الخميس، ٣١ يوليو ٢٠٠٨

وجعلني مباركا أينما كنت - 2

(( فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير )) القصص 24
إن الإنسان الذي يريد أن تشمله البركة أينما حل وكذلك الذي يريد أن تشمل البركة المكان والزمان الذي يعيش فيه لابد وأن يتصف بصفات تؤهله لذلك وإن لم يكن يحمل هذه الصفات فعليه أن يغير من نفسه وأن يحاول أن يعيش بصفات جديدة وأن يقود عملية تغيير شاملة لنفسه ولمن حوله حتى يصل إلى نهضة شاملة لنفسه تقوده إلى أن ينهض بالأمة ويعيد لها أمجادها المفقودة . ولكن ما هي الصفات التي تجعل مني أو منك إنسانا مباركا أينما حل ؟ أعتقد أننا ممكن أن نتفق أو نختلف حول بعض الصفات لكننا لن نختلف في أن أول شيء لابد أن نعمله أنا وأنت هو أن نقود عملية تنظيمية صحيحة وحقيقية لحياتنا فكل منا لابد أن يكون منظما في شئونه أي أننا لابد أن نرتب حياتنا بالطريقة الصحيحة وأن نرتب أولوياتنا بشكل صحيح وسليم وأن تكون رؤيتنا لهذه الدنيا سليمة نعرف متى نفكر ومتى نتكلم ومتى نكتب ومتى ننفذ ومتى وكيف نتخذ قراراتنا بل ولابد أن نعرف جيدا من هو عدونا ومن هو صديقنا وهكذا فإن ترتيب حياتنا له الأولوية في جعلنا أناس مباركين أينما كنا .
ولذلك فإني أرى أن تحسين وتطوير طريقة التفكير هو مدخلنا إلى هذا الموضوع واسمحوا لي أن أقول إن من أكبر ما تعاني منه أمتنا هو اختفاء المفكرين لأن أهل الفكر في الأمة كانوا دائما هم القادة وهم أهل التطور المستمر وهم الذين صنعوا تقدم الأمة على منهج سليم وقوي وهو منهج ربنا عز وجل ، ولهذا فإن صناعة الفكر هي الصناعة المفقودة وهذه الصناعة فقدت بسبب رئيسي وهو ضياع الحرية ولأن الحرية هي الجو الوحيد المناسب لصناعة الفكر الراقي فلن تتقدم أمتنا خطوة إلا في جو من الحرية التي تتيح لأبناء الأمة الفكر والإبداع ، وكذلك لأن صناعة الفكر في أوطاننا مكلفة فصانع الفكر معرض لكثير من المضايقات إذا كانت صناعته راقية وتصب في نهضة الأمة .
ولقد اتفقنا في المقال السابق أن نبدأ أمرنا هذا بأن نمسك الورقة والقلم وأن نجيب على عدة أسئلة ولكنها إجابات مكتوبة ، أول سؤال ماذا أريد من هذه الحياة والثاني ماذا عن علاقتي بربي والثالث ماذا أريد من أمتي والرابع هل أنا أسير في الطريق الصحيح لنهضتي الشخصية ولنهضة الأمة التي أعيش على ثراها ومن الممكن صياغة الأسئلة بشكل آخر إذا أردنا ، ونسأل أنفسنا : أولا : ما هدفي الرئيسي من الحياة على وجه الأرض ، ثانيا : ما هدفي من عملي في مؤسسة كذا أو شركة كذا أو هيئة كذا ، ثالثا : ما هي أهدافي المرحلية خلال 5 أو عشر سنوات قادمة ، رابعا : ما هو هدفي من تربية أولادي وهل رقي أولادي هدف واضح أمامي ، خامسا : ما هي خطتي لتطوير نفسي علميا ، سادسا : ما هي خطتي لتطوير نفسي مهنيا وفنيا ، سابعا : هل عندي هواية خارج مجال عملي المهني ؟ وإن كان لدي هواية هل حاولت الاستفادة منها وهل حاولت ممارسة هوايتي وإسعاد الآخرين بها وهل حاولت أن تكون هوايتي عامل بناء لنهضة الأمة فهواية القراءة أو الكتابة أو التأليف أو استخدام النت من الممكن أن تصب كلها في نهضة الأمة .
إن هذه الأسئلة المفترضة والتي ذكرتها كأمثلة فقط هذه الأسئلة ممكن أن تضيف إليها أنت أسئلة أخرى كثيرة من واقع حياتك أنت ولكن عندما تضع الأسئلة ضعها وعينك على المستقبل ولا تحصر أسئلتك على ذاتك فقط ولكن اجعل لعائلتك ولمجتمعك ولدولتك ولأمتك نصيب من نفسك ومن وقتك ومن خططك ومن أهدافك واعلم أن بداية تحرر الأمة ونهضتها فكرة والفكرة تبدأ بكلمة فلا تقلل من نفسك وابدأ معي ربما تكون أنت رجل الأمة المنتظر فمن يعلم ، فقط ابدأ وخذ وقتك ولا تتعجل وإذا كتبت الأسئلة المناسبة وأجبت عليها إجابات واضحة وراجعت الإجابات مرات عديدة واقتنعت أخيرا بما كتبت ، إذا وصلت إلى هذه المرحلة أهنئك وأشد على يدك فأنت الآن بدأت تفكر بطريقة جديدة وأصبحت من الذين يفكرون بطريقة صحيحة والتفكير بطريقة صحيحة هو بداية التحرك نحو الأفضل وكما قلت : إن المفكر هو الذي يقود فهل أعددت نفسك لكي تقود من حولك إلى الخير ؟!
إذا عرضت مشكلة أمام أحدنا فإنه ينظر إليها بطريقة ما لحلها وعند استعراض عدد من المشاكل التي عرضت لعدد من الناس وكذا استعراض طرق الحل سوف نجد أن غالبية الناس إن لم يكن كلهم يتعاملون مع مشاكلهم بطرق نمطية أي أن طرق التفكير التي يتعامل بها الناس من حولنا لا تميل إلى الإبداع في التفكير وهذه مشكلة أخرى لابد أن نحلها بيننا وحلها هو إتباع طرق غير تقليدية في حل مشاكلنا أي أن تفكيرنا يكون بطرق غير نمطية وذلك بتحفيز العقل للتمدد والاتساع في البحث عن أفكار متعددة للحل . وكذلك توفير البيئة الإبداعية للأولاد وتوفير البيئة الإبداعية للعاملين في المؤسسة وذلك يكون بتشجيع مبدأ الشورى وإرساء قيم الحرية المسئولة وإشاعة جو الثقة وكذلك إعلام الكل أننا جميعا نملك أعظم طاقة على الأرض ساكنة في ذواتنا الشخصية إنها الطاقة الإبداعية لعقولنا وأن هذا المصدر مستمر ولا ينضب أبدا.
أعلم أننا بعد قراءة هذا المقال سوف نخرج إلى مجتمعاتنا كل يقضي حاجته وأنا لي رجاء أن نتبع ما قرأنا هنا في تعاملنا مع كل من حولنا وأقصد أن نغير من طريقة تفكيرنا ونغير طريقة تعاملنا مع كل من حولنا فعندما نشتري الصحيفة من عند بائع الجرائد علينا أن نلقي عليه السلام ونبتسم في وجهه وبائع الخضار أو الفواكه علينا أن نسلم عليه بيدنا ونبش في وجهه ونسأله عن حاله وحال زوجته وأولاده وهكذا أريد منك أخي القارئ أن تغير وتحول طريقتك مع كل من حولك حتى تكون مباركا أينما تكون .

الثلاثاء، ٨ يوليو ٢٠٠٨

وجعلني مباركا أينما كنت - 1

القرآن الكريم كتاب الله العظيم نزل به ملك الوحي جبريل عليه السلام على رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم لنقرأه ونتدبره ونفهم آياته وأحكامه ونطبقه في حياتنا ، وكلما قرأنا القرآن وتدبرناه كنا إلى الله أقرب ، ولن ينتصر ديننا ولن تتقدم أمتنا طالما أننا بعيدين عن قرآن ربنا .
- والآية الكريمة جاءت في سورة مريم في معرض حديث سيدنا عيسى عليه السلام عن نفسه وحينما كان يتحدث عن براءة أمه مريم البتول الطاهرة ، ولكن إذا أمعنا النظر في الآية الكريمة وحاولنا فهمها سنجد فيها وفي دراستها منهج حياة ورسالة إنسانية راقية هي رسالة الأنبياء والمصلحين ، ولأننا نعيش في فترة صعبة من تاريخ أمتنا توجب علينا جميعا عمل المحاولات تلو المحاولات لرفع هذه الغمة ولإيجاد طرق وسبل ووسائل لإرجاع الأمة إلى مجدها فلابد لكل منا أن يكون له دور في ذلك ، ولذلك لابد لكل منا أن يكون له رسالة في حياته وهذه الرسالة لابد أن تكون مكتوبة وواضحة ومحددة حتى لا يمر العمر هكذا بدون فائدة ، ولأن كثير من الذين ينتمون إلى هذه الأمة لا يوجد لهم أهداف محددة ولا رسالة محددة في حياتهم فواجب علينا جميعا إرشاد كل من نعرفهم إلى أن يجلس مع نفسه ولو ساعة ليحدد فيها رؤيته وهدفه في هذه الدنيا وعلينا أن نساعد الناس على ذلك ولا نتركهم يعيشون هكذا بلا هدف واضح.
- ولعلها بداية خير أن يضع الإنسان هدفا له وهو أن تحل البركة معه أينما ذهب ، أليست غاية نبيله وهدف سام ؟ نعم والله إنها هدف وغاية الأنبياء ، فقد جاء في تفسير الجلالين أن معنى الآية أي جعلني نفاعا للناس وفي ابن كثير أي آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر وفي القرطبي أي ذا بركات ومنافع في الدين والدعاء إليه ومعلما له ، التستري : وجعلني آمر بالمعروف , وأنهى عن المنكر , وأرشد الضال , وأنصر المظلوم , وأغيث الملهوف . وإذا كان هدفك أن تحل البركة معك فسوف يكون هدفك دائما الزيادة والنماء في الخير وفي الاتجاه الإيجابي وثق أن الله معك إذا كانت نيتك صادقة ، فإذا كلفت بعمل أتقنته فنجح العمل ونجحت معه ، وإذا وضعت يدك في مال بالتجارة أو الاستثمار في الخير والحلال زاد وكثر ، وإذا سكنت في بيت ساده الهدوء والسكينة والاطمئنان ، وتجد في أسرتك انسجام وحب وتفاهم ، وفي وقتك تقضي حاجاتك في وقت أقل فتجد في الوقت متسعا ، وتجد في صحتك تمام وكمال ، وفي عمرك طول وحسن عمل ، وفي علمك إحاطة بجوانب العلم والمعرفة ، وتجد كثرة النعم وجوامع الخير .
- وفي زمننا هذا رأينا العالم كله يرفع راية التخطيط وراية العمل فلا مكسب بدون عمل ولا عمل بلا تخطيط والبركة لن تحل والنماء لن يأتي إلا بعمل متقن سبقه تخطيط سليم ، وعليه إذا أردت أنت أو أنا أن تنطبق علينا الآية فلابد بداية أن نأخذ بأسباب حلول البركة والنماء في كل شيء نتعامل معه فعلينا بداية أن نعرف من ديننا من أين ومتى تأتي البركة حتى نلزم أنفسنا به ، فقد علمنا ديننا أن التقوى والإيمان تجلب البركة حيث يقول الله عز وجل : ( ولو أن أهل القري آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ) فلنبدأ بإلزام أنفسنا بالتقوى والإيمان ونعمل على تمكين الإيمان في أنفسنا ، وكذلك الحرص على تلاوة القرآن دائما فالقرآن كتاب مبارك فيقول الله عز وجل: ( وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ) ، وأيضا إلزام أنفسنا التسمية قبل بدأ الأعمال فالتسمية تجعل العمل مباركا فيه وقد قال صلي الله عليه وسلم : (( كل عمل لم يبدأ باسم الله فهو أبتر ، أي مقطوع وناقص البركة )) واستيقاظ الإنسان مبكراً وبدأ أعماله في الصباح الباكر يأتي بالبركة ، فقد قال النبي صلي الله عليه وسلم : (( بورك لأمتي في بكورها )) ، والشكر الدائم لله عز وجل على نعمه فيقول الله عز وجل: ( ولئن شكرتم لأزيدنكم ) .
- فإذا أخذنا بأسباب نزول البركة ثم توجهنا مباشرة للتخطيط لأعمالنا تخطيطا جيدا وأحسنا صياغة أهدافنا طبقا للشروط العلمية المذكورة في كتب الإدارة ثم وضعنا خطة العمل بشكل سليم وبعدها وضعنا جداول التشغيل وأحسنا المتابعة وتصحيح الأخطاء في الأوقات السليمة والمناسبة كان ذلك عملا متكاملا نحصل بعده على أحسن النتائج بإذن الله .
- وهناك ملاحظة أن كثيرا من المنتمين لأمة المسلمين والذين يقومون ببعض الأعمال ، إذا قاموا بأعمالهم يؤدونها بلا وضوح هدف وبلا خطة محكمة لتحقيق هذه الأهداف ، وإذا سألتهم كيف تؤدون هذه الأعمال قالوا نؤديها بالبركة ! ، وهذا كلام عجيب يتعارض مع العقل والمنطق ويتعارض مع ديننا الحنيف فنرى الرسول صلى الله عليه وسلم لا يهم بعمل أي شيء إلا ويخطط له تخطيطا سليما ونرى ذلك واضحا في مثال الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة .
- إن الذي يتصدى للإصلاح ويعمل على رفعة الأمة سوف تقابله أشياء ومواقف تحزنه وتجعله مهموما لكن عليه في وسط هذا ألا يركن لليأس ويتذكر ما بدأنا به المقال أنه سوف يجعل من نفسه مباركا أينما حل فعليه أن تعلوا وجهه الابتسامه حينما يفقدها في الآخرين وأن يحذوه الأمل حين يأخذ اليأس من الناس مأخذه وعليه أن يحاول مرة ومرة ولا ينسى أن يكون إيجابيا وأن يعلم أن طريق نهضة الأمة طريق طويل لابد أن نتكاتف فيه جميعا وأن التزام طريق نهضة الأمة الآن هو من واجبنا جميعا ولا علاقة له بالعمر أو المهنة أو المستوى التعليمي أو الجنسية فالهم همنا جميعا .
- وسوف نستكمل سويا هذه السلسلة ان شاء الله سويا لنعرف كيف يكون الإنسان مباركا باستعماله الأدوات الحديثة لنعرف سويا بعض القيم الواجبة لنرقى بأنفسنا وبأمتنا .
جمال سيد الأهل
Gakgak11@hotmail.com