بأن نرى بأن لموتنا أو لحياتنا قيمة وهل هناك أصلا من يهتم بنا سواء أحياءا أم أمواتا ؟ أسئلة كثيرة وأمور عدة جالت في نفسي وأهمها على الإطلاق لماذا نعطي كل شيء في حياتنا قيمة أكبر من حجمها الحقيقي ؟ كل شيء .. نعم .. كل شيء ؟ إذا أصيب أحدنا بالزكام قامت الدنيا ولم تقعد إذا أخطأ علينا أحد ولو بكلمة أو همسة اعتبرنا تصرفه أقرب للخروج من دين محمد صلى اله عليه وسلم ، وقليل هم الذين يعيشون خلق التسامح ، وهكذا نقيم الدنيا ولا نقعدها على كل شيء مهما كان صغيرا أو كبيرا ، ولا نفعل ذلك مع أهم شيء وهو : علاقتنا بالله عز وجل وهذه العلاقة هي حجر الزاوية في حياتنا ويجب أن تكون شغلنا الشاغل ويجب أن تأخذ كل تفكيرنا حتى لا يأتي وقت لا نستطيع فيه إعادة ترتيب حياتنا ولا نستطيع أن نفعل شيء إلا الندم وحينها لا يتفع الندم .
- إن الله عز وجل خلق آدم ونحن بنوه ووجودنا على هذه الأرض لم يتم عبثا لأنه حاش لله أن يكون كذلك فالله عز وجل أكبر من ذلك وأجل وأعلى ، إذا لابد ان نعلم ما هو هدف وجودنا على هذه الأرض حتى نعيش لهذا الهدف ، حتى إذا طرق بابنا ملك الموت نكون جاهزين إذا دخل الملك علينا وذهب بنا إلى الدار الآخرة ، وأنا هنا أحاول أن أخرج بدرس ما من الحادث الذي تعرضت له ولكنه درس بناء لا درس هدم ودرس أكتبه هنا لأنني أعلم أن الحياة لابد أن تستمر إلى ماشاء الله وإلى أن يأذن الله لها بالتوقف .
- إن الموت سنة من سنن الله في الأرض وهو سنة تسير على المخلوقات جميعا الإنسان والحيوان والنبات وما من حي إلا وهو ميت ، وهو في الدين مفارقة الروح للجسد والدخول في البرزخ وبدء الحساب وانتظار البعث وقد ذكر الإمام الغزالي: (أن الموت معناه تغير حال فقط ، وأن الروح باقية بعد مفارقة الجسد، إما معذبة وإما منعمة، ومعنى مفارقتها للجسد انقطاع تصرفها عنه، بخروج الجسد عن طاعتها، فإن الأعضاء آلات الروح، والموت عبارة عن استعصاء الأعضاء كلها) ، وأما في القانون فهوانتهاء شخصية كانت معتبرة، وضياع ذمة مالية، وانتهاء قدرة على التملك وعلى التعامل بيعًا وشراء، وكذلك هو خلو منصب وفراغ من عمل، وانقطاع القدرة على أداء تعهدات وانتهاء وإرادة وانتقال ملك، ونوزعه بالميراث على أفراد آخرين ، وأما عندنا فالموت فراق حبيب وآهات وأنات وعبرات وربما عبرة وعظة وربما ارتياح لأن شخص ما فارق الحياة وكان البعض يتمنى ذلك . والبعض يرى في الموت الخوف والرعب كون ما بعده شيء لا يعلمه أحد ، ولكن يجب أن تكون معرفة الموت أو رؤيته نقطة انطلاق وبداية حياة جديدة لأن الموت باب وما بعد الباب دار وهذه الدار نحن الذي نعمرها أو نخربها . فلابد أن نعمل على إعمار هذه الدار بالأعمال الصالحة الخيرة والأعمال الصالحة كثيرة منها الفرائض والنوافل ، ولكن يأتي فرض الوقت وهذا الفرض هو إعادة الأمة إلى جادة الصواب والعمل على رفع رايتها وإعادتها إلى هويتها كل على حسب تخصصه وعلى حسب مكانه وعلى حسب إمكاناته .
- إن الحياة بعد الموت مبنية على ما تصنعه أيدينا هنا في حياتنا الدنيا ولذلك لابد أن نحسن البناء نبذل كل ما في وسعنا من طاقة ومجهود حتى يخرج البناء عاليا وجميلا وثابتا .
- إن حياتنا على الأرض تنطلق من آيتين كريمتين في القرآن الكريم :
الأولى : وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون .
الثانية : وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة .
ومنها نفهم الآتي :
- إن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان بقدرات عجيبة وطاقة كامنة وإمكانات واسعة إذا أطلق لها العنان وسخرها لتحقيق أهدافه في الحياة فإنه بذلك يستطيع أن يفجر طاقاته ويصل إلى أفضل المستويات الإيمانية والأخلاقية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والإبداعية وإذا أهمل هذه القدرات والملكات فإنه يعيش حياة مشلولة وغير منتجة يلفها الركود والتبلد والفشل . وإن النجاح في حياة الإنسان يحتاج إلى عملية تغيير داخلية . أي أن تقوم بتعديل سلوكك وتبدأ أولى خطوات التغيير بنفسك وتقوم أنت بالمبادرة الذاتية نحو التغيير .
- إن اللاعب الرئيسي وأهم شخص في حياتك هو أنت ولابد أن تعمل على اكتشاف نفسك وتعرفك عليها . فهل لديك المقدرة على الإمساك بزمام أمرك وتطويع ذاتك ووضع قدميك على الخطوات الأولى للتغيير الإيجابي . لا تكن من الكسالى السلبيين وحاول أن تكون نشيطا وفعالا واثقا بربك وحاول الاستفادة من جميع قدراتك . اكتشف نفسك وتعرف على ذاتك وابدأ مشوارا رائعا من النمو الذاتي والتغيير الداخلي والتطوير الشخصي . ضع يدك على مكامن القوة والضعف في شخصيتك . ثم ابدأ بتوظيف عوامل القوة لتحقق أهدافك وتخلص من نقاط الضعف . أو على الأقل اعرف هذه النقاط حتى لا تكون حجر عثرة في طريقك . هل تستطيع أن تستجيب لهذا التحدي ؟ إذا كنت واثقا من ربك صادقا مع نفسك حريصا على مستقبلك وترغب في التغيير الإيجابي فخذ نفسك بقوة وتصالح معها ومارس معها التغيير رويدا رويدا . أما إذا كانت ثقتك مهزوزة وكنت إنسانا مترددا تساورك الشكوك في جدوى التغيير في حياتك فأنت تدور في الحلقة المفرغة التي يدور دائما فيها الإنسان الكسول المتهاون التي لا يستطيع تغيير حياته للأفضل .
الواقع أن كل منا له رسالة محددة في هذه الحياة أو ما يعتقد هو بأنها رسالة ولديه رؤية منبثقة من هذه الرسالة وهذه الرسالة إما أن يكون اكتسبها بخبراته أو أخذها من الآخرين وهنا لابد من طرح سؤال : هل هذه الرسالة التي تتبناها واضحة وصحيحة ؟ وإذا كانت واضحة وصحيحة فهل قناعتك بها راسخة أم أنت مقلد للآخرين ؟ وإذا كانت راسخة فهل قادت إلى تطبيق عملي في حياتك أم أنها لا تزال مشروع نظري تفصلك عنه مسافات بعيدة ؟ وهنا :
لابد أن أسأل نفسي ما هي رسالتي في الحياة ؟ ما هي المثل والقيم والمبادئ التي أرغب أن أعيش في ضوئها وما هي المعايير والضوابط التي أرغب في الحياة تحت ظلها . وما هي رؤيتي للحياة من حولي . وما هي … وما هي ….
- أمسك الورقة والقلم … وهنا البداية :
- وإذا مسكت الورقة والقلم كثرت عليك الأفكار .. فلا تخف واعلم أن تبني رؤية واضحة وسليمة ورسالة صحيحة هي بداية الحياة الحقيقية وهي بداية النجاح .
- أخي : امسك الورقة وفكر بعمق .. أنا أعلم أن الأمر صعب في البداية لكن .. اكتب وعدل وغير في الصياغات حتى تصل إلى قناعة نهائية .
- أخي أمسك الورقة ولا تقلق فبعض الناس يحتاج إلى أسابيع وأشهر ليصل إلى رسالة جيدة .. وبعض الناس يقضي عمره ولا يصل .. وربما غيرت رأيك بعد فترة .. ولكن فقط أمسك الورقة وابدأ .
هذه خواطر كتبتها لي ولك وهذه الكلمات أتوجه بها لنفسي قبل أن أتوجه بها إليك أخي القارئ وأحاول مع نفسي أن أبدأ مرحلة جديدة من حياتي وأسأل الله أن يوفقني ويوفقك لكل ما يحب ويرضى .

الخميس، ١٩ يونيو ٢٠٠٨

رسالة إلى أخي الحبيب - 4

( هذه رسالة أذن الله لها أن تكتب وتنشر فقد كتبت نصفها قبل الحادث الذي تعرضت له وقد اراد الله أن أكملها فالحمد لله على كل حال ..)
أخي الحبيب ..
أخي المسلم في كل مكان أتوجه إليك بالجزء الرابع من الرسالة التي أبثها إليك وأكتب فيها كلمات وهي نبضات حب ينبض بها قلبي وهي حديث أوجهه إلى نفسي قبل أن أتوجه به إليك فهو حديث النفس للنفس علنا نتفق ونتعاون حتى نصل بأنفسنا وأهلينا وأمتنا إلى المستوى الذي نصبو إليه .
أخي الحبيب ..
- إن ما أريده منك هو أن تحمل معي هم هذه الأمة وهم هذا الدين ، تحمله وتساعدني على حمله وبل وتدعو الآخرين لحمل هذا الهم الثقيل بل وتسعى معي وتدعوا الجميع للعمل على تقدم ورقي هذه الأمة ونصرة هذا الدين حتى ترتفع راية الحق خفاقة فوق ديارنا جميعا .
- وعندي لك نفحة عطرة من تاريخنا لشاب يافع حمل هم الأمة فنصر الله به الدين وسأنقل لك حوارا عجيبا لشاب في السابعة عشر من عمره فلتقرأ معي :
- في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك خرجت أربع سفن من جزيرة سيلان تحمل نساء مسلمات وعند ساحل مدينة الديبل الهندية هجم قراصنة هنود على السفن وأخذوا النساء المسلمات أسيرات عندهم وبلغ الخبر الحجاج بن يوسف الذي أرسل إلى ملك السند طالبا منه أن يخلص النساء من القراصنة فاعتذر له فغضب الحجاج وأرسل حملتين لتخليص النسوة ولكن القراصنة أبادوا الحملتين فأسرع الحجاج إلى الوليد بن عبد الملك طالبا منه الإذن بتسيير جيش لفتح السند وتأديب القراصنة وتحرير النسوة فأجاب الوليد طلب الحجاج بعد إلحاح شديد منه على ذلك وفي طريق عودته إلى العراق جعل يفكر في قائد يوليه قيادة هذا الجيش وحينما وصل إلى قصره وجد بانتظاره محمد بن القاسم وقد بلغه الخبر فبادره قائلا : مولاي الحجاج لقد علمت بما حدث في الديبل فهلا أرسلتني إلى ثغر السند ؟ . ولم يفهم الحجاج مقصد ابن عمه فرد عليه قائلا : نعم الروح روحك يامحمد إني مسيرك إلى هناك في جيش يقوده أبو الأسود بن جهم . فاقترب محمد بن القاسم من أذنيه قائلا : بلاد الفرس في حاجة إلى قائد عرفها وعرف دروبها مثل أبي الأسود فأبقه هناك . فكر الحجاج قليلا ثم قال : ولكن من يقود الجيوش إذن ؟. فقال محمد بن القاسم في نبرة قوية : أرسلني أنا إلى السند ، آتيك بالمسلمات اللائي خطفن وآخذ بثأر المسلمين . فقال الحجاج مترددا : ولكن سنك الصغير يامحمد لا تؤهلك لقيادة الجيش ، فأنت لم تتجاوز عامك السابع عشر. فقال محمد : اختبر بلائي وصدق عزيمتي هذه المرة يابن العم فقال الحجاج : يعجبني إصرارك وإقدامك لكن . فقاطعه محمد قائلا : والله ياأمير العراق ما أريد المنصب ولا القيادة ، إنما أطلب منك أن تعينني على موتة في سبيل الله ، فاقتنع الحجاج وقال : خذ يابني سيفك وامض مجاهدا وفاتحا على بركة الله . وذهب القائد الشاب وجعل الله على يده النصر وفتح بلاد السند وكان عادلا وتقيا وكريما ومعطائا وكان محبوبا من أهل السند .
- هذه الروح وهذا الشعور الذي تملك هذا الشاب المسلم هو الذي أريده أن يتملكنا جميعا ولسنأل أنفسنا : كيف ننام وأهلنا في كثير من بقاع الأرض لا ينامون وكيف نأكل وأهلنا في بقاع الأرض جوعى وكيف نحس بفرح أو سعادة والكآبة والحزن تخيم على أهلنا هنا وهناك ، هذه ليست دعوة لعدم الفرح أو دعوة لليأس ولكنها نداء يقظة وصرخة مدوية أصرخها لعل أحدنا أو كلنا نفهم ما نحن فيه .
- وكأني بالأمة تنادينا مثل نساء المسلمين اللاتي اختطفهن القراصنة ، وكأني بالأمة تنادي وتقول من لي الآن هل يوجد من أبنائي من يحمل همي ، هل يوجد من أبنائي من يريد نصرتي هل يوجد من أبنائي من هو مثل محمد بن القاسم في مثل همته ورغبته في إنقاذ شرف الأمة ونيل السعادة في الدنيا والآخرة أسأل الله أن اكون أنا وأنت منهم . ولكن هل يكفي هذا الصياح لإنقاذ الأمة ؟ بالطبع لا يكفي . فنحن في حاجة إلى فهم جديد لواقع الأمة ونحن بحاجة إلى عمل ضخم ومستمر دون كلل ولا ملل ، نحن بحاجة إلى أن نتكاتف جميعا كل في مكانه وكل في تخصصه ونتفق على أن نكون إيجابيين في حمل هذا الهم وبالعمل لا بالقول والكلام .
- سأل رجل عمر بن الخطاب رضي الله عنه قائل : أتوشك القرى أن تخرب وهي عامرة ؟ قال عمر : إذا علا فجارها على أبرارها . إذن إن علو الفاجر على البار هو سبب ما نحن فيه الآن فقد علا الفاجر فولى أمثاله . فلا ينفك كل فاجر أن يكون أسير شهواته ثم يكون أسير مصالحه فيظلم ويتعسف فتهدر الطاقات وتتوارى الكفاءات طالبة لنفسها الستر، ستر العرض من الاعتداء والبدن من العذاب وبعدها نجد أنه لا يتصدى للأمة إلا كل جاهل أناني فيعم الاضطراب الاجتماعي ثم الخراب الاقتصادي ثم المدني ثم التخلف العلمي ، وهذا هو وضعنا !!
- ولهذا كان للصحابة رضوان الله عليهم إنكار شديد على من يجلس في بيته متخليا عن مكانه في إصلاح الأمة ومحاربة الباطل فقد قال طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة ( إن أقل عيب للرجل أن يجلس في داره ) هذا عيب أن تجلس في بيتك حتى ولو كنت صالحا مصليا عابدا لله فلا تجلس في بيتك وكن أحد المصلحين في هذا الزمن الذي قل فيه المصلح الناصح الأمين .
- وهذا نداء آخر للنزول إلى الميدان نداء من الشيخ القدوة العارف عبد القادر الكيلاني رحمه الله وكان فقيها ثقة من فقهاء الحنابلة فقد صاح صيحة من صيحات الحق قائلا ( من كملت معرفته لله عز وجل صار دالا عليه ، يصير شبكة يصطاد بها الخلق من بحر الدنيا ، يعطى القوة حتى يهزم إبليس وجنده ، يأخذ الخلق من أيديهم ، يامن اعتزل بزهده مع جهله ، تقدم واسمع ما أقول : يازهاد الأرض تقدموا ، خربوا صوامعكم واقربوا مني ، قد قعدتم في خلواتكم من غير أصل ، ما وقعتم بشيء ، تقدموا ) قالها رحمه الله وهو في شيخوخته وهكذا هو فهم العالم العامل لله ولإصلاح الأمة وإن كلماته قوية تهز القلب فياأخي خرب صومعتك وانطلق وخذ مكانك في مقدمة الصفوف .
- يقول ابن القيم رحمه الله ( الشجاع الشديد الذي يهاب العدو سطوته : وقوفه في الصف ساعة ، وجهاده أعداء الله ، أفضل من الحج والصوم والصدقة والتطوع ، والعالم الذي عرف السنة ، والحلال والحرام ، وطرق الخير والشر : مخالطته للناس وتعليمهم ونصحهم في دينهم أفضل من اعتزاله وتفريغ وقته للصلاة وقراءة القرآن والتسبيح ) وهذه كلمات من ذهب للإمام يدعوك ويدعوني ويدعوا كل المسلمين لفهم صحيح لدينهم بأنه دين حركة ونشاط وليس دين قعود وخلود للراحة .
- وبعد أن فهمنا وعلمنا أنه واجب علينا الوقوف في صف المصلحين من أبناء هذه الأمة أيا كان مكانهم وموقعهم وعدم الركون إلى الراحة بأي حجة فالسؤال الذي يطرح نفسه كيف أكون أنا ناصرا لأمتي وكيف أكون أنا عاملا على إلى إعادة الأمة إلى مسارها الطبيعي في مقدمة الأمم والعمل على إيقاف التدهور الحاصل على كثير من المستويات ولهذا أقترح عليك أخي أن يكون لك في هذه الدنيا مشروع شخصي .
يقول الدكتور عبد الكريم بكار (فكرة المشروع الشخصي ما زالت غريبة عن المجتمعات الإسلامية ولدى معظم الناس، مع أنه قد يكون هو السبيل الأكثر يسراً والأقل تكلفة والأكثر نجاعة والأقل مخاطرة في إنقاذ الأمة من الحالة الحرجة التي صارت إليها في ظل قصور الداخل وضغوطات الخارج.
المشروع الشخصي يعني التزام المرء بإنجاز شيء يكرس له حياته أو جزءًا كبيرًا منها، وهو من أجل إتقانه وأدائه على أفضل وجه مستعد للتنازل عن بعض الرغبات وتفويت بعض المصالح وذوق طعم العناء.
المشروع الشخصي رؤية تتكون من الهدف والطاقة والإمكانية والبعد الزمني، ولا قيمة لتلك الرؤية إذا لم يتم تجسيدها في خطة عملية ومنطقية واضحة ودقيقة، من خلال مشروعنا الشخصي نعثر على الدور الأمثل الذي يمكن أن نؤديه في هذه الحياة، كما أننا نجيب من خلاله عملياً عن الأسئلة التي لا يتم التقدم الحقيقي من غير الجواب عنها.وأهم تلك الأسئلة سؤالان ضاغطان؛ هما:
1- ما الشيء الذي نستطيع أن نفعله الآن لكننا لا نفعله؟
2- ما العمل الذي إن أديناه بطريقة جديدة تكون نتائجه أفضل؟
ومن المهم أن تكون الأهداف التي ننجزها من خلال ذلك المشروع متصلة بالهدف النهائي الذي على كل مسلم أن يسعى إلى بلوغه، وهو الفوز برضوان الله –تعالى-.
سوف تتقدم أمة الإسلام تقدماً باهراً إذا تمكن 5 % من أبنائها من تقديم نماذج راقية في العلم والتربية والأخلاق والسلوك والعلاقات الاجتماعية والإنتاج والإبداع، فالذي يغير معالم الحياة ليس الأفكار والحكم والمقولات - وإن كانت تشكل الأساس لأي ازدهار-؛ وإنما النماذج الراقية التي يتفاعل معها الناس، ويتخذون منها قدوات يقتدون بها.
الأمم الفقيرة ليست تلك التي لا تملك الكثير من الرجال، ولكنها الأمم التي يتلفت أبناؤها يمنة ويسرة، فلا يرون إلا رجالاً من الطراز الثالث أو الرابع، فيحدث ما يشبه الفتنة الثقافية والضياع السلوكي.
من الصعب أن يكون المرء نموذجاً في أمور كثيرة، لكن من الميسور أن يكون عادياً أو فوق العادي قليلاً في جل شؤونه، ويقدم نموذجاً رفيعاً في شأن أو اثنين أو ثلاثة.
إذا نظرنا في سير صفوة الصفوة من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم- لوجدنا أنهم من خلال براعة كل واحد وتفوقه في بعض الأمور تمكنوا من كتابة تاريخ صدر الإسلام، وتأسيس المرجعية الرمزية والشعورية والأخلاقية لأمة الإسلام بطولها وعرضها: هذا يقدم نموذجاً في العدل، وهذا في الأخلاق والتجرد، وهذا في الصدق والأمانة، وهذا في الثبات على المبدأ، وهذا في النبوغ العلمي والفقهي، وهذا في الحنكة العسكرية، وهذا في الكرم والجود، وهذا في البر بوالديه وأرحامه، وهذا في الحياء واللطف والطيبة... وهكذا تم رسم ملامح أفضل مراحل حضارة الإسلام وملامح أكرم الأجيال.
جمال فكرة المشروع الحضاري الشخصي أنه لا يحتاج إلى كثير مال وأحياناً لا يحتاج إلى أي مال. وهو ليس ذا مقاييس صارمة ومعالم محددة، ولذا فإن معظم الناس يستطيعون أن يهتموا بأمر من الأمور يصبحون من خلاله مناراً ومرجعية لغيرهم؛ ومن الذي يمنع المرء أن يقدم نموذجاً في التبكير إلى صلاة الجماعة أو خدمة والديه أو الحرص على الوقت أو التصبر والتحلم وسعة الصدر ...؟
من خلال المشروع الحضاري يحقق المرء لدينه وجماعته ودنياه الكثير من المكاسب، وهو في كل ذلك الكاسب الأول . لكننا نحتاج إلى شيء من البصيرة وشيء من التخطيط وكثير من الهمة والاهتمام وروح المثابرة.
3-المشاركة في الخدمة العامة:
يتجلى الكثير من عظمة الأمم وخيريتها في تمتعها بأعداد كبيرة من المهتمين بالشأن العام والناهضين للقضايا التي لا تدخل في مسؤولية أي جهة من الجهات. وإن في إمكان أي مسلم مهما كانت ظروفه وأوضاعه، ومهما كانت قدراته وإمكاناته أن يسهم في تحسين الحياة العامة وإشاعة الخير ومحاصرة الشر في البلد الذي يعيش فيه. وسيكون من الخطأ الظن أن الإحسان يقتصر على بذل شيء من المال للفقراء. لا ريب أن هناك مشكلات كثيرة لا يحلها إلا المال؛ لكن أيضاً هناك مشكلات كثيرة جداً لا تحتاج في حلها إلى أي مال. وقد كان عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – يخرج إلى السوق مع غلام له، ثم يعود دون أن يشتري أي شيء، وكان غلامه يستغرب، ويتساءل : لماذا كان ذلك ؟! وكان ابن عمر يجيبه أنه خرج من أجل السلام على الناس.
في المسلمين مظلومون يحتاجون إلى مناصرة، وفيهم جهلة يحتاجون إلى تعليم ومنحرفون يحتاجون إلى إرشاد، ومهمومون يحتاجون إلى مواساة... ولو أن كل مسلم بذل ساعة في الأسبوع في التعاون مع مؤسسة خيرية أو في عمل تطوعي عام لتغير وجه الحياة في عالمنا الإسلامي.
نحن أمة تتحدث كثيراً عن حب الخير وعمل الخير، لكن الأرقام والإحصاءات والنتائج الملموسة تدل على أننا في الأعمال التطوعية والأنشطة اللاربحية في مؤخرة الأمم. ويكفي القول: إن القطاع الثالث والذي يشمل الأعمال الخيرية واللاربحية في (إسرائيل) يستوعب 11% من القوة العاملة هناك؛ على حين أنه في أقطارنا الإسلامية لا يستوعب ولا واحداً في المئة!.
من خلال حبّات الرمل تتشكل صحارى شاسعة، ومن خلال قطرات الماء تتشكل بحار ومحيطات، ومن خلال الأعمال الصغيرة والمبادرات الفردية يتشكل مستقبل أمة إذا امتلكنا ما يكفي من العزيمة والوعي ) .
أخي الحبيب ..
أختم كلامي لك بهذا الاقتراح الذي اقترحته عليك الذي آمل أن يلاقي سعة في صدرك وأن يكون بداية خير لي ولك ، وفي نهاية رسالتي لك أشكرك على صبرك وعلى سعة صدرك وعلى حسن خلقك كما وأشكر كل من أهدى إلي نصيحة من الأساتذة الأفاضل .
جمال سيــــد الأهل
Gakgak11@hotmail.com

الثلاثاء، ٣ يونيو ٢٠٠٨

رسالة إلى أخي الحبيب - 3

أخي الحبيب ..
أخي المسلم في كل مكان أتوجه إليك بالرسالة الثالثة التي أتحدث فيها كما وعدتك في الرسالة السابقة عن أمتنا حينما كانت مطيعة لربها وكان الإسلام يقودها وكان الحاكم والمحكوم يدور في فلك الشريعة وفي فلك الحق في أمة كان عنوانها المودة والوئام وكان تعاملها الأمانة والصدق والعدل لن أطيل عليك لنذهب معا إلى الخيال أقصد الخيال الذي كان واقعا ثم ضيعناه بأيدينا .
أخي الحبيب ..
نحن الآن في القرن الرابع الهجري، أو القرن العاشر الميلادي، وسنلقي نظرة سريعة على مدن العالم الإسلامي حيث المدن والعواصم كبغداد ودمشق وقرطبة وغرناطة وإشبيلية.. لنرى كيف كانت هذه المدن وكيف كانت حضارتها.
لنرى مدن الأندلس، فهي مجاورة لأوروبا ، ولنبدأ بقرطبة، ولنحاول أن نلم بملامحها الظاهرة، لا بكل شيء فيها، فكيف نجدها؟
كانت قرطبة في عهد عبد الرحمن الثالث الأموي عاصمة الأندلس المسلمة، تنار بالمصابيح ليلاً ويستضيء الماشي بسُرجها عشرة أميال لا ينقطع عنه الضوء، (أي ستة عشر كيلومتراً)، أزقتها مبلطة، وقماماتها مرفوعة من الشوارع، محاطة بالحدائق الغناء حتى كان القادم إليها يتنزه ساعات في الرياض والبساتين قبل أن يصل إليها، كان سكانها أكثر من مليون نسمة (في ذلك العصر الذي لم تكن فيه أكبر مدينة في أوروبا تزيد عن خمسة وعشرين ألفاً) وكانت حماماتها تسعمائة حمام وبيوتها 283.000 بيت وقصورها ثمانون ألف قصر، ومساجدها ستمائة مسجد، وكانت استدراتها ثمانية فراسخ (أي ثلاثين ألف ذراع). كان كل ما فيها متعلماً، وكان في ربضها الشرقي مائة وسبعون امرأة كلهن يكتبن المصاحف بالخط الكوفي، هذا في ناحية واحدة من نواحيها، وكان فيها 80 مدرسة يتعلم فيها الفقراء مجاناً، وخمسون مستشفى. وأما مسجدها فكان ولا تزال آثاره حتى اليوم آية خالدة في الفن والإبداع. كان ارتفاع مئذنته أربعين ذراعاً تقوم قبته الهيفاء على روافد من الخشب المحفور، وتستند إلى 1093 من الأعمدة المصنوعة من مختلف الرخام على شكل رقعة الشطرنج فيتألف منها تسعة عشر صحناً طولاً وثمانية وثلاثون صحناً عرضا، وكان يضاء في الليل بأربعة آلاف وسبعمائة مصباح تستنفد في كل سنة 24 ألف رطل من الزيت، وترى في وجهه الجنوبي تسعة عشر باباً مصفحاً، بصفائح برونزية عجيبة الصنع خلا الباب الوسط الذي كان مصفحاً بألواح من الذهب، وترى في كل من وجهه الشرقي الغربي تسعة أبواب مشابهة لتلك الأبواب، أما محرابه فحسبك أن يقول فيه مؤرخو الفرنج (أنه أجمل ما تقع عليه عين بَشَر، وأنه لا يرى أحسن من زخرفه وسنائه في أي أثر قديم أو حديث).
وقد ألحق بقرطبة بناء الزهراء الخالد في التاريخ بفنه وروعته حتى قال فيه المؤرخ التركي ضيا باشا: (إنه كان أعجوبة الدهر التي لم يخطر مثل خيالها في ذهن بنَّاء منذ برأ الله الكون، ولا تمثل رسم كرسمها في عقل مهندس منذ وُجدت العقول).
وفي الزهراء المجلس المسمى (قصر الخلافة) وكان سقفه وحيطانه من الذهب والرخام الغليظ الصافي لون المتلون أجناسه، وفي وسطه حوض عظيم مملوء بالزئبق، وفي كل جانب من جوانب المجلس ثمانية أبواب على حنايا من العاج والأبنوس المرصع بالذهب وأصناف الجواهر قامت على سواري من الرخام الملون والبلور الصافي، وكانت الشمس تدخل على تلك الأبواب فيضرب شعاعها على صدر المجلس وحيطانه، فيصير من ذلك نور يأخذ بالأبصار، وكان الناصر إذا أراد أن يفزع أحداً من أهل مجلسه أومأ إلى أحد مواليه فيحرك ذلك الزئبق، فيظهر في المجلس كلمعان البرق من النور، ويأخذ بمجامع القلوب، حتى يخيل لكل من في المجلس أو المحل قد طار بهم ما دام الزئبق يتحرك.
وكان فيها دور الصناعة والآلات: كدار صناعة آلات السلاح للحرب ودار صناعة الحلي للزينة، ودار صناعة النحت والزخارف والتماثيل وغير ذلك من المهن والصناعات، استغرق بناء الزهراء أربع سنوات.
وفي هذا القصر العظيم استقبل الخليفة المستنصر عام 351هـ ملك إسبانيا المسيحية أردون بن اذفونش، وقد أصابه الذهول حينما دخل الزهراء ورأى أبهتها وعظمتها وخدمها وجندها وسلاحها، ثم زاد ذهوله حين وصل إلى مجلس الخليفة المستنصر وفي جانبه عظماء المملكة وأشرافها وفحول العلماء والخطباء وأكابر القواد، فلما قارب ملك الإسبان الدنو من الخليفة المستنصر كشف رأسه وخلع برنسه وبقي حاسراً حتى أذن له الخليفة بالاقتراب منه.
وإذا انتقلنا من ذلك إلى غرناطة تجلت لنا عظمة البناء والعمارة في قصر الحمراء وقد كان آية عجباً يدهش له الناظرون، ولا يزال رغم عوادي الزمن محط أنظار السائحين من بلاد العالم كلها، أُقيم هذا القصر على منحدر جبل يشرف على مدينة غرناطة وحقول البقعة الواسعة الخصيبة المحيطة بها، فبداً من أجمل أمكنة العالم. وكانت فيه قاعات متعددة منها قاعة الأسود، وغرفة الأختين، وقاعة العدل، وقاعة السفراء، ولا يمكننا في هذا الحديث القصير أن نُلم بوصف الحمراء.وأما الحديث عن المدن الأندلسية الأخرى وما كانت عليه من رقي وعظمة فذلك حديث يطول، وحسبنا أن نذكر هنا أن إشبيلية كان فيها ستة آلاف نول للحرير وحده، وكانت محاطة من كل أطرافها بأشجار الزيتون، ومن ثم كان فيها مائة ألف معصرة للزيت، يعني مدينة بلا بطالة الكل فيها يعمل وينتج .
ولنتحول بعد ذلك إلى العالم الإسلامي الشرقي لنرى نموذجاً من مدنه الكبرى وحضاراته الرائعة. وسأقتصر هنا على بغداد وكيف كانت حين بنيت من عجائب الدنيا التي لا مثيل لها في القديم.
كانت بغداد قبل أن يبنيها المنصور الخليفة العباسي الشهير ضيعة صغيرة يجتمع فيها على رأس كل سنة التجار من الأماكن القريبة منها، فلما عزم المنصور على بنائها أحضر المهندسين وأهل المعرفة بالبناء والعلم بالذرع والمساحة وقسمة الأرضين، ثم وضع بيده أول آجُرة في بنائها وقال: بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين. ثم قال: ابنوا على بركة الله، بلغ مجموع ما أُنفق على بنائها أربعة ملايين وثمانمائة ألف درهم، وبلغ عدد العمال المشتغلين فيها مائة ألف، وكان لها ثلاثة أسوار يلي الواحد منها الآخر. بلغ عدد سكانها مليوني نسمة، وبلغت عدد دروبها وسككها ستة آلاف بالجانب الشرقي وأربعة آلاف بالجانب الغربي، وكان فيها عدا دجلة والفرات، أحد عشر نهراً فرعياً تدخل مياهها إلى جميع بيوت بغداد وقصورها، وكان في نهر دجلة وحده من المعديات (المعبرانيات) ثلاثين ألفاً، أما حماماتها فقد بلغت ستين ألف حمام، وفي أواخر عهد العباسيين بها، تناقص هذا العدد إلى بضعة عشر ألف حمام، وأما مساجدها فقد بلغت ثلاثمائة ألف مسجد، وأما سكانها وكثرة العلماء والأدباء والفلاسفة فذلك فيها لا يحيط به حصر.
ونختم حديثنا هذا بوصف عظمتها في عهد المقتدر بالله ومبلغ ما وصلت إليه أبهة الخلافة في عصره. حين زارها رسول ملك الروم. كانت دار الخلافة في اتساعها تفوق مدينة كبيرة من مدننا اليوم.
فلما وردها رسول ملك الروم أنزل في دار الضيافة ثم صف العسكر من دار الضيافة إلى دار الخليفة, فبلغ عددهم مائة وستين ألف فارس وراجل, فسار بينهم إلى أن بلغ الدار, ثم سلم على الخليفة وأمر أن يطاف به دار الخليفة وقد أفرغت, ولم يبق فيها إلا سبعة آلاف خادم وسبعمائة حاجب وأربعة آلاف غلام أسود, وفتحت الخزائن وآلات السلاح والحرب فيها مرتبة كما ترتب أجهزة العرائس, ولما دخل رسول ملك الروم دار الشجرة ذهل إذ رآها, وكانت شجرة من الفضة وزنها خمسمائة ألف درهم, لها ثمانية عشر غصن لكل غصن فيها أغصان صغيرة وقفت عليها الطيور والعصافير من كل نوع مذهبة ومفضضة وأكثر قضبان الشجرة فضة وبعضها مذهب وهي تتمايل في الأوقات, ولها ورق مختلف الألوان يتحرك كما تحرك الريح ورق الشجر, وكل من هذه الطيور الفضية والذهبية يصفر ويهدر, وفي جانب دار الشجرة تماثيل خمسة عشر فارسا على خمسة عشر فارسا قد ألبسوا الديباج وفي أيديهم مطارد على رماح يدورون على خط واحد, كأن كل واحد منهم يقصد صاحبه, ثم أدخل إلى القصر المعروف بالفردوس فكان فيها من آلة السلاح ما يحصى, ثم أخرج من قصر إلى قصر – في دار الخلافة نفسها - حتى بلغ ما طافه ثلاثة وعشرون قصرا إلى أن عادوا إلى مجلس المقتدر بالله مرة أخرى بعد ما استراحوا سبع مرات. ومما ما زاره رسول ملك الروم في دار الخلافة دار الوحوش وفيها مختلف أنواع الحيوان المستأنسة والمتوحشة, ودار الفيلة وفيها أربعة فيلة على كل فيل ثمانية نفر من الهنود, ودار السباع وفيها مائة سبع, خمسون يمينا وخمسون يسارا, كل سبع منها في يد سباع وفي رؤوسها وأعناقها السلاسل والحديد. ولا ريب أن رسول ملك الروم قد بلغت الدهشة في نفسه مبلغها حين رأى عظمة دار الخلافة, فما في الدنيا يومئذ دار كهذه الدار التي رآها, وحسبنا هذا الذي ذكرناه لندرك روعة حضارتنا في إبان عظمتها وقوتها.
أخي الحبيب ..
إذا أردنا أن نكمل الحديث عن الأمة حين كانت في مقدمة ركب البشرية لن يكفينا مقال ولا كتاب فالتاريخ شاهد على عظمة أمة الإسلام حين كان كتاب الله هو هاديها وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم هي حياة الناس ، وهذا مثال ضربناه ليعلم الجميع أننا لسنا لقطاء في هذا العالم وليعلموا أننا صنعنا مجدا نفخر به ونحبه وإن شاء الله سوف نعيده وستعود راية الأمة عالية خفاقة بيد أبنائها البررة التي أنت منهم إن شاء الله ، ولا تظن أخي أنني أتغنى بمجد ولى وذهب لا والله إني أتذكر معك مجدا باق وسيعود قريبا إن شاء الله رضي الأعداء أم أبوا .
أخي الحبيب ..
لا يفوتني هنا إلا أن أذكر قليلا عن وضع أوربا ومدن العالم الغربي في نفس الفترة الزمنية التي تحدثت معك عنها في بداية رسالتي هذه وسيروعنا الفرق العظيم بين العالمين، سيدهشنا أن نرى عالماً زاخراً بالحياة والقوة والحضارة - وهو العالم الإسلامي – وعالماً بدائياً لا أثر فيه لحياة أو علم أو حضارة – وهو العالم الغربي – ولنحاول المقارنة بين مدن هذين العالمين.
جاء في كتاب التاريخ العام للأفيس ورامبو ما يلي: كانت إنجلترا الأنجلوسكسونية في القرن السابع الميلادي إلى ما بعد العاشر الميلادي فقيرة في أرضها منقطعة الصلات بغير بلادها، سمجة وحشية، تبنى البيوت بحجر غير منحوت، وتشيدها من تراب مدقوق ، مساكن ضيقة المنافذ، غير محكمة الإغلاق، واصطبلات وحظائر لا نوافذ لها، تصيب الأمراض والأوبئة المتكررة المواشي والسائمة وهي المورد الوحيد في البلاد، ولم يكن الناس أحسن مسكناً وأمناً من الحيوانات، يعيش رئيس القبيلة في كوخه مع أسرته وخدمه ومن اتصل به، يجتمعون في قاعة كبرى في وسطها كانون (موقد صغير) ينبعث دخانه من ثقب فتح في السقف فتحاً غليظاً، ويأكلون كلهم على خوان واحد، يجلس السيد وقرينته في أحد أطراف المائدة، ولم تكن الشوكات معروفة، وللأقداح حروف من أسفلها، فكان على كل مدعو أن يمسك بيده قدحه، أو يفرغه في فيه دفعة واحدة. وينتقل السيد إلى غرفته في المساء بعد أن يتناولوا الطعام ويعربدوا على الشراب، ثم ترفع المنضدة والصقالات، وينام جميع المجتمعين في تلك القاعة على الأرض. أو على دِكَك، واضعاً كل فرد سلاحه فوق رأسه، لأن اللصوص كانوا من الجرأة بحيث يقتضي على الناس أن يقفوا لهم بالمرصاد كل حين لئلا يؤخذوا على غرة.
وكانت أوروبا في ذلك العهد غاصة بالغابات الكثيفة، متأخرة في زراعتها، وتنبعث من المستنقعات الكثيرة في أرباض المدن روائح قتالة، تجتاح الناس وتحصدهم. وكانت البيوت في باريس ولندن تُبنى من الخشب والطين المعجون بالقش والقصب (كبيوت القرى عندنا منذ نصف قرن) ولم يكن فيها منافذ ولا غُرف مدفئة، وكانت البسط مجهولة عندهم، لا بساط لهم غير القش ينشرونه على الأرض، ولم يكونوا يعرفون النظافة، ويلقون بأحشاء الحيوانات وأقذار المطابخ أمام بيوتهم، فتتصاعد منها روائح مزعجة، وكانت الأسرة الواحدة تنام في حجرة واحدة تضم الرجال والنساء والأطفال، وكثيراً ما كانوا يؤون معهم الحيوانات الداجنة، وكان السرير عندهم عبارة عن كيس من القش فوقه كيس من الصوف، يُجعل مخدة أو وسادة، ولم يكن للشوارع مجارٍ ولا بلاط ولا مصابيح، ولم تكن أكبر مدينة في أوروبا تضم أكثر من خمسة وعشرين ألفاً.
هكذا كان الغرب في القرون الوسطى حتى القرن الحادي عشر فما بعده، باعتراف مؤرخيهم أنفسهم، فإذا عملنا مقارنة بين المشرق الإسلامي المضيء والغرب المظلم سنصل إلى النتيجة التي ألح عليها وهي أننا حين تمسكنا بديننا وثوابتنا كنا قادة الدنيا وحينما تخلينا عن ديننا وثوابتنا أصبحنا في ذيل الأمم وأصبحنا كما أخبر عنا حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم فعن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلة على قصعتها قال قلنا يا رسول الله أمن قلة بنا يومئذ قال أنتم يومئذ كثير ولكن تكونون غثاء كغثاء السيل ينتزع المهابة من قلوب عدوكم ويجعل في قلوبكم الوهن قال قلنا وما الوهن قال حب الحياة وكراهية الموت ) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخي الحبيب ..
لقد تحدثت معك عن هم الأمة ثم هم الدين ولقد رأينا سويا كيف تكون الأمة حينما تتمسك بدينها ومبادئها وقيمها وأرجو أن تكون رسالتي هذه وصلت إليك ولك مني أرق تحية .
جمال سيــــد الأهل
Gakgak11@hotmail.com

السبت، ٣١ مايو ٢٠٠٨

رسالة إلى أخي الحبيب - 2

أخي الحبيب ..
أخي المسلم في كل مكان أتوجه إليك بالرسالة الثانية التي أبث لك فيها همي وفيها أحدثك عن الإسلام ذلك الدين العظيم الذي نحمل اسمه ولكن لا نحمل همه ، الإسلام تاج رؤوسنا وضياء عيوننا وحبة قلوبنا ، الإسلام ديننا الذي نحبه والذي نفديه بكل ما نملك ، الإسلام الذي أصبح وكأنه تراث أو حكاية يحكيها البعض ويسمعها البعض ويلوي عنقه ثم يولي ، الإسلام الدين الخاتم ، نزل به الروح الأمين جبريل عليه السلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فحمله وحفظه وبلغه وجاهد من أجله ثم حمله بعده صحبه الكرام فحفظوه وبلغوه وجاهدوا من أجله وجاء إلينا فضيعناه وضعنا من بعد أن تركناه جانبا وأبعدناه عن حياتنا .
أخي الحبيب ..
- أخي المسلم في كل مكان .. إن نزول الإسلام إلى البشر من عند الله كان حتما مقضيا وإن ارتباط البشرية بالإسلام كارتباط الأرض بالجاذبية وارتباط الكون بالشمس فتخيل أخي لو زالت الجاذبية أو اختفت الشمس كم يكون الاضطراب ؟. فكذلك وجود الإسلام ، فإن الإسلام والشمس والقمر والجاذبية والماء والهواء من سنن الكون التي يتحتم وجودها وإلا يختل الكون ، لكن الاسلام سنة كونية لا يراها إلا ذو قلب سليم ، وكما أن للأرض مدارا تدور فيه فإن للبشر هذا الدين إن فقده اختل ميزانه والناظر يرى أبعد من ذلك ويبصر أن للكون هندسة بديعة هذا الدين جزء منها فلابد أن تمثله جماعة مسلمة في كل وقت .
- إن ديننا العظيم هو من مكملات الكون فلابد إذن من وجوده في الواقع وبوجوده تستمر الحياة بدون اضطراب وبدونه يحدث ما نرى الآن ، نرى اضطرابا في كل شيء وعلى كل المستويات .
- يقول الله عز وجل ( قل هو نبأ عظيم ) ص : 67 وإنه لأمر أعظم بكثير من ظاهرِهِ القريب ، إنه أمر من أمر الله في هذا الوجود كله ، وشأن من شئون هذا الكون بكامله ، إنه قدر من قدر الله في نظام هذا الوجود ، ليس منفصلا عن شأن السماوات والأرض ، وشأن الماضي السحيق والمستقبل البعيد . ولقد جاء هذا النبأ العظيم ليتجاوز قريشا في مكة ، والعرب في الجزيرة ، والجيل الذي عاصر الدعوة في الأرض ، ليتجاوز هذا المدى المحدود في الزمان والمكان ، ويؤثر في مستقبل البشرية كلها في جميع العصور والأقطار . ولقد حول خط سير البشرية إلى الطريق الذي خطته يد القدر بهذا النبأ العظيم ، سواء من آمن به أو من صد عنه ، ومن جاهد معه أو من قاومه ، في جيله أو في الأجيال التي تلته ولم يمر بالبشرية في تاريخها كله حادث أو نبأ ترك فيها من الآثار ما تركه هذا النبأ العظيم .
- ولقد أنشأ الإسلام من القيم والتصورات وأرسى من القواعد والنظم في هذه الأرض كلها وفي أجيال البشرية جميعا ما لم يكن العرب يتصورونه ولو في الخيال ، وما كانوا يدركون في ذلك الزمان أن هذا النبأ إنما جاء ليغير وجه الأرض ، ويوجه سير التاريخ ، ويحقق قدر الله في مصير هذه الحياة ويؤثر في ضمير البشرية وفي واقعها ، ويصل هذا كله بخط سير الوجود كله ، وبالحق الكامن في خلق السماوات والأرض وما بينهما وأنه ماض كذلك إلى يوم القيامة ويؤدي دوره في توجيه أقدار الناس وأقدار الحياة .
- والمسلمون اليوم يقفون من هذا النبأ كما وقف منه العرب أول الأمر لا يدركون طبيعته وارتباطه بطبيعة الوجود ، ولا يتدبرون الحق الكامن فيه ولا يستعرضون آثاره في تاريخ البشرية وفي خط سيرها الطويل استعراضا واقعيا ، فلابد للمسلمين من نظرة مستقلة غير مستمدة من أعداء هذا النبأ ، فالأعداء يهمهم أن يصغروا من شأنه في تكييف حياة البشر وفي تحديد خط التاريخ ، ومن ثم فإن المسلمين لا يدركون حقيقة دورهم سواء في الماضي أو الحاضر أو المستقبل وأنه دور ماض إلى آخر الزمان ، ولكن إن لم يدركه ضحايا خطط الترويض من الظباء الجفولة فإن ليوثا من أبناء الإسلام سوف يدركوه .
- فوجود المسلم الفاهم الواعي الحامل لدينه حتمية من حتميات التاريخ الماضي والحاضر ، ولئن رأى الحاضر من البشرية إقصاء الإسلام عن الحياة فما ذاك إلا كما تكسف الشمس والذي حصل من الاضطراب والظلم والفساد بإقصائه لهو دليل لأولي الأبصار يميزون به صواب ما نقول من كون الإسلام جزئية لابد منها من هذا الكون البديع وبدونه يختل الكون .
- لقد كانت تنحية الإسلام عن قيادة البشرية حدثا هائلا في تاريخها ونكبة قاصمة في حياتها ، نكبة لم تعرف البشرية لها نظيرا في كل ما ألم بها من نكبات . لقد استلم الإسلام القيادة بعد أن فسدت الأرض واستعبدت القيادات شعوبها ، وذاق البشر الويلات من هذه القيادات و( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ) . تسلم الإسلام القيادة بهذا لقرآن وبالتصور الجديد الذي جاء به القرآن وبالشريعة المستمدة من هذا التصور ، فكان ذلك مولدا جديدا للإنسان وهذا المولد أعظم من المولد التي كانت فيه نشأته ، لقد أنشأ القرآن للبشرية تصورا جديدا عن الوجود والقيم والنظم ، كما حقق لها واقعا اجتماعيا فريدا ، هذا الواقع كان لا يخطر على بال أحد أن يتصوره قبل أن يُنشأه القرآن .
- نعم لقد كان هذا الواقع من النظافة والجمال والعظمة والارتفاع والبساطة واليسر والواقعية والإيجابية والتوازن والتناسق بحيث لا يخطر للبشرية على بال لولا أن الله أراده لها وحققه في حياتها . ثم وقعت تلك النكبة القاصمة ونحي الإسلام عن القيادة نحي لتتولاها أنظمة وضعية غلب عليها التفكير المادي الذي تتعاجب به البشرية اليوم وكان لهذه الأنظمة أثرها السيء على بني البشر وكان من آثارها :
1- الاهتمام بالدنيا ونسيان الآخرة : إننا نلمس اليوم عند كثير منا اهتمام كبير بأمور الدنيا أما الآخرة فلا تحظى إلا بقليل الاهتمام وربما كان لها النسيان الكامل مع أن الدنيا دار زوال والآخرة دار بقاء مع إن الأمر جد خطير ويحتاج منا إلى يقظة تامة .
2- وزن الإنسان بما يملك من متاع الدنيا : فلقد اختلت لدينا الموازين فأصبحنا نزن الإنسان بما لديه من مال أو جاه أو منصب ثم يتبع ذلك احترام وتقدير وهيبة وتزلف وتقرب ونسينا المقياس الرباني في ذلك (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) الحجرات : 13.
3- تغلب مطالب الجسد على مطالب الروح : فكثير منا يسعون لإشباع شهوات الجسد وغرائزه دون ضوابط أو التزام بحدود أما من ناحية غذاء الروح بالتدين الصحيح والذكر وإحسان الصلة بالله فلا تجد من يسعى إليه إلا ما رحم ربي .
4- الأنانية والأثرة : انتشرت في مجتمعاتنا صفة غريبة علينا وهي روح الأنانية وحب الذات والحرص على المنافع الشخصية ونسيان الهم العام وانعكس ذلك على صلة الرحم ومراعاة حقوق الجيران والبر باليتامى والفقراء ومن هنا فقد كثير منا الرجولة والنخوة لأنه لا يبحث إلا عن مصلحته هو فقط .
5- القلق والتبرم بالحياة : حيث لا توجد راحة نفسية ولا طمأنينة لا يوجد صبر ولا رضى ولا سلوك معتدل ، فاستبعاد الإسلام من حياتنا يصيبنا بالبؤس والشقاء ويوصلنا إلى ما نحن فيه الآن.
6- جور الحكام وظلم الشعوب : إن الإسلام يدعو إلى العدل والرحمة وحسن رعاية الحكام لشعوبها وحمايتها من كل الأخطار الداخلية والخارجية ولكن استبعاد الإسلام من الحياة جعل بعض الحكام يقعون في مظالم كثيرة لشعوبهم ويحرمونهم كثير من حقوقهم دون رقيب أو حسيب وفي غفلة منهم أن الله رقيب عليهم .
7- ومن أسوأ ما حدث حين تم تنحية الإسلام عن حياتنا ظهور أفراد من بيننا يحملون أسماءنا ويتحدثون لغتنا ولكنهم ينكرون ديننا وقيمنا ومبائدنا بل ويتعدى الأمر أن يحاربوننا ليل نهار ويتعاونون مع أعداءالأمة والدين .
أخي الحبيب :
تحدثت لك في هم ألم بي هو هم الأمة وهم الدين ولكن لابد ان أتحدث معك وأعرض عليك ماذا كان واقعنا حينما كانت الأمة متوافقة مع دينها والشعوب متوافقة مع حكامها والكل كان يدور في فلك الإسلام الذي هو جزء من ناموس الكون فكانت الأمة متوافقة مع دينها وكانت ترضي ربها وكانت تدحر عدوها وكانت تتوافق في كل هذا مع الكون . وهذا هو موضوع الرسالة القادمة ولك مني أرق تحية .
جمال سيــــد الأهل
Gakgak11@hotmail.com

الثلاثاء، ٢٧ مايو ٢٠٠٨

رسالة إلى أخي الحبيب -1

مع حبي وتقديري ..
أخي الحبيب ..
أخي المسلم في كل مكان أتوجه إليك بهذه الكلمات ، فأنت أخي ، وأنا وأنت نشترك في كثير من الأمور ، فنحن نعبد ربا واحدا ونتبع رسولا واحدا و نصلي لقبلة واحدة وفي الغالب نتكلم لغة واحدة فالمشترك بيني وبينك كثير .
أخي الحبيب ..
اسمح لي أن أتحدث إليك بعاطفة جياشة وروح تملأها المحبة ، اسمح لي أن أحدثك في موضوع هام يؤرقني ويشغلني ولعله يؤرقك ويشغلك أنت أيضا ، فكما تعلم ياأخي الحبيب أننا ننتمي إلى أمة واحدة ، هذه الأمة التي ذكرها الله في كتابه العزيز قائلا ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) هذه الأمة ياأخي تمر بمرحلة عصيبة ، هذه الأمة ياأخي كثرت مشاكلها واستباح الأعداء حماها .
أخي الحبيب ..
دعني أحدثك قليلا عن هذه الأمة فربما نحتاج سويا أن نتذكر بعض الشيء عن أمتنا :
- عدد دول العالم الإسلامي 56 دولة وعدد المسلمون في العالم يقترب من الربع ودولهم تغطي ربع مساحة الكرة الأرضية.
- نمتلك 80 % من احتياطي البترول وننتج 60 % من إنتاج العالم .
- ننتج 43 % من القطن و 80 % من زيت النخيل و 35 % من جوز الهند و 75 % من الجوت و 80 % من المطاط و 99 % من انتاج التمر .
- ننتج 56 % من القصدير و 40 % من الكروم والمنجنيز والفوسفات و 23 % من بوكسيت الألومنيوم من إجمالي إنتاج العالم .
- يمتلك العالم الإسلامي ما يزيد على 375 مليون رأس من الماشية .
- الأرقام تثبت أن العالم الإسلامي يحتل المرتبة الأولى في إنتاج البترول والتمر والقطن والمطاط والثانية من انتاج الزيتون والقمح والثالث في قصب السكر وكثير من المنتجات الأخرى .
- العالم الإسلامي له موقع فريد حيث يكاد لا يوجد خط بحري ولا جوي إلا ويمر عبر العالم الإسلامي .
وفي المقابل :
- نسبة كبيرة جدا من هذا الإنتاج يصدر كمواد خام .
- إجمالي الناتج المحلي 735 مليار دولار في العام مقابل 4.6 تريليون لليابان و 6.6 ترليون دولار لأمريكا.
- إجمالي الصادرات 281 مليار دولار في العام مقابل 513 مليار لأمريكا و 3.9 تريليون دولار لليابان.
- أكثر من 800 مليار دولار أموال معطلة في بنوك الغرب.
- 40 % فقط من الأراضي الصالحة للزراعة تم استغلالها.
- مردود الكيلومتر المربع من الأرض الزراعية في بعض الدول العربية (70 ) طناً.. بينما مثيله في الدانمرك يصل مردوده إلى (300) طن وفي فرنسا (200) طن.
- حصة الفرد في أمريكا من ميزانية البحث العلمي 700 دولار وفي دولة الكيان الصهيوني 250 دولار وفي العالم العربي 6 دولار.
- نسب الفقر والأمية وانتشار الأمراض عالية جدا .
- جل العالم الإسلامي يصنف في العالم الثالث أو قل العالم المتخلف .
- الحرية والتعبير عن الرأي ليست من خصائص العالم الإسلامي .
- تزوير الإرادة والتبعية والفساد من أهم خصائص عالمنا الإسلامي .
- بعض دولنا ما زالت تحت الاحتلال الأجنبي المباشر .
- وكثير من الأمور الأخرى ...
القائمة تطول ولا أريد أن أزيد في هذا الأمر فحال الأمة لا يخفى على ذي عينين .
- أما حال غيرنا معنا فحدث ولا حرج فجل دول العالم الآن لا تتورع عن إيذاء أمتنا أو توجيه الضربات لها فهذا ساركوزي يدور يملي علينا أفكاره النووية والمتوسطية وبعده بوش يجيء إلينا كأعتى امبراطور روماني محتفل منتشي رافعا رأسه علينا وياليته ينظر إلى خيبته هنا وهناك . ومن أوربا يأتي لنا سافل وضيع يسب نبينا ويتهم ديننا .
- وفي غزة وما أدراك ما غزة ؟ حصار قاتل مميت ، قتل وتدمير لكل شيء ، ونحن متفرجون ؟ أتصدق هذا ياأخي بل نحن مشاركون في لحصار ، هذا هو واقعنا .
- ولأمتنا قصة طويلة تبدأ من يوم ما بدأت الفتوح ونحن نرى تلك الصفوة المؤمنة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، المندفعة بعد موته لإتمام مهمته في نشر الدين بأروع الاندفاع ، المنتشرة مثل شعاع الشمس ، تفتح البلاد ، وتحطم الطواغيت ، وتقود الناس إلى الجنة . فما إن أتت السنوات الأخيرة من القرن الأول حتى كان نوع بطر قد سرى إلى جيل جديد ممن خلف أولئك الأفذاذ ، فلانت له نفوس ، وضعفت عزائم كانت أولى أن تواصل تحطيم بقية الطواغيت . ويهيء الله للأمة عمر بن عبد العزيز رحمه الله بما حباه من روح عالية ، فيرى من مجرد ذاك البطر القليل والقعود دلالة انحراف عن الحق ويستعظم أن تكون أمة الجهاد قد خف اندفاعها فيقول حزينا ( إني أعالج أمرا لا يعين عليه إلا الله ، فقد فني عليه الكبير ، وكبر عليه الصغير ، وفصح عليه الأعجمي ، وهاجر عليه الأعرابي ، حتى حسبوه دينا لا يرون الحق غيره) . كلمة قالها عمر في حزن عميق مع أنه يستلم قيادة أمة تسود الأمم ، وتفيض بمعاني الخير ، وتحكم نفسها عموما بشرع الله . إنه استكبار واستعظام المؤمن لصغار المعاصي وقليل البدع وهين الظلم وأوليات الترف . وإنها نفس المؤمن في حساسيتها البالغة إزاء معاني العدل والظلم والاتباع والابتداع والبذل والدعة .
- ومضت من بعد عمر قرون و أجيال ، نصر الإسلام في حقب منها أبطال من القادة و المصلحين ، وسادت الغفلة في حقب أخرى ، حتى رأينا الأمة في يومها هذا وقد أنهكتها خطط اليهود ودول الكفر ، وسلبتها خيرها ، بما أضعفته من إيمانها ، وبدلته من موازينها ، وبما أقصته من حكم قرآنها ، وما فرضته وربت عليه ذراري المسلمين من تصورات مغايرة للإسلام تكسبها مختلف الأسماء وتلبسها متعددة الثياب . فإن كان في قلب المرء بقية من إيمان ، وأثارة من غيرة ، يأبى معها التنصل من دينه : صرعوه بالتزوير وخدعوه بالتمويه ، فيجعلونه أسير ساسة ومستشرقين وأدباء لا فقه لهم ، يتشبثون بنصوص عامة وربما من الحديث الموضوع لتخريج نظم السياسة والاقتصاد تخريجا اسلاميا دون أي ضابط من أصول الفقه أو الاجتهاد .
- فمحنة المسلمين اليوم لا تقتصر على نظم حكم ظالمة فحسب ، بل تعدت إلى تربية سخرت المناهج الدراسية وكراسي الجامعات والصحف والإذاعات لمسخ الأفكار والقيم . إن عصاة المسلمين اليوم ضحية تربية أخلدتهم إلى الأرض ، أرادت لهم الفسوق ابتداءا، لتستخف بهم الحكومات انتهاءا ، وإنها لخطة قديمة يأخذها طاغوت لاحق عن طاغوت سابق حتى تصل أصولها إلى فرعون وذلك كما يقول الله تعالى ( فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين ) وما كان فرعون بقادر على أن يستخف قومه فيطيعوه لو لم يكونوا قوما فاسقين عن دين الله ، فالمؤمن بالله لا يستخفه طاغوت ولا يمكن أن يطيع له أمرا . وهكذا أدركوا المقتل الذي عرفه فرعون ، فتواصوا بالإفساد وأخذوا يحولون المجتمعات إلى فتات غارق في وحل الجنس والفاحشة والفجور ، مشغول بلقمة العيش التي لا يجدها إلا بالكد والعسر والجهد ، كي لا يفيق ، بعد اللقمة والجنس ، ليستمع إلى هدى أو يفيء إلى دين .
- وصارت تلك سياستهم : سياسة محاربة المساجد بالمراقص ، ومحاربة الزوجات بالمومسات ، ومحاربة العقائد بأساتذة حرية الفكر ، ومحاربة فنون القوة بفنون اللذة . وهكذا تحول بهذه التربية ذلك الصقر الإسلامي إلى مثل طائر الحجل في وداعته .
- وكان من تمام ما يلزمه هذا الترويض أن يستبد بالتوجيه التربوي والإذاعي والصحافي أدعياء العلم والشعر والثقافة والحكمة الذين طفقوا يزينون للجيل الجديد ، سليل المجاهدين وشبل الأسود ، أن يكون رقيقا للشهوات والجنس ، وبدأوا يمحون تراث الأمة التي نهضت به ويطمسون قصص العلماء حذرا من أن تكون نبراسا للجيل يستدل بها على طريق العمل .
- وقد كان .. محيت قصص أسود الإسلام من العلماء والزهاد والمجاهدين من تاريخ القرون الفاضلة الأولى لهذه الأمة المجاهدة ، وأنتجت خطط التربية ذاك الظبي الجفول الذي لم يعد يقتحم واستبدل العزم بالتفلت والمسارعة إلى الهرب . إنهم هذا الجيل من أبناء المسلمين ، شبل أسد تحول إلى ظبي وديع وحر استرقوه ففرح.
- ومرت الخطة وبدأوا في المرحلة الثانية وهي مرحلة التحول السريع ..
هذا أخي هو وضع الأمة وهذه هي قصتها كما ذُكرت في المنطلق .
أخي الحبيب معذرة فقد أطلت عليك ولكن أستأذنك وأستميحك عذرا أن أكمل حديثي معك في رسالة قادمة أكمل فيها حديثي معك و أبث لك ما أحمله من هم هذه الأمة الذي أرقني ولك مني أرق تحية .
جمال سيــــد الأهل
Gakgak11@hotmail.com

الثلاثاء، ٢٠ مايو ٢٠٠٨

التجديد ضرورة - 6

الحمد لله الذي أنعم علينا بنعمة الإسلام والحمد لله الذي أنعم علينا بنعمة الإيمان ، الإيمان بكل ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم . فقد أخبرنا صلى الله عليه وسلم أن الله حافظ دينه وأن الله ناصر دينه وهناك أحاديث كثيرة تحمل البشرى بعودة الإسلام إلى واجهة الحياة وأننا الأمة التي سترث هذه الأرض ونحن على يقين أن هذه الأحاديث ستتحقق كما أخبرنا بها الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ولكن هذه الأحاديث تحمل في طياتها تكليفا واستنهاضا لهمم المسلمين بوجوب السعي والعمل لتحقيق النصر لدين الله وإعلاء رايته وإعلاء راية الأمة وإثبات الحق في الأرض.
وعلى ضوء ما تقدم في الأجزاء الخمسة في موضوع ( التجديد ضرورة) أسجل هنا نقاط محدودة ومختصرة وهي رسائل موجهة لكل عامل مجتهد يريد ان ينصر دينه ويعلي من شأن أمته ويريد أن يضع نفسه في موقع الشرفاء المجددين :
- إن الله سبحانه وتعالى سيحفظ دينه حفظا دائما وسيبقيه خالدا منتصرا أبدا حتى قيام الساعة .
- إن حفظ الدين وبقاء الأمة يتم عبر علماء ربانيين ومجددين مخلصين يبعثهم الله ليحموا الدين ويجددوا ما اندرس من معالمه ويبتكروا وسائل جديدة تساعد في نشر الدين وكذلك يعملوا دائما على رقي الأمة ورفعتها في جميع المجالات الفكرية والعلمية ويعملوا لتحقيق الريادة لهذه الأمة.
- المجدد القائم على عملية التجديد لا يهمه أن يعترف الناس به كمجدد أو ينكروه ولا يضيره ذلك أبدا لأن عمله التجديدي لابد أن يكون خالصا لوجه الله ولأنه يعمل هذا العمل متجردا لله لا يهمه منصب دنيوي ولكنها نية خالصة لله سبحانه وتعالى وعمل مقبول بإذن الله وجنة عرضها السماء والأرض أجر من الله سبحانه وتعالى وذلك عطاء الله يعطيه من يشاء بغير حساب.
- إن الأفكار والوسائل المبتكرة والجديدة لن تعمل ولن تنتج إلا إذا حملها صاحبها وخاض بها غمار الميدان ، فلا تجعل أفكارك حبيسة الأوراق ولكن احملها وانزل بها إلى ميدان العمل ولا تجلس في مقاعد المتفرجين ولا تكن مع القاعدين ولا تترك الميدان أبدا.
- إن تكاثر قوى الشر وتعاظم أهل الباطل وإقبال الكفر وإدبار الإسلام كل هذه الأمور لا تثنينا عن العمل والبذل والعطاء ، ولا تضع في نفوسنا القنوط واليأس وذلك لعلمنا أن نور الإسلام سيسطع قريبا إن شاء الله .
- إن الجهود التي نبذلها في طريق الإصلاح والتجديد هي جهود مثمرة بإذن الله ولو بعد حين فلا داعي أبدا للخوف من العقبات ولا داعي أبدا لليأس ولنتحلى بسلاح الصبر وليكن شعارنا دائما الأمل في مستقبل أفضل بإذن الله .
- إن المجدد يعيش هم أمته ولهذا فهو يصل الليل بالنهار لينقذ الأمة ويعيد لها ثقتها ويردها إلى المنهج الصحيح ، صابرا على العقبات مغالبا للمشقات حتى يصل بإذن الله إلى رفعة الأمة وإعادة المجد لها.
- ذهب العلماء إلى أن من يقوم بالتجديد في زمان ما ربما يكون فردا واحدا أو جماعة من الناس وقالوا أنه يجوز أن يكونوا في فروع مختلفة من العلوم أو الفنون وذلك حتى يعم النفع على الأمة ويجوز أيضا اجتماعهم في قطر واحد أو أن يكونوا متفرقين في الأرض.
- يجب على المجدد أن يتصف بالصدق والأمانة والإنصاف وتحري الحق وأن يتمثل الإسلام في واقع حياته لأن الناس سوف يجعلونه محل قدوة لهم.
- إن المجدد يعلم جيدا قيمة الوقت وأن الوقت هو أغلى مورد وذلك لأن الوقت لا يتجدد ولا يتوقف بل ولا يرجع إلى الوراء فعلى المجدد أن يحسن تخطيط وقته ولا يضيع كثيرا من وقته في الجدل أو الأشياء التي تعطله عن فكره بل لابد أن يكون عمليا دائما.
- أن يربي المجدد نفسه على التنظيم والتخطيط الدائم سواء في أمور حياته الشخصية أو حياته العملية ، ولنعلم جميعا أنه لم يعد هناك مكان للفوضويين وأن الذين لا يحسنون التخطيط والتنظيم لا يمكن أن يصلوا إلى قيادة العالم ولا حتى قيادة قرية صغيرة.
- إن المجدد لابد أن يكون بعيدا عن سفاسف الأمور وأن يعود نفسه أن يكون دائما في القمة سواء في العبادات أو المعاملات وأن يكون مثالا حسنا لما يحمل من أفكار وأن يعلم من حوله هذه المبادئ .
- على المجدد دائما أن يحسن توظيف المواهب والحواس التي وهبها الله عز وجل له ، وعلى رأسها العقل فموهبة التفكير والتحليل واستخراج الأفكار والرؤى الجديدة موهبة عظيمة وشرف لكل من يحملها وهي موهبة ترفع من شأن صاحبها ، فعلى المجدد دائما استغلال هذه الموهبة في رفعة شأن الأمة وعليه دائما أن ينمي هذه الموهبة بالدورات العلمية الضرورية وكذلك عليه أن يعلم أن هذه المواهب محدودة بمعنى أنه من الممكن فقدها في أي وقت فليعجل باستخدامها ويكون أكثر إنتاجية في الاتجاه الصحيح ولا يعطل هذه المواهب أبدا.
- على المجدد أن يقرأ دائما عن سنن الله في الحياه وأن النصر لا يأتي مع الكسل أو مع النوم وأن العمل فقط هو طريق التقدم والرقي وجني الثمرات ، ولنعلم جميعا أن سنن الله لا تحابي أحدا وأننا ليس عندنا من الله إذن بخرق سننه فالماء عندنا يغرق الذي ينزل فيه ولكن موسى عليه السلام لم يغرق لأنه كان عنده إذن من الله والنار عندنا تحرق ولكنها لم تحرق إبراهيم لأنه كان عنده إذن من الله وهكذا ، لابد أن نعلم سنن الله في خلقه ونعيش واقعنا ولا نخرج عن هذه السنن أبدا.
- على المجدد أن يكون قلبه حيا وعقله يقظا ، أي يكون قلبه حيا بذكر الله الدائم وعقله يقظا بالتفكر الدائم في خلق الله وشئون الأمة ولنعلم جميعا أن ( في القلب شعث لا يلمه إلا الإقبال على الله وفيه وحشة لا يزيلها إلا الأنس به وفيه حزن لا يذهبه إلا السرور بمعرفته وصدق معاملته وفيه قلق لا يسكنه إلا الفرار إليه وفيه فاقة لا يسده إلا محبته والإنابة إليه ودوام ذكره وصدق الإخلاص له ولو أعطي الدنيا وما فيها لم تسد تلك الفاقة أبدا) من كلام ابن القيم .
- على المجدد أن يعلم أن المشكلات التي تواجهه هي فرص جديدة لإثبات حسن تفكيره والمشكلة فرصه لا تضيع لإعادة التفكير وإعادة صياغة الأمور في شكل أفضل ولنعلم أنه لا مكان لليأس عندنا فالتفاؤل والنظرة الإيجابية للمستقبل هو خلق دائم عندنا.
- على المجدد أن تكون أهدافه واضحة في كل شيء ، فهدفه في الحياة واضح وهدفه في دراسته واضح وهدفه من قراءاته واضح وهكذا لا يعمل شيء بدون هدف أو توجه وإلا يكون الفشل الدائم ، فعدم وضوح الأهداف صفة قبيحة وهي ليست من صفات المجددين .
- على المجدد أن يتصف بالمغامرة والإقدام في الفكر والعمل والعاطفة ولا يكون مقلدا لغيره إلا في خير وأن يكون بعيدا عن التردد والاضطراب فهي ليست من صفات المجدد وان يكون جريئا في الحق وأن يحسن عرض فكرته حتى يتبناها الآخرون.
- على المجدد أن يكون مرنا في تفكيره وفي سلوكه ( فيما لا يخرج عن مبادي الشرع) وأن يتأقلم مع المستجدات وذلك من خلال إعادة تقليب الأمور ومحاولة دراسة الفكرة من وجهات نظر مختلفة ومن زوايا أخرى غير التي يراها وأن يكون منفتح الذهن لأنه بذلك يضع أمامه احتمالات كثيرة ومفيدة للأفكار التي يتبناها وذلك يتيح دائما فرصا أكبر للوصول للأهداف ، فتعدد الآراء يثري العمل وهذا يلزمه مرونه واسعه ، ولننظر إلى موقف الرسول صلى الله عليه وسلم في بدر أو في الخندق .
في الحقيقة إن موضوع التجديد موضوع مهم جدا وضروري لهذه المرحلة التي نعيشها وتعيشها الأمة والكلام فيه مشوق وكثير وقد حاولت أن أطرح في هذه المقالات بعض الأفكار في موضوع التجديد ولكن الباب مفتوح لكل صاحب فكر أو رأي ليدلي فيه بدلوه والأمة في أمس الحاجة لأفكار ورؤى جديدة فقد قلنا أننا نمتلك مقومات التقدم والرقي وأن تاريخنا مليئ بالمجددين وأن حاضرنا أيضا به من المبشرات والإضاءات الكثيرة التي لا ينكرها إلا جاهل أو حاقد ولكن كل ما نريده هو إعادة صياغة طريقة التفكير التي نفكر بها وألا يشغلنا حبنا لأصحاب السبق أن ننقد أفكارهم وأن نأتي بأفكار جديدة تصلح للعصر وتصلح للنقلة الحضارية التي تنتظرنا قريبا بإذن الله ، أرجو من إخواني الذين قرأوا هذه المقالات أن يغفروا لي ذلاتي وأرجو منهم ألا يبخلوا علي بالنصح وأرجو من الله القبول والمغفرة.

الخميس، ١٥ مايو ٢٠٠٨

التجديد ضرورة - 5

إن الناظر إلى تاريخ أمتنا الإسلامية سيجد انه مليء بالمبدعين والمجددين وسيجد أن هؤلاء كثر لدرجة أنه لا يمكن أن نحصيهم في مقال أو كتاب واحد . ولا يمكن ربطهم بعصر معين أو جيل معين بل إن جميع العصور التي مرت بها الأمه كان بها مبدعين ومجددين . وفي كثير من الأحيان كنت تجد في العصر الواحد مبدعين ومجددين في جميع المجالات فهذا يبدع ويجدد في الفقه وهذا في الحديث وهذا في الكيمياء وهذا في الأدب وهكذا في جميع العلوم التي تعود على البشرية بالنفع ، ولذلك فإننا لا نبالغ إذا قلنا أن فضل المسلمين على العالم لا يسبقه فضل وأن سبقهم في العلوم جميعا جعل من الأرض مكانا صالحا للحياه فالباحث في العلوم الإنسانية عن فن الذوق والأدب سيجده نابعا من المسلمين ، والباحث عن بدايات العلوم مع العلم أن الصعب دائما هي البدايات سيجد أن بدايات كثير من العلوم كانت من عند المسلمين . ولذلك عندما فكرت في اختيار أحد المجددين لأجعله مثالا لفكر التجديد الذي أكتب فيه الآن كان الأمر غاية في الصعوبة وكأنك تبحث عن وردة في وسط حديقة غناء فالحديقة مليئة بالورود الجميلة الشكل والرائحة ولقد تعجبت كل العجب من أمرين : الأول أننا كمسلمين لا نعرف عن كثير من هؤلاء المبدعين المجددين أي شيء وقد تم تغييبنا عنهم وتغيبهم عنا قصدا وعمدا حتى لا نرتبط بهم ولا نعرف أننا أصحاب حضارة وأصحاب تاريخ ممتد في رقي البشرية . والأمر الثاني أن الغرب يصفنا دائما بأننا ليس لنا عقول وأننا أمة من الهمج وأن الحضارة خلقت لهم فقط وأننا ليس لنا إلا الخيم والصحراء وأن التخلف تابع أساسي في شخصيتنا . وللأسف الشديد هناك من بني جلدتنا ممن يروجون لهذا .
ولكن كان لابد من اختيار شخصية مجددة لكي نرى كيف كان يفكر المسلم وكيف يمكن أن يفكر المسلم وهل العوائق التي تحدثنا عنها في المقال الماضي سوف توقفنا . سوف نعيش مع شخصية جددت الدين في زمانها . وسأترك الكلام للمحدثين والعلماء عن هذه الشخصية التي أسأل الله أن نحتذي بها واسأل الله أن يجمعنا به في الجنة .
هذا المجدد هو عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين :
- أجمع العلماء والمؤرخين والمهتمين بالحركة التجديدية على أن الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز هو المجدد الأول في الإسلام فقد جاء في كتاب سيرة ومناقب عمر بن عبد العزيز لابن الجوزي ص 74( قال الإمام أحمد : يروى في الحديث إن الله يبعث على رأس كل مائة عام من يجدد لهذه الأمة ديناها فنظرنا في المائة الأولى فإذا هو عمر بن عبد العزيز). ويقوا بن حجر العسقلاني في فتح الباري (إن اجتماع الصفات المحتاج إلى تجديدها لا ينحصر في نوع من أنواع الخير ولا يلزم أن جميع خصال الخير كلها في شخص واحد ، إلا أن يدعى ذلك في عمر بن عبد العزيز ، فإنه كان القائم بالأمر على رأس المائة الأولى باتصافه بجميع صفات الخير وتقدمه لها ).
- جاء عمر بن عبد العزيز إلى الحكم وكانت أنوار النبوة لازالت ذات أثر بالغ في الحياه العامة للناس وكان الدين مازال صاحب السلطان الأول في قلوب الناس ولكن كانت الخلافة الإسلامية فيها تغير وانقلاب فقد كان هناك انحراف شديد في نظام الحكم وهذا الانحراف نتج عنه ظلم وفساد كبير . ولهذا فإن الأعمال التجديدية الذي قام بها والجهود التي بذلها من أجل استئناف الحياة الإسلامية وإعادة نقائها وصفائها كما كانت ، هذه الأعمال تجعله على رأس المجددين حتى يومنا هذا .
- إن الخلافة الراشدة التي أسسها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبعه عليها من بعده الخلفاء الراشدين المهدين قامت على عدة مبادئ وأسس أهمها الشورى والعدل والأمانة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهذه الأسس ظلت قائمة في أعلى مستوياتها في أيام الخلفاء الأربعة وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال ( الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكا ) رواه أبو داود . وقد انتهت هذه الخلافة في ربيع الأول عام 41 هـ وبدأت خلافة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وتبدأ طريقة أخرى في الحكم وهو الملك ويقول بن كثير عن معاوية بن ابي سفيان رضي الله عنه أنه أفضل ملوك الإسلام وخيرهم .
- بدأت المبادئ التي قامت عليها الخلافة تنهار الواحدة تلو الأخرى ونتج عن انهيارها ظلم عظيم وتضييع للحق والعدل وتضييع للأمانة وتولية غيرالأكفاء في مناصب الدولة ولم يعد هناك حسن تصرف في المال العام وفقدت الشورى وسادت ثقافة الرأي الواحد ، ثم جاء الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز ولن نستطيع في هذه العجالة أن نسرد حياة عمر بن عبد العزيز أو كل ما قام به من عمليات تجديدة ولكن سنحاول الإلمام بما قام به من عمل إصلاحي وتجديدي لهذه الأمة .
- كان ملوك الأمويين يورثون حكمهم وهذه الصورة تخالف مبدأ الشورى أحد المبادئ التي قامت عليها الخلافة ولذلك حينما قُرِأَ كتاب سليمان بن عبد الملك وفيه توريث الملك من سليمان إلى عمر بن عبد العزيز أسف عمر لهذا وقام متباطئا وقام إليه الناس فذهبوا به إلى المنبر فقام وحمد الله وأثنى عليه ثم قال ( ياأيها لناس إني قد ابتليت بهذا الأمر من غير رأي كان مني فيه ، ولا طلبة له ، ولا مشورة من المسلمين ، وإني قد خلعت ما في أعناقكم من بيعتي فاختاروا لأنفسكم ، فصاح الناس صيحة واحدة: قد اخترناك ياأمير المؤمنين ورضينا بك فلِ أمرنا باليمن والبركة) . فكان هذا أول عمل تجديدي لعمر إذ أعفى الناس من الملك العضوض ورد الأمر إلى الأمة ولم يجبرهم على القبول بشيء لم يختاروه. وقد كان يريد أن لا تنتقل الخلافة من بعده إلا من شخص كفئ لها ولو كان من غير بني أمية فقال رحمه الله ( لو كان لي من الأمر شيء ما عدوت القاسم بن محمد وصاحب الأعوض إسماعيل بن عمرو بن سعيد بن العاص) . وقد شجع عمر الناس على الجرأة في قول الحق وإسداء النصيحة فقال ( من صحبني منكم فليصحبني بخمس خصال : يدلني من العدل إلى ما لا أهتدي له ، ويكون لي على الخير عونا ، ويبلغني حاجة من لا يستطيع إبلاغها ، ولا يغتاب عندي أحدا ، ويؤدي الأمانة التي حملها مني ومن الناس ، فإذا كان كذلك فحي هلا به ، وإلا فهو خرج من صحبتي والدخول علي).
- جعل عمر بن عبد العزيز خلافته حجة تاريخية لإمكانية إقامة نظام إقتصادي دون ربا وبرهانا على أن الاحتكام للشريعة الربانية يكفل السعادة للناس في الدنيا والآخرة ويمكن تلخيص ذلك في النقاط التالية :
1- استشعر عمر بن عبد العزيز عظم المسئولية منذ اللحظة الأولى لاستلامه الخلافة وكان يقول ( لست بخير من أحد منكم ، ولكني أثقلكم حملا ) وكان يقول أيضا ( إني أخاف فيما ابتليت به حسابا شديدا ، ومسألة غليظة إلا ما عافى الله ورحم ).
2- كان يطالب عماله باختيار أصحاب الكفاءة والدين فيما يولونه شأنا من شئون المسلمين وقد كتب لأحد عماله : ( لا تولين شيئا من أمر المسلمين إلا المعروف والنصيحة لهم ، والتوفير عليهم ، وآداء الأمانة فيما استرعى).
3- لم يحابي أحد من عائلته أو أسرته الحاكمة وكان يقول لهم :( ما أنتم وأقصى رجل من المسلمين عندي في هذا الأمر إلا سواء ) .
4- كان زاهدا متورعا عن أموال المسلمين وقد ظهر هذا من أول يوم في خلافته وعندما أتي له بمراكب الخلافة قال : ما هذا ؟ قالوا : مركب الخلافة ، قال دابتي أوفق لي ، وركب دابته ، ثم فيل له : منزل الخلافة ، فقال فيه عيال أبي ايوب ، وفي فسطاطي كفاية حتى يتحولوا ، فأقام في منزله .
5- انخفض دخل عمر السنوي من خمسين الف دينار إلى مائتي دينار وكانت نفقته كل يوم درهمين ، وكان يخطب أحيانا وقميصه مرقع ، وقد قيل له : ( تركت ولد ليس لهم مال ولم تؤوهم إلى أحد ، فقال : ما كنت لأعطيهم ما ليس لهم ، وما كنت لآخذ منهم حقا هو لهم ، وإن وليي الله فيهم الذي يتولى الصالحين ، إنما هم أحد رجلين ، صالح أو فاسق) .
6- ألزم عماله التورع عن أموال المسلمين فقد كتب لأحد عماله ( أن أدق قلمك ، وقارب بين أسطرك ، فإني أكره أن أخرج من أموال المسلمين ما لا ينتفعون به ) .
7- عمل على انتزاع الأموال التي أخذها بنو أمية بغير حق وأرجعها لبيت مال المسلمين.
8- ساس الرعية سياسة رحيمة وأمن لهم العيش الرغيد وكفاهم مذلة السؤال فقسم فضول العطاء في أهل الحاجات وأعطى فقراء البصرة ثلاثة دراهم لكل إنسان وطلب من عماله أن يجهزوا من يريد الحج وأمر عماله بعمل خانات (دور ضيافة) للمسافر والمنقطع ليقيم فيها مجانا مع الطعام والشراب وكان يأمرهم أن يعالجوا دابة المسافر مجانا .
9- عز في زمنه من يقبل الزكاة وكانت عنده حرمة المسليمن فوق كل شيء.
10- ألغى الضرائب التي كانت فرضتها الحكومات السابقة .
11- أطلق حرية التجارة في البر والبحر .
- كان عمر محبا لرعيته عادلا فيهم ولم يكن جبارا يستعبدهم فقد استأذنه أحد عماله(عدي بن أرطأة أمير من دمشق) أن يمس المتهمين بشيء من التعذيب حتى يعترفوا فكتب له : ( العجب كل العجب من استئذانك إياي في عذاب بشر ، كأني لك جُنة من عذاب الله ، وكأن رضائي عنك ينجيك من سخط الله عز وجل ، فانظر من قامت عليه بينة عدول ، فخذه بما قامت عليه من البينة ، ومن أقر لك بشيء فخذه بما أقر به ، ومن أنكر فاستحلفه بالله العظيم ، وخل سبيله ، وأيم الله ، لأن يلقوا الله عز وجل بخيانتهم أحب إلى من أن ألقى الله بدمائهم). وكتب للجراح بن الحكمي أمير خراسان : ( يابن أم الجراح : لا تضربن مؤمنا ولا معاهدا سوطا إلا في حق ، واحذر القصاص فإنك صائر إلى من يعلم خائة الأعين وما تخفي الصدور ، وتقرأ كتابا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ) . بل إن هذا العدل كان يشمل أهل الذمة فقد كتب إلى عماله ( لا تهدموا كنيسة ولا بيعة ولا بيت نار صولحتم عليه) . وقد كان يقول دائما لمسشتاريه : ( إن رأيتم أحدا يتعدى ، أو بلغكم عن عامل ظلامة ، فأحرج بالله على من بلغه ذلك إلا أبلغني).
- ومن أجل الأعمال التي خدم بها عمر بن عبد العزيز الدين أنه أمر بتدوين العلوم الإسلامية وخاصة علم الحديث فقد أصدر أمره لأبي بكر محمد بن حزم قائلا :( انظر ما كان عليه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجمعوه) . وكذلك أجرى للذين تفرغوا لتعليم العلم وتعلمه ما يكفيهم فقد كتب لعماله :( انظر إلى الذين نصبوا أنفسهم للفقه ، وحبسوها في المسجد عن طلب الدنيا ، فأعط كل رجل منهم مائة دينار ، يستعينون بها على ما هم عليه من بيت مال المسلمين ، حين يأتيك كتابي هذا).
- كانت خطب عمر بن عبد العزيز ومواعظه مؤثرة وصادقة وتدل على إيمانا قويا ومراقبة جلية وخوفا من الله عز وجل وقد أثرت شخصية عمر وسياسته العادلة تأثيرا بليغا في حياة العامة وميولهم وأذواقهم ورغباتهم فقد ذكر الطبري مقارنة بين عهد عمر وعهود أخرى قائلا : ( كان الوليد صاحب بناء واتخذ المصانع والضياع ، وكان الناس يلتقون في زمانه فإنما يسأل بعضهم بعضا عن البناء والمصانع ، فولي سليمان فكان صاحب نكاح وطعام ، فكان الناس يسأل بعضهم بعضا عن التزويج والجواري ، فلما ولي عمر بن عبد العزيز كانوا يلتقون فيقول الرجل للرجل : ما ورائك الليله؟ وكم تحفظ من القرآن؟ ومتى تختم ومتى ختمت؟ وما تصوم من الشهر؟)
- بقي أن نقول أنه أسلم على يديه الكثير من الناس ومن الملوك وكان داعيا لدينه محبا له مهتما به وقد اهتم اهتماما شديدا بداينة الناس وأخلاقهم وكتب لعماله قائلا : ( اجتنبوا الأشغال عند حضور الصلوات ، فمن أضاعها فهو لما سواها من شرائع الإسلام أشد تضييعا).
- كان بود عمر أن لا تنتقل الخلافة من بعده بنفس طريقة توريث الملك فقد ذكر الطبري أن رجلين من الخوارج دخلا على عمر فقالا له:( أخبرنا عن يزيد لمَ تقره خليفة بعدك؟ قال : صيره غيري ، قالا أفرأيت لو وليت مالا لغيرك ثم وكلته إلى غير مأمون عليه ، أتراك كنت أديت الأمانة إلى من ائتمنك ؟ قال : أنظراني ثلاثا ، فخرجا من عنده ، وخاف بنو مروان أن يخرج ما عندهم وفي أيديهم من الأموال ، وأن يخلع يزيد ، فدسوا إليه من سقاه سما فلم يلبث بعد خروجهم من عنده إلا ثلاثا حتى مات). رحمه الله ورضي الله عنه.
- بقي عمر على رأس الخلافة مدة سنيتن وخمسة أشهر ومات سنة 101 هـ رحمه الله ورضي الله عنه. أسأل اله أن يرزقنا قائدا ربانيا كعمر بن عبد العزيز .

الثلاثاء، ٦ مايو ٢٠٠٨

التجديد ضرورة - 4

لا أدري لماذا يتحسس كثير من الناس من مصطلح التجديد وتجدهم عند سماع كلمة التجديد تدور أعينهم في رؤوسهم وكأن السقف سوف يقع على الرؤوس ، ولكن الواقع غير ذلك فمن يقرأ المقال الثاني من هذه السلسلة يعرف أن الهدم ليس من تعريفات التجديد وأن التجديد بناء وعمل وتقدم ورقي وفي نهاية الطريق جني ثمار وتحقيق أهداف.
ولكن هذا هو حال الأفكار الجديدة ، إما اتفاق معها وتبني لها أو اختلاف معها ومحاولة طمسها ثم قتلها ، ونرى دائما صراع قائم بين القديم والجديد ، فالقديم هو المألوف أما الجديد فهو كائن غريب ولكنه يحتاج إلى وقت وجهد وعرق ودم حتى يثبت نفسه وحتى نعرفه ثم نثق به .
ولأن تقييم الجديد يقوم على موازين قائمة وأعراف سائدة ولأن عملية التقييم تتوقف على درجة الرقي لمن سيقومون بها ، فعلى من يأتي بأفكار أو وسائل جديدة أن يعرف ذلك وأن يتسلح بسلاح الصبر قبل كل شيء وان يتسلح أيضا بالعلم والمعرفة التي تعينه على إقناع الآخرين بفكرته .
ولكننا نرى أن هناك معوقات تحول دائما دون نشر مصطلح فكر التجديد وسنحاول هنا ذكر بعض هذه المعوقات علنا نستطيع أن نتداركها أو أن نحاول التقليل من أثرها على الأمة وعلى من يعيشون على تراب هذه البلاد التي ابتليت بهذه العوائق وأنا هنا لا أدعي أنني ذكرت كل المعوقات ولكنها محاولة مني لعلها تكتمل بجهد أحد المخلصين ونسأل الله أن يخرج الأمة من كبوتها .
عوائق التجديد :
1- اليأس :
كل إنسان منا يعيش حلما داخليا يتمنى تحقيقه يوما ما ، وتختلف هذه الأحلام من شخص لآخر فالبعض أقصى أمنياته بيت صغير يتزوج ويعيش فيه مع أسرته وحياة هادئة هانئة لا مشاكل فيها ، أما الآخر فيحلم بخلافة إسلامية عظيمة تشمل كل دول العالم الإسلامي ، خلافة تعيد للأمة مجدها وسيرتها الأولى ، خلافة على منهاج النبوة ، خلافة نعيش فيها بأمان لها جيش كبير يحمي الأرض والعرض . وبين هذا وذاك أحلام كثيرة ومختلفة . ولكن لأن تحقيق الأحلام في هذا الزمان يعتبر من المستحيلات وإن تحقق جزء منها فيتحقق بصعوبة بالغة ، نجد أن اليأس هو الإحساس الغالب على كثير من أبناء الأمة ، والإنسان عندنا يائس من حاضره ولا يعلم شيء عن مستقبله ، هذا الإنسان بهذا الوضع لن يبتكر ولن يجدد بل لن يكون إيجابيا في التعاطي مع قضاياه الشخصية او قضايا الأمة .
2- ضعف المستوى الثقافي :
عندما فقد كثير من أبناء أمتنا بل ومن القائمين على عملية الإصلاح في الأمة عندما فقدوا شهية القراءة والتعلم ومطالعة كل جديد ، وعندما نسينا جميعا أننا أمة ( اقرأ ) أول كلمة نزلت من القرآن الكريم ، عندها فقط خيم ظلام الجهل على أمتنا وتراجعنا كثيرا ، وأصبح صعب علينا أن نفهم ما بين أيدينا من الخير ناهيك أن نتعلم ما تنتجه الحضارات الأخرى ، فالضعف الثقافي عائق كبير أمام أن نأتي بجديد أو أن نطور أو نحدث أي فكر أو وسائل تأتي لنا من الغرب أو الشرق.
3- ضعف الثقة بالنفس وقلة الاعتماد على الذات :
إن الإنسان الذي يثق بنفسه ويثق بما يحمل من أفكار هو الذي نبحث عنه ولكن هذا الإنسان نادر في وسط أمتنا ، فالثقة بالنفس والاعتماد على الذات في تنفيذ مشاريعنا أو في مناقشة أفكارنا أصبحت ضعيفة جدا . ولقد سمعت أحد السفراء يتحدث بصفاقة أيام حرب الخليج الأولى بأن الغرب أتى بقواته إلى بلادنا لأننا أمة لا تستطيع أن تأخذ قرارا ولا تستطيع أن تفكر وعليه فلابد للغرب أن يفكر لنا وينفذ لنا لأننا ليس لدينا عقول لنفكر ولا سواعد لننفذ ، هكذا حكموا علينا فكذبوا وأقنعونا بكذبتهم . فأصبحنا لا نثق بقدراتنا وعدم الثقة يترتب عليه الإحباط وعدم الأمان ثم الفشل ، فعدم الثقة بالنفس عائق كبير أما عملية التجديد .
4- ضعف الإيمان :
نسمع كثيرا عبارات ( أحس قسوة في قلبي ) أو عبارات ( أحس أن إيماني ضعيف ) وعبارات أخرى تعبر عن ضعف في الإيمان ، وهناك مظاهر لهذا الضعف ومنها ضيق في الصدر وتغير في المزاج واحتقار للمعروف وعدم الاهتمام بقضايا المسلمين ولا التفاعل معها وعدم استشعار مسئولية العمل لهذا الدين فلا يسعى لنشره ولا يحاول نصرته ، ولكن الظاهرة الأهم والأكبر هي فقدان الثقة في الأمة وفي منهج الأمة وفي العاملين لإنقاذ الأمة وبالتالي فإن ضعف الإيمان هو أكبر العوائق في نشر مصطلح التجديد ، فالمؤمن يثق بإسلامه ويعمل له وينصره ، والمؤمن يثق بالله ويعمل لرضاه ، والذي يعمل لرضا الله يحسن من عمله ويجدد في وسائله حتى يصل إلى أفضل النتائج بإذن الله .
5- تقديس ما لاقدسية له :
إن الأمة تعيش حالة ضعف وهزيمة لم تكن موجودة من قبل ومن أجل هذا تجد كثير من أبناء الأمة يعيشون عالة عليها ، كثير من أبناء الأمة بلا وعي وبلا فكر ولكنهم يقدسون أشخاصا أو يقدسون أفكارا ويضعوهم في مكانة لا يمكن نقدها أو الاقتراب منها . وهذه القدسية للأشخاص أو للأفكار تجعل التجديد أو التطوير في الأمة ضربا من الخيال . وهناك بعض من العاملين المخلصين يقدسون بعض الآراء والأفكار ولا يتحركون عنها ، وهؤلاء عائق أمام تطوير العمل وتحسينه .
6- استخدام الدين أحيانا في تضليل الشعوب :
نرى على ساحة العمل الإسلامي إتجاهات فكرية راشدة وحركات إسلامية وسطية قائمة على إصلاح كثير مما أفسده الآخرون ، ولكن هناك فئات ومجموعات تتخذ من الإسلام شعارا ولكنها تحمل خطابا يفصل الدين عن الواقع وعن العصر الذي نعيشه ، ويقدمون الإسلام للشعوب على أنه دين الآخرة ولا شأن له بالدنيا فتجدهم يحصرون الدين في مظاهر قليلة ، ويبالغون في الكلام عن أهوال الآخرة ووصف النار ، ويحذرون الشعوب من الكلام في السياسة أو التدخل في أمور الحكم بل إن بعضهم يبالغ ويرجو من الحكام أن يبقوا وأن يورثوا أبائهم ويعطوا فتاوي دينية على ذلك . وهذا الأمر وهو الاجتزاء في الدين من العوائق التي تعيق التجديد في الأمة .
7- المناخ العام التي تعيشه الأمة :
نحن نعيش في هذا الزمان في مناخ عجيب فكل يوم نستيقظ على أخبار مفزعة ، وحال فلسطين والعراق والصومال وأفغانستان لا يخفى على أحد ، وكذلك الحالة الاقتصادية السيئة وحالة الفقر والحاجة والانشغال بلقمة العيش ، وحالات الخوف التي تسيطر على كثير من أبناء الأمة ، والإحساس الدائم بالدونية ، ووجود إعلام فاسد وبذيء ، وفساد سياسي واقتصادي وأخلاقي . أمور كثيرة تجعل الكثير ينصرف عن العمل العام وتجعل الكثير لا يفكرون في رفع مستواهم الثقافي والعلمي وتجعلهم لا يمارسون عملية التجديد والتطوير في الأمة .
وسأستعير من الأستاذ يسار محمد (من مقال منشور في مجلة التجديد العربي) بعض العوائق :
1- الأعراف السائدة في المجتمعات الإسلامية :
التفكير الإنساني يستند إلى الموروث الأخلاقي والديني في البيئة التي ينشأ الإنسان فيها ، فيقيس الخير والشر بمقياس المجتمع الذي ينشأ فيه .
وهكذا تشكل الأعراف الاجتماعية السائدة حاجزاً حول العقل الانساني فتجعله لايتقبل أي فكرة مخالفة لهذه الأعراف وإلا تعرض لنقد ونبذ المجتمع له، فالجامدين على الماضي إما تعصباً له مع صدق نياتهم في محبتهم له، او أن مصالحهم الشخصية مرتبطة ببقاء المجتمع على تلك الاعراف والتقاليد .
وأقول لهذا بدأ الإمام البنا رسالة دعوتنا بالمصارحة والبراءة والعاطفة لأنه رحمه الله كان يعلم بأن دعوته جديدة على المجتمع وتتعارض مع بعض الأعراف الموجودة والموروثات السائدة .
2- الحكومات المستبدة:
لكل مجتمع لابد من وجود حكومة تدير شؤونه وتوفر لافراده الخدمات الامنية والصحية والاقتصادية والبلدية والتعليمية وغيرها.. ولكن ما أبعد هذه الحقيقة عن الواقع الذي نعيشه في عالم اليوم، الذي أصبحت الحكومات فيه غنائم صراع لأفراد أو أحزاب تمكنت من قمع المخالفين والمعارضين لها بقوة الحديد والنار، فتحاول السيطرة على المجتمع لابتقديم أفضل الخدمات الصحية والتعليمية والاقتصادية والأمنية له، بل باستخدام أقسى اساليب القمع لإخضاعه لإرادتها ولجعل الشعب يعمل على خدمة وتلبية رغبات حكوماته لا رغباته وأحلامه هو … وهنا تصبح العلاقة بين هذه الحكومات الجائرة المستبدة وشعوبها كعلاقة السادة بالعبيد ، فتعمل هذه الحكومات على كسر الإرادة الشعبية بتحجيم المثقفين فكريا كي لا يكونوا نواة لتنظيم ثوري قد يطيح بها مستقبلا . لذا فالحكومات الفاسدة تعمل على تجهيل المجتمع بتهميش مناهجه الدراسية الفكرية، وبتكسير أقلام مفكريه وبتوجيه الثقافة حسب أهوائها ومصالحها الشخصية ، وأقسى الحكومات هي الحكومات الدكتاتورية . وأقول إن الحكومات المستبدة من أكبر العوائق ضد التجديد .
3- السلطة الاقتصادية الظالمة:
مما هو معروف أن الانسان يبدأ في التفكير بسد حاجاته الأساسية الضرورية لبقائه على قيد الحياة كالغذاء والملبس والمسكن والتطبب من الأمراض، ثم ينتقل إهتمامه الى التعليم ومن ثم الى الثقافة العامة، أما عندما يتم إشغال المجتمع بسد حاجاته الأساسية فإن ذلك يؤدي الى إهدار طاقاته الجسدية والذهنية، وبالتالي يتم تحويل المجتمع الى أداة تقوم بأعمال روتينية يومية لاتضيف الى فكره شيئاً ولا الى وضعه الاقتصادي إلا بقدر إبقائه على قيد الحياة، فيبقى المجتمع بلا هدف مستقبلي يحفزه للتفكير بتغيير وتطوير حاضره، فيصاب بالجمود الفكري نتيجة هذا الاستبداد الاقتصادي المفقر للشعب المجهض لإمكاناته، حيث أن التجديد الفكري يحتاج الى جو يعيش به وإلى رعاية تخصه وإلى إمكانات تحوله الى عمل مادي ملموس. وإلا فإن أي فكر جديد يهمله المجتمع ولايرعاه فإنه يعد كالجسد بلا روح أو كالبذرة في الارض البور وأنى لهذه البذرة ان تنبت وتثمر؟.
لذا فعندما يحصل إختلال في التوازن الاقتصادي بشكل فاحش بالمجتمع، بحيث يجعل من أفراد أثرياء معدودين يسيطرون على جيش من الجياع، فيزدادون ثراء وغنى مع ازدياد فقر وعوز عمالهم، هذا الوضع اللاإنساني المزري يصيب الانسان العامل بالشلل العقلي والتبعية الكلية لرب العمل، فلا يجرؤ على مخالفته أو مناقشته خوفاً على ديمومة رزقه وبهذا تتلاشى شخصيته أمامه، فتغدو العلاقة بين رب العمل والعامل كعلاقة السادة بالعبيد، وهنا يحل التقليد ومتابعة رب العمل (سواء أكان شخص ام حكومة) بشكل أعمى بحيث تكون آراؤه هي آراء عماله بلا نقاش أو نقد منتظر منهم.
لذا فلا حرية فكرية مع فقر مدقع مهين للانسان، فعلى المصلحين ان يسعوا لتحرير الانسان من الاستغلال المفقر للمجتمع بفسح مجالات العمل المتنوعة أمام أفراده ورعايتهم والدفاع عن حقوقهم أمام أرباب الاعمال، مشعرين الإنسان في ذلك المجتمع بشخصيته وبكرامته وبأنه يعيش ويطور وضعه الاقتصادي والثقافي بجهوده، وليس بمكرمة او منة من رب العمل.
إن الاستبداد الاجتماعي أوالسياسي أوالديني أوالاقتصادي، يقف كعائق أمام أي تجديد فكري، وقد ينجح في إعاقته وتحجيمه لفترة من الزمن ولكنه لن يستطيع إيقافه وإلغائه بشكل نهائي، فقد اثبت التاريخ على مر العصور وإختلاف الامكنة بأنه لايمكن محاربة الفكر إلا بالفكر، وهذا هو سر تطور المجتمع الانساني شعوباً وحكومات... فلا الاستعمار نجح في تغيير هوية الشعوب الأصيلة وإحتوائها فكريا باستخدام قوة الحديد والنار ضدها، بل زاد من مقاومتها له الى أن تم طرده من البلاد وتحريرها منه.. ولا إستطاعت الحكومات الجائرة بقمعها لمثقفي الشعب على البقاء، بل ثارت عليها شعوبها وسحقتها جاعلة منها عبرة لمن بعدها من الحكومات الفاسدة … ولم تتمكن الشعوب المتخلفة بعاداتها وتقاليدها البالية من قتل روح التجديد والتطوير في نفوس ابنائها البررة.. لذا يبقى الفكر الانساني هو القوة الحقيقية التي لايمكن أن تقهرها أي قوة.