السبت، ٢٦ أبريل ٢٠٠٨

التجديد ضرورة - 3

إن بعض علماء الأمة وبعض العاملين المصلحين ينفرون من مصطلح التجديد بل ويكرهون نشره وأحيانا يرفضون استعماله وبذلك لاعتقادهم بأن كل من يتحدث في التجديد أو يحاول نشر هذا المصطلح يعمل على تمييع الهوية الإسلامية للأمة ويعمل على تذويب شخصيتها وذاتيتها وكذلك يعتقد هؤلاء بأن الحديث عن التجديد يميع قضية الانتماء للحركة أو الفكرة الإسلامية وذلك لظنهم أن من يتحدث عن التجديد يعمل على إيجاد أفكار أخرى أو نماذج أخرى سوف تبعد الأمة أو الحركة عن الأهداف المخطط الوصول لها . واعتقادهم هذا بسبب أنه في تاريخنا الحديث ظهرت فئة من المثقفين العرب يرفعون مصطلح التجديد والتنوير ولكنهم يخفون سوء مقصدهم ويبيتون للأمة خطط هدم وأهداف تدمير . فكان رد الفعل على هؤلاء التمسك بكل قديم والنفور من كل تغيير وكل جديد بحجة المحافظة على هذا القديم والمحافظة على الأمة أو المحافظة على الحركة والفكرة .
ولكن استمرار الرفض لكل طرح جديد وادعاء أن القديم دائما هو الأمثل ويجب علينا جميعا الدفاع عنه هذا (الرفض الدائم) مرض قاتل وظاهرة خطيرة يجب علينا جميعا التصدي لها وواجب علينا جميعا أن نفهم العصر الذي نعيش فيه وننزل قيم العصر ووسائله وأحكامه على الواقع الذي نعيشه بما يتلائم مع ديننا .
إن التجديد قضية تتعلق بفهم الواقع وهذا الواقع تغير كثيرا عن ذي قبل ، وحديثنا الدائم عن الثوابت في الفكر والتوجهات والأطر العامة للعمل والحياة ، وتصميمنا على أن الثوابت التي نعيشها يجب أن لا يتناولها الفكر البشري دون تحديد لهذه الثوابت بثوابت الدين ، هذا الحديث بهذه الطريقة يجعلنا نعيش دائما بعقلية الماضي ونعيش في عصر قد انتهى . فالثابت هو ما ثبته الدين والشرع أما ما لم يثبته الدين فيخضع دائما للفكر البشري وللتمحيص والتجديد ومن الممكن أن يخضع للتغيير الكلي ، ولذلك لابد من وجود روح الابتكار والاختراع مصاحبة لروح التجديد.
ولهذا يجب أن يكون موقفنا من التجديد موقف إيجابي مع الأخذ في الاعتبار دائما الأمور الشرعية ، ويجب أن نفتح المجال دائما للتطوير والتجديد في جميع الوسائل التي نمارس بها عملنا ، وليعلم من يمارس عملية التجديد أن رأيه رأي جديد وكل جديد مستغرب ، فلابد أن ينافح عنه وينقحه ويتبناه حتى يثبته أو يقتنع أن هناك رأي أفضل منه .
إن المقارنة بين أمتنا وبين الأمم المتقدمة تكشف عن الواقع المتخلف الذي نعيشه ، إن أمتنا بلا شك تعيش حالة غريبة من الانكسار والهزيمة ، نعم هذه حقيقة نعلمها جميعا ، ولكن هذا لا يعني أن ما نعيشه الآن هو قدرنا المحتوم أو أنه واقع أبدي لا مفر منه أو أن ما نحن فيه الآن هو نهاية العالم .
لكن هذا يعني أننا لابد أن نبحث عن طريقة جديدة نفكر بها في حل مشاكلنا وأن نأتي بأشياء جديدة نفكر فيها ونبدع في التفكير حتى ننهض مرة أخرى ، وكما يقول العلماء إذا أديت العمل بنفس الطريقة مائة مرة سوف تحصل على نفس النتيجة مائة مرة ، ولهذا لكي نحصل على نتيجة افضل لابد ان نعمل بالطريقة الأفضل أي بطريقة جديدة ولكي نأتي بطريقة جديدة لابد أن نفكر بطريقة جديدة .
فالأساس في الأمر هو تعديل الطريقة التي نفكر بها ، ولا ننحاز دائما إلى ما هو مألوف لدينا من وسائل وطرق في التفكير والتخطيط والتنفيذ ، فالانحياز دائما للمألوف يحول بيننا وبين رؤية خيارات أخرى متعددة ربما تكون أفضل.
ولأن ديننا الإسلامي الحنيف هو سبيل نهضتنا ولأن كثيرا ممن يقفون أمام مصطلح التجديد يقفون أمامه باسم الحفاظ على ثوابت الدين ، فالسؤال : هل وقف الإسلام أمام هذا المصطلح ومنعه ؟ الإجابة القطعية لا لم يقف الإسلام أمام التجديد ولم يمنعه ، بل نستطيع أن نقول أن الإسلام يدعو دائما إلى التجديد وإلى التطوير والتحسين في كل شيء وكثير من الآيات والأحاديث تدلنا على ذلك بل نجزم أن الأمة لم تتوقف عن التجديد والابتكار إلا عندما ابتعدت عن دينها وقل تحكم الدين الإسلامي في شئون الحياة وعندها فقط توقفنا عن قيادة العالم .
يقول الدكتور عدنان أمامة في بحث مطول عن التجديد في الفكرالإسلامي وفي باب لماذا التجديد ؟ يقول ( إن التجديد في الفكر الإسلامي حاجة تحتمها طبيعة هذا الدين ، وتفرضها الخصائص الذي خص الله بها هذه الشريعة الغراء ، ويمكننا أن ندرك هذه الحقيقة ، ونتأكد من لزومها من خلال التوقف عند بعض الخصائص التي يتلازم وجودها وبقائها على وجود التجديد واستمراريته ) ثم ذكر خاصيتين هما الخلود والشمول .
وتحدث الدكتور عن الخلود فأوضح أن الشرائع الإسلامية السابقة عند بني إسرائيل كان ينسخ المتأخر منها المتقدم ، وكان النبي اللاحق يجدد ما انطمس من معالم الدين السابق ، وكان تصويب تصرفات البشر وتقويم ما اعوج في حياتهم يتم عبر وحي السماء ، فلما بعث الله النبي محمد صلى الله عليه وسلم شاء أن يختم به الأنبياء وأن يختم بشريعته الشرائع . قال تعالى ( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم الأنبياء) الأحزاب:40 . وقال صلى الله عليه وسلم ( أنا خاتم النبيين) رواه البخاري ومسلم . فشريعة الإسلام هي الشريعة الممتدة الخالدة إلى قيام الساعة ، وهي الشريعة التي لا يلحقها نسخ ولا تبديل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ولهذا كان لابد من التجديد لسببين :
الأول : أن نصوص الشريعة محدودة والحوادث التي تقع ممدودة : فلابد من فتح باب الاجتهاد والتجديد ، بحيث يستطيع مجتهدوا كل عصر أن ينزلوا النصوص الشرعية ، على ما يستجد من أحداث في زمانهم ، ويتغير من أحوال الناس في بيئاتهم ، يقول الإمام الشاطبي رحمه الله ( فلأن الوقائع في الوجود لا تنحصر ، فلا يصح دخولها تحت الأدلة المنحصرة ، ولذلك احتيج إلى فتح باب الاتجتهاد من القياس وغيره ، فلابد من حدوث وقائع لا تكون منصوصا عليها حكما ، ولا يوجد للأولين فيها اجتهاد ، وعند ذلك فإما أن يترك الناس فيها مع أهوائهم ، أو ينظر فيها بغير اجتهاد شرعي ، وهو ايضا اتباع للهوى ، وهو معنى تعطيل التكليف لزوما ، وهو مؤد إلى تكليف ما لا يطاق ، فإذن لابد من الاجتهاد في كل زمان ، لأن الوقائع لا تختص بزمان دون زمان ) .
الثاني : أن تقادم الزمان يؤدي بدوره إلى اندراس كثير من معالم الدين ، وكثرة الفساد ، واتساع رقعة الانحراف ، وتفشي البدع والضلالات عندها تصبح الحاجة ملحة إلى بعثة المجددين وبروز قيادات إسلامية متميزة تعمل على إظهار الإسلام وتقديمه كما أنزل الله .
ثم تحدث عن الشمول : الشمول هي الخاصية الثانية للشريعة وهذه الخاصية تحتم التجديد وتجعله لازما يتوقف وجودها عليه ، والشمول التي تتصف به الشريعة يتناول الزمان والمكان والإنسان ، أما شمولية المكان فتعني أن الرسالة الإسلامية رسالة عالمية ليست خاصة ببقعة من بقاع الأرض أو شعب من شعوب الأرض يقول تعالى ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) الأنبياء : 107، وشمولية الإنسان تعني استيعاب الشريعة لكل شأن من شئون حياة الإنسان الخاصة و العامة في دنياه وفي أخراه .
إن شمول الشريعة وإحاطتها على النحو الذي تقدم ، مع ما سبق من خلودها واستمرارها إلى قيام الساعة يؤكد على الحاجة الماسة إلى وجود المجددين والمجتهدين الذين يدلون الناس على صراط ربهم المستقيم ، ويرشدونهم إلى أحكام الشرع في كل ما يجد من شئون حياتهم ، أو يتغير من أحوال بيئاتهم ومجتمعاتهم .
هذا في أمور الشرع لابد من وجود المجددين وكما قلنا إن الإسلام دين التجديد الدائم المستمر ، أما في أمور الدنيا ووسائل العمل فأولى أن نتبنى وننافح عن مصطلح التجديد ونعمل دائما على تجديد وسائلنا في حياتنا أو في دعوتنا .
روى أبو داوود والبيهقي والحاكم في مستدركه ، من حديث أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( عن أبي هريرة فيما أعلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها )) أبو داوود – الملاحم 4291 .
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب ، فاسألوا الله تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكم ) رواه الطبراني في الكبير والحاكم في المستدرك عن ابن عمرو .

الاثنين، ١٤ أبريل ٢٠٠٨

التجديد ضرورة - 2

تحدثنا في الجزء الأول عن الحروب الصليبية المستمرة على الأمة منذ أكثر من ألف عام وكيف تم تجديد الأساليب والوسائل فيها حتى تحقق لأهل الغرب ما كانوا يخططون له . وها هي الأمة الإسلامية من أقصاها إلى أقصاها لقمة سائغة لهم .
روى أبو داوود والبيهقي والحاكم في مستدركه ، من حديث أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( عن أبي هريرة فيما أعلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها )) أبو داوود – الملاحم 4291 .
التجديد لغة : هو تصيير الشيء جديدا أي أن الشيء كان على حالة ما ثم طرأ عليه ما غيره وأبلاه فإذا أعيد لمثل حالته الأولى التي كان عليها كان ذلك تجديدا .
وقد كان للعلماء كلمات وصيغ في تعريف التجديد :
قال الفقيه الشافعي محمد بن عبد الرحمن العلقمي : ( معنى التجديد إحياء ما اندرس من العمل من الكتاب والسنة والأمر بمقتضاهما).
قال جلال الدين السيوطي : ( المراد بتجديد الدين ، تجديد هدايته وبيان حقيقته وأحقيته ونفي ما يعرض لأهله من البدع والغلو فيه أو الفتور في إقامته ومراعاة مصالح الخلق وسنن الاجتماع والعمران في شريعته ).
ويقول الأستاذ عمر عبيد حسنة في كتابه (الاجتهاد للتجديد سبيل الوراثة الحضارية) يقول : ( ليس المراد بالاجتهاد والتجديد الإلغاء والتبديل وتجاوز النص وإنما المراد : هو الفهم الجديد القويم للنص ، فيما يهدي المسلم لمعالجة مشكلاته وقضايا واقعه في كل عصر يعيشه ، معالجة نابعة من هدي الوحي).
ويقول الطيب برغوث ( التجديد هو تمكين الأمة من استعادة زمام المبادرة الحضارية في العالم كقوة توازن محورية ، عبر إحكام صلتها من جديد بسنن الآفاق والأنفس والهداية ، التي تتيح لها المزيد من الترقي المعرفي والروحي والسلوكي والعمراني ) .
يقول الدكتور عادل رشاد : ( الإسلام رسالة تجديدية بحكم شموله وعالميته ولهذا فإن التجديد من القيم الحضارية التي دعا إليها الأمة ) ويقول أيضا : ( التجديد إصلاح لعلاقة الإنسان بدينه ودنياه فهما وممارسة فالتجديد في الدنيا يتعلق بتحديث وسائلها والترقي بأساليب العيش ويدخل في ذلك الإبداع والتحديث . وتجديد الدين : وهو في حقيقته تجديد وإحياء وإصلاح لعلاقة المسلمين بالدين والتفاعل مع أصوله والاهتداء بهديه , فهما وممارسة لتحقيق العمارة الحضارية وتجديد حال المسلمين ولا يعني إطلاقا تبديلا في الدين أو الشرع ذاته ليس تغييرا في حقائق الدين القطعية لكن تغيير للمفاهيم التي ترسبت في أذهان الناس عن الدين).
التجديد هي روح جديدة لابد أن تسري في جسد الأمة تسري في رجال الأمة شيوخها وشبابها وفي نساء الأمة روح تسري كتلك الروح التي سرت في جسد المسلمين الأوائل روح تجعلنا نرتقي في كل شيء وفي كل مجال روح هدارة لا تتوقف روح تتملكنا حتى نغير واقعنا من الهزيمة المطلقة إلى الانتصار العظيم . روح تحولنا من أمة تعيش في ذيل العالم مع الهوام والحشرات إلى أمة ترفل في العز والنصر . روح تسري بداخل العالم والشيخ والطبيب والمهندس والمحاسب والمعلم والعامل والفلاح وكل فرد في أفراد الأمة تدفعه للأمام . روح تجعلنا جميعا نعيد التفكير في طريقة حياتنا وطريقة تفكرينا وطريقة إدارتنا لجميع الأمور . روح تدفعنا للأمام وتلغي من حياتنا اليأس التي تملكنا . روح تجعلنا منتجين لا مستهلكين . روح تجعل من أرضنا التي تيبست حديقة خضراء غناء مليئة بأنواع الفاكهة والخضروات . روح تحولنا إلى مبدعين ومفكرين روح كتلك الروح التي دفعت ربعي ابن عامر أن يحدث رستم بطريقة جديدة لم يعرفها العرب ولا الفرس روح جعلت غالبية الصحابة يموتون في بقاع الأرض أثناء جهادهم ودعوتهم لله ونشر الإسلام ، روح دفعت ألب أرسلان ينتصر على عشرة أضعاف جيشه روح دفعت هارون ان يحدث نكفور بكلب الروم . روح جعلت محمد بن موسى الخوارزمي المتوفى 236هـ هو أول من وضع علم الجبر روح جعل للمسلمين السبق في دراسة الفضاء وعلم الفلك وجعل المسلمون في عهد الخليفة المأمون يحسبون محيط الكرة الأرضية بما لديهم من قوانين والرقم الذي وصلوا إليه قريب جدا من المحسوب الآن عن طريق الكمبيوتر روح جعلت غياث الدين بن محمد الكاشي المتوفى سنة 893 هـ بنى مرصد سمرقند ودرس مدارات القمر وعطارد وكان أول من اكتشف أن مدارات القمر وعطارد بيضاوية وهو الذي اوجد قيمة النسبة التقريبية 3.14 وهو الذي ابتكر الكسور العشرية واشتهر بكثرة قراءته للقرآن وكان كتابه (مفتاح الحساب) منهلا استقى منه علماء الشرق والغرب.. روح الإسلام التي افتقدناها في هذه الأيام التعسة روح تلحقنا بالبخاري والشافعي والغزالي وابن القيم . روح تلحقنا بقتيبة ابن مسلم واحمد ابن ماجد وابن خلدون وابن رشد .
تعريف الضرورة :
الضرورة لغة : جاء في لسان العرب الضرورة هي الحاجة والشدة لا مدفع لها , والمشقة , والجمع ضرورات ، وهو إسم مصدر الاضطرار . والاضطرار : الإحتياج إلى الشيء ، واضطره إليه : أحوجه والجأه ، فاضطر .
وجاء في كتاب نظرية الضرورة لمحمد مبارك : ( الضرورة خوف الهلاك أو الضرر الشديد على أحد الضروريات ، للنفس أو الغير ، يقينا أو ظنا ، إن لم يفعل ما يدفع به الهلاك أو الضرر الشديد) .
والضروريات التي جاءت الشريعة للحفاظ عليها هي : الدين والنفس والعقل والنسب والمال ، فمتى كانت إحدى هذه الضروريات معرضة للهلاك أو الخطر يقال : وقع الإنسان في حالة ضرورة .
وهنا أنا لا أتحدث عن ضرورة شرعية أي ضرورة لتعطيل أو تحديد بعض أحكام الشريعة ولكن أتحدث عن ضرورة وقت وضرورة فرضها علينا الواقع المر الذي تعيشه الأمة الآن . فكل شيء في حياتنا معطل تطبيق ديننا معطل ومن يدعو له أو يفكر فيه متهم . التفكير في حل مشاكل الأمة ومحاولة الرقي بها معطل . بل أصبحنا نعيش حياتنا بشكل عجيب فمسموح لكل من يتحدث أو يعمل للإفساد أو يمارس الفواحش أن يتقدم ومن يصلح أو يفكر في الإصلاح ممنوع ومحاصر .
فالواقع يفرض علينا أفراد وجماعات أن نعيد تفكيرنا في كل شيء في حياتنا نعيد تفكيرنا في ممارساتنا اليومية . والواقع يفرض علينا أن نجدد في فهمنا للإسلام ونجدد في طريقة تفكيرنا ونجدد في تربية أولادنا ونجدد في مواجهة الباطل الذي نعيشه يوميا .
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب ، فاسألوا الله تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكم ) رواه الطبراني في الكبير والحاكم في المستدرك عن ابن عمرو

الثلاثاء، ١ أبريل ٢٠٠٨

التجديد ضرورة - 1

بدأت الحروب الصليبية على المشرق الإسلامي في حوالي سنة 642 هـ الموافق 1070 م وكانت البداية معركة ملاذ كرد الشهيرة 643هـ/ 1071م التي نصر الله فيها جند الإسلام بقيادة القائد العظيم ألب أرسلان على ملك الروم في معركة شهيرة كانت امتدادا لليرموك والقادسية واستمرت الحملات الصليبية المتوالية واستمرت الهزائم المتتالية للصليبين وكان لهم انتصارات مؤقتة لم تكن لتستمر في ظل يقظة المسلمين ومحاولاتهم المستمرة للم شملهم هكذا بدأت الحملات الصليبية الشرقية وانتهت بمعركة مهمة لا يذكرها أحد في عام 829 هـ / 1426 م حينما استولى الأشرف برسباي حاكم مصر على قبرص وأسر ملك الصليبين وبعدها لم يفكر الصليبين في غزو الشرق بهذه الطريقة مرة أخرى . ولكن هل انتهت الحروب الصليبية . لا لم تنتهي حيث أنهم حينما فشلوا في الشرق اتجهوا للغرب وكانت حربهم الضروس على الأندلس هذه الحرب اتذي انتهت بالقضاء على دولة بني الأحمر على يد فردناند وإيزابيلا في عام 1492 م . ولكن هل توقف الهدف على القضاء على المسلمين وحضارتهم في غرب أوربا لا لم يحدث . فقاموا بداية بوضع خطة للقضاء على كل ما يمت للإسلام بصلة في محيط الأندلس (أسبانيا والبرتغال) فكانت المذابح الشهيرة للمسلمين وكانت محاكم التفتيش حتى تنصر كثير من المسلمين وأخفوا إسلامهم فكانوا يفتشوا عن الأطفال التي تتم عملية الختان لهم ويأخذوهم ويقتلوهم هم وأهلوهم جميعا ثم ماذا بعد . كان الزحف العثماني على القسطنطينية وفتحها سنة 1453 م وهذا الفتح كان نهاية دولة الروم ووضع حدا فاصلا لآمال الصليبين للقدوم إلى الشرق والقضاء على الإسلام فكانت الخطة المحكمة بأن يأتوا للمسلمين من الغرب وكان سقوط الأندلس بداية هذه الخطة فوضعوا خطة لتطويق العالم الإسلامي وكان عنوانها المعروف للجميع ( الكشوف الجغرافية ) وذلك بأن يصل الصليبين إلى أقصى مكان في الشرق لتطويق المسلمين وكان الهدف من هذه الكشوف كما عبر عنه أحد المستشرقين :
1- القضاء على الدولة العثمانية ، وتمزيقها ، والسيطرة على وحداتها المختلفة .
2- إقامة حصار اقتصادي كامل حول العالم الإسلامي ، وذلك بنقل طريق التجارة من قلبه في مصر إلى طريق الرجاء الصالح (أنور الجندي : اليقظة الإسلامية في مواجهة الاستعمار ـ ص : 23).
فكانت الخطة أحكم وكان الظرف مناسبا لتحقيق أحلامهم على حساب أمتنا وحضارتنا وديننا . وكان تجديدهم في أفكارهم وأسلوب التعامل معنا سببا رئيسا في الوضع الذي نعيشه الآن .
ففي الوقت الذي بدأت فيه النهضة العلمية والصناعية والفكرية في أوربا وبدأوا يتخلصون من ميراثهم البالي في التخلف كان العالم الإسلامي يعاني من الضعف والفساد والفرقة وكانت الأنظمة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بدأت في التخلخل .
يرى الدكتور عمر عبد العزيز(أستاذ التاريخ الحديث بجامعة الإسكندرية) - نقلا عن موقع إسلام اون لاين - أن ثمة انعكاسات حادة وخطيرة ترتبت على حركة الكشوف الجغرافية على عالمنا العربي والإسلامي؛ إذ عمل الأسبان والبرتغاليون بعد أن تم الكشف الجغرافي على التبشير بالمسيحية على المذهب الكاثوليكي بين أهالي المكسيك وأمريكا الجنوبية، وكان ذلك أكبر تعويض للبابوية والكنيسة الكاثوليكية عن نفوذها الذي ضاع في كثير من جهات أوروبا بعد ظهور حركة الإصلاح الديني، وتعذر بالضرورة وصول الدين الإسلامي إلى هذه البلاد في وقت مبكر.
وقد أثرت حركة الكشوف الجغرافية بدرجة كبيرة على مركز مصر التجاري، وكان العرب قد اهتموا اهتمامًا بالغًا بالتجارة التي درت عيهم ثروات طائلة بصفتهم وسطاء بين الهند والصين من ناحية وأوروبا من ناحية أخرى، وسيطروا على التجارة العالمية في العصور الوسطى؛ حيث كانت تنقل تجارة التوابل والحرير إلى أوروبا عبر الطرق الهامة المارة بالمنطقة العربية. وجنت مصر من هذه التجارة الكبيرة الكثير، وأصبحت الضرائب المفروضة على هذه التجارة موردًا هامًا من الموارد المالية المصرية، وظل الأمر كذلك حتى شاهد العالم التحول الواضح من البحر المتوسط إلى المحيط الأطلسي.
وعندما فتح هذا الطريق الجديد في عام 1498م حاول مماليك مصر يؤيدهم في ذلك البنادقة الذين عانوا أيضًا من جراء هذا الكشف أولاً بالوسائل الدبلوماسية ثم بالحرب، القضاء على هذا الخطر البرتغالي. ولكن جهودهم باءت بالفشل إذا استطاع البرتغاليون إيقاع الهزيمة بالأساطيل المصرية، وتوغلوا حتى الخليج العربي والبحر الأحمر. وفي عام 1510م وقعت مسقط وهرمز والبحرين في أيدي البرتغاليين.
ولم يستطع الشرق العربي استعادة طرق مواصلاته مرة أخرى حتى القرن التاسع عشر. ونتج عن تحول طريق التجارة آثار متعددة، أفقرت أسواق القاهرة والإسكندرية من تلك الحركة التجارية الهائلة، وحرمت حكومة مصر من تلك الضرائب التي طالما تمتعت بها، كما فقد الأهالي الفوائد الكثيرة التي كانوا يجنونها من نقل هذه المتاجر، بينما أخذت دول غرب أوروبا في التوسع والاستعمار.
وعلى الصعيد السوري تدهورت الأوضاع الاقتصادية نتيجة لهذه الكشوف الجغرافية، واضطر التجار السوريون بعد ذلك إلى أن يجعلوا جل اعتمادهم على التجارة البرية.
ولكن أهم نتيجة لحركة الكشوف الجغرافية الحديثة هي أن الدولة العثمانية دخلت في المواجهة مع الأوروبيين محل المماليك الذين كانوا يسيطرون على مصر والشام.
لقد كانت مهمة إسبانيا الالتفاف على المسلمين من ناحية الشرق، بينما كُلفت البرتغال بالتحرك من الجنوب لإتمام عملية التطويق، وليس من شك أن الدوافع الحقيقية لاكتشافات أوروبا الجغرافية هي الروح الصليبية الحاقدة التي كانت فاتحة للحروب الصليبية الجديدة التي عرفت باسم الاستعمار.
قام البرتغالي ماجلان ببدء رحلته في سبتمبر 1519م . وأثناء مراحل رحلته وصل إلى جزر الفلبين ، وفي هذه المرحلة من الرحلة قتل ماجلان في معركة بينه وبين المسلمين في الفلبين وتولى مساعدة الإيطالي " بيجافيتا " قيادة الرحلة حتى نهايتها ، وعودتها إلى نقطة بدايتها في أسبانيا .ولاشك أن هذه الرحلة مثلت حدثاً بالغ الأهمية لهم.
وبدأت المرحلة الثانية من الخطة باستعمار مباشر للعالم العربي والإسلامي ولم يكن يتم هذا الاستعمار لولا التمهيد الذي تم فيما يسمى بالكشوفات الجغرافية فكان احتلال شمال وغرب إفريقيا البداية .
وربما يقول قائل أن هذه المرحلة كان هدفها علميا اقتصاديا وقد قدموا للبشرية خدمات هائلة باكتشاف هذه البلدان وهذه الطرق . ولكن إذا كان الهدف علمي اقتصادي فلماذا ذهب فاسكو ديجاما ومن بعده ماجلان لاستئذان البابا قبل الذهاب إلى هذه الرحلات ولماذا كانوا حريصين على نشر مذاهبهم ودياناتهم في كل مكان يصلوه . بل كلنا نعلم أن هذه الرحلات كانت مقدمة للاستعمار الحديث الاستعمار الذي نهب خيرات بلاد إفريقيا ولك يترك لأهلها إلا الفقر والدمار والمجاعات المتواصلة . وأيضا ما هو تفسير المقولة الشهيرة للنمبي القائد البريطاني في سنة 1917 وبعد اتفاقية سايكس بيكون بعام وهو واقف في القدس قائلا (الآن انتهت الحروب الصليبية) ثم ما هو سبب حرص ذهاب الجنرال الفرنسي جورو في عام 1920 م إلى قبر صلاح الدين في دمشق وركل القدم بقدمه قائلا (ها نحن عدنا ياصلاح الدين ) . والآن هل نعتقد أن كلام السيد بوش رئيس العالم الحر كما يسمي نفسه واصفا ما يحدث في العراق بأنه حرب صليبية هل نعتقد أن كلامه زلة لسان ؟ . معذرة للخروج عن السياق التاريخي .
نعود لنعرف أنه في فترة قصيرة بعد انتهاء مرحلة الاكتشافات الجغرافية بدأت مرحلة الاستعمار في أرض الواقع وبدأت الحملات الاستعمارية تتوالى على بلادنا ففي عام 1798 م كانت حملة نابليون على مصر وفلسطين . وفي عام 1830 م كانت فرنسا احتلت الجزائر كاملة وفي عام 1870 م ألحق كل وزارات الجزائر بفرنسا ومنحت كل يهود الجزائر صفة مواطن فرنسي.
مع بداية القرن العشرين كان المغرب العربي قسمة بين فرنسا وأسبانيا . وليبيا كانت بحلول عام 1911 م تحت الحكم الإيطالي . ومصر والسودان كانت تحت الحكم الإنجليزي . وفي الشام كانت سوريا ولبنان تحت الحكم الفرنسي وفلسطين تحت الحكم البريطاني ثم كان قيام الكيان الصهيوني على ثرى فلسطين الطاهر . والعراق كانت تحت الاحتلال البريطاني . واستولت بريطانيا على أجزاء كبيرة من شبه الجزيرة . وفي إفريقيا كانت معاهدة (برلين) (1884-1885م) أهم المعاهدات التي أخضعت إفريقيا كلها للاستعمار الأوروبي .
وكانت الدول المتاخمة للصحراء الكبرى من نصيب فرنسا وانجلترا وإيطاليا ، حيث استطاعت الأولى أن تستأثر بأكبر مساحة شملت : موريتانيا والسنغال ، ومالي (كانت تسمى السودان الفرنسي) ، وغينيا ، والنيجر ، وتشاد ، والصومال الفرنسي ، أما الثانية فاستولت على نيجيريا ، وسودان وادي النيل ، والصومال البريطاني ، وزنجبار . وكان لإيطاليا السيطرة على الصومال (الإيطالي) ، وبذلك أصبحت البلاد الإسلامية في الصحراء الإفريقية الكبرى وجنوبها خاضعة للاستعمار الأوروبي مع بداية القرن العشرين .
وكانت آسيا الوسطى إمارات ودويلات إسلامية مستقلة ، وخلال القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين تمّ إخضاعها للسيطرة الروسية والصينية . كما استولى الصينيون على تركستان الشرقية منذ سنة (1759م) ، وبرغم الثورات التي واجهوها فإنهم استطاعوا ضمها إليهم عام (1881م) ، وأطلقوا عليها اسم (سينجيانج) ، أي : الأرض الجديدة .
وفي جنوب شرق آسيا فمع حلول العقد الثامن من القرن التاسع عشر أضحى أرخبيل الملايو مقسما بين الاستعمار الإنجليزي الذي احتل ما يعرف الآن بماليزيا ، وبين الاستعمار الهولندي الذي سيطر على إندونيسيا .
وكانت الفلبين تحت السيطرة الإسبانية منذ القرن السادس عشر الميلادي وقد «كان موقف إسبانيا من الفلبين امتدادا لموقفها الصليبي من مسلمي الأندلس ، وهكذا أفرغت إسبانيا بالفلبين كل ألوان الحقد الذي كانت تحمله ضد المسلمين ، وطال بها الزمن في الفلبين (1521-1898م) ، فهذه المدة التي قاربت أربعة قرون قضت فيها إسبانيا على أجيال متتالية من المسلمين بطريق الحروب الشرسة المتتالية ، وألزمت كثيرين باعتناق المسيحية عن طريق المدارس . . . وعن طريق المستشفيات . . . وعن طريق الوظائف التي لم تكن تقدم إلا للمسيحيين» .
وعلى الرغم من السياسة الإسبانية في الفلبين استطاعت عدة سلطنات وإمارات إسلامية في الجنوب أن تحتفظ باستقلالها ، لكن مع اندلاع الحرب الأمريكية - الإسبانية وانهزام إسبانيا ، انتقلت السيادة إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي اتبعت سياسة إبادة ضد المسلمين بالذات ، واستمر الصراع سنوات حتى انتهاء الحرب العالمية الثانية .
والهند فقد ظلت الهند تحت الحكم الإسلامي للمغول ، الذين مزجوا بين حضارة الإسلام وحضارة الهند إلى حدود نهاية النصف الأول من القرن التاسع عشر . ثم قاكت بريطانيا باحتلال الهند . وقد اتبع الإنجليز سياسة الاستغلال الاقتصادي والتفرقة بين المسلمين والهندوس ، وكان الهندوس أقرب للاستمالة ؛ لذا فتحت أمامهم المؤسسات التعليمية والاقتصادية الإنجليزية حتى حققوا التفوق على المسلمين .
ولكن هل توقف التاريخ .. فمازلنا نعاني من السيطرة الكاملة لهؤلاء على مقدرات أمتنا ومازالت الانتصارات الصليبية قائمة . فالتجديد الذي قاموا به بعد هزيمتهم في الحروب الصليبية الشرقية وتوجهم نحو الغرب وعملهم الدائم للقضاء على أمتنا حضارة ودينا قد نجح هذه المرة ولو لحين وفلسطين والعراق وأفغانستان خير شاهد .
ثم ماذا بعد ..