السبت، ٣١ مايو ٢٠٠٨

رسالة إلى أخي الحبيب - 2

أخي الحبيب ..
أخي المسلم في كل مكان أتوجه إليك بالرسالة الثانية التي أبث لك فيها همي وفيها أحدثك عن الإسلام ذلك الدين العظيم الذي نحمل اسمه ولكن لا نحمل همه ، الإسلام تاج رؤوسنا وضياء عيوننا وحبة قلوبنا ، الإسلام ديننا الذي نحبه والذي نفديه بكل ما نملك ، الإسلام الذي أصبح وكأنه تراث أو حكاية يحكيها البعض ويسمعها البعض ويلوي عنقه ثم يولي ، الإسلام الدين الخاتم ، نزل به الروح الأمين جبريل عليه السلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فحمله وحفظه وبلغه وجاهد من أجله ثم حمله بعده صحبه الكرام فحفظوه وبلغوه وجاهدوا من أجله وجاء إلينا فضيعناه وضعنا من بعد أن تركناه جانبا وأبعدناه عن حياتنا .
أخي الحبيب ..
- أخي المسلم في كل مكان .. إن نزول الإسلام إلى البشر من عند الله كان حتما مقضيا وإن ارتباط البشرية بالإسلام كارتباط الأرض بالجاذبية وارتباط الكون بالشمس فتخيل أخي لو زالت الجاذبية أو اختفت الشمس كم يكون الاضطراب ؟. فكذلك وجود الإسلام ، فإن الإسلام والشمس والقمر والجاذبية والماء والهواء من سنن الكون التي يتحتم وجودها وإلا يختل الكون ، لكن الاسلام سنة كونية لا يراها إلا ذو قلب سليم ، وكما أن للأرض مدارا تدور فيه فإن للبشر هذا الدين إن فقده اختل ميزانه والناظر يرى أبعد من ذلك ويبصر أن للكون هندسة بديعة هذا الدين جزء منها فلابد أن تمثله جماعة مسلمة في كل وقت .
- إن ديننا العظيم هو من مكملات الكون فلابد إذن من وجوده في الواقع وبوجوده تستمر الحياة بدون اضطراب وبدونه يحدث ما نرى الآن ، نرى اضطرابا في كل شيء وعلى كل المستويات .
- يقول الله عز وجل ( قل هو نبأ عظيم ) ص : 67 وإنه لأمر أعظم بكثير من ظاهرِهِ القريب ، إنه أمر من أمر الله في هذا الوجود كله ، وشأن من شئون هذا الكون بكامله ، إنه قدر من قدر الله في نظام هذا الوجود ، ليس منفصلا عن شأن السماوات والأرض ، وشأن الماضي السحيق والمستقبل البعيد . ولقد جاء هذا النبأ العظيم ليتجاوز قريشا في مكة ، والعرب في الجزيرة ، والجيل الذي عاصر الدعوة في الأرض ، ليتجاوز هذا المدى المحدود في الزمان والمكان ، ويؤثر في مستقبل البشرية كلها في جميع العصور والأقطار . ولقد حول خط سير البشرية إلى الطريق الذي خطته يد القدر بهذا النبأ العظيم ، سواء من آمن به أو من صد عنه ، ومن جاهد معه أو من قاومه ، في جيله أو في الأجيال التي تلته ولم يمر بالبشرية في تاريخها كله حادث أو نبأ ترك فيها من الآثار ما تركه هذا النبأ العظيم .
- ولقد أنشأ الإسلام من القيم والتصورات وأرسى من القواعد والنظم في هذه الأرض كلها وفي أجيال البشرية جميعا ما لم يكن العرب يتصورونه ولو في الخيال ، وما كانوا يدركون في ذلك الزمان أن هذا النبأ إنما جاء ليغير وجه الأرض ، ويوجه سير التاريخ ، ويحقق قدر الله في مصير هذه الحياة ويؤثر في ضمير البشرية وفي واقعها ، ويصل هذا كله بخط سير الوجود كله ، وبالحق الكامن في خلق السماوات والأرض وما بينهما وأنه ماض كذلك إلى يوم القيامة ويؤدي دوره في توجيه أقدار الناس وأقدار الحياة .
- والمسلمون اليوم يقفون من هذا النبأ كما وقف منه العرب أول الأمر لا يدركون طبيعته وارتباطه بطبيعة الوجود ، ولا يتدبرون الحق الكامن فيه ولا يستعرضون آثاره في تاريخ البشرية وفي خط سيرها الطويل استعراضا واقعيا ، فلابد للمسلمين من نظرة مستقلة غير مستمدة من أعداء هذا النبأ ، فالأعداء يهمهم أن يصغروا من شأنه في تكييف حياة البشر وفي تحديد خط التاريخ ، ومن ثم فإن المسلمين لا يدركون حقيقة دورهم سواء في الماضي أو الحاضر أو المستقبل وأنه دور ماض إلى آخر الزمان ، ولكن إن لم يدركه ضحايا خطط الترويض من الظباء الجفولة فإن ليوثا من أبناء الإسلام سوف يدركوه .
- فوجود المسلم الفاهم الواعي الحامل لدينه حتمية من حتميات التاريخ الماضي والحاضر ، ولئن رأى الحاضر من البشرية إقصاء الإسلام عن الحياة فما ذاك إلا كما تكسف الشمس والذي حصل من الاضطراب والظلم والفساد بإقصائه لهو دليل لأولي الأبصار يميزون به صواب ما نقول من كون الإسلام جزئية لابد منها من هذا الكون البديع وبدونه يختل الكون .
- لقد كانت تنحية الإسلام عن قيادة البشرية حدثا هائلا في تاريخها ونكبة قاصمة في حياتها ، نكبة لم تعرف البشرية لها نظيرا في كل ما ألم بها من نكبات . لقد استلم الإسلام القيادة بعد أن فسدت الأرض واستعبدت القيادات شعوبها ، وذاق البشر الويلات من هذه القيادات و( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ) . تسلم الإسلام القيادة بهذا لقرآن وبالتصور الجديد الذي جاء به القرآن وبالشريعة المستمدة من هذا التصور ، فكان ذلك مولدا جديدا للإنسان وهذا المولد أعظم من المولد التي كانت فيه نشأته ، لقد أنشأ القرآن للبشرية تصورا جديدا عن الوجود والقيم والنظم ، كما حقق لها واقعا اجتماعيا فريدا ، هذا الواقع كان لا يخطر على بال أحد أن يتصوره قبل أن يُنشأه القرآن .
- نعم لقد كان هذا الواقع من النظافة والجمال والعظمة والارتفاع والبساطة واليسر والواقعية والإيجابية والتوازن والتناسق بحيث لا يخطر للبشرية على بال لولا أن الله أراده لها وحققه في حياتها . ثم وقعت تلك النكبة القاصمة ونحي الإسلام عن القيادة نحي لتتولاها أنظمة وضعية غلب عليها التفكير المادي الذي تتعاجب به البشرية اليوم وكان لهذه الأنظمة أثرها السيء على بني البشر وكان من آثارها :
1- الاهتمام بالدنيا ونسيان الآخرة : إننا نلمس اليوم عند كثير منا اهتمام كبير بأمور الدنيا أما الآخرة فلا تحظى إلا بقليل الاهتمام وربما كان لها النسيان الكامل مع أن الدنيا دار زوال والآخرة دار بقاء مع إن الأمر جد خطير ويحتاج منا إلى يقظة تامة .
2- وزن الإنسان بما يملك من متاع الدنيا : فلقد اختلت لدينا الموازين فأصبحنا نزن الإنسان بما لديه من مال أو جاه أو منصب ثم يتبع ذلك احترام وتقدير وهيبة وتزلف وتقرب ونسينا المقياس الرباني في ذلك (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) الحجرات : 13.
3- تغلب مطالب الجسد على مطالب الروح : فكثير منا يسعون لإشباع شهوات الجسد وغرائزه دون ضوابط أو التزام بحدود أما من ناحية غذاء الروح بالتدين الصحيح والذكر وإحسان الصلة بالله فلا تجد من يسعى إليه إلا ما رحم ربي .
4- الأنانية والأثرة : انتشرت في مجتمعاتنا صفة غريبة علينا وهي روح الأنانية وحب الذات والحرص على المنافع الشخصية ونسيان الهم العام وانعكس ذلك على صلة الرحم ومراعاة حقوق الجيران والبر باليتامى والفقراء ومن هنا فقد كثير منا الرجولة والنخوة لأنه لا يبحث إلا عن مصلحته هو فقط .
5- القلق والتبرم بالحياة : حيث لا توجد راحة نفسية ولا طمأنينة لا يوجد صبر ولا رضى ولا سلوك معتدل ، فاستبعاد الإسلام من حياتنا يصيبنا بالبؤس والشقاء ويوصلنا إلى ما نحن فيه الآن.
6- جور الحكام وظلم الشعوب : إن الإسلام يدعو إلى العدل والرحمة وحسن رعاية الحكام لشعوبها وحمايتها من كل الأخطار الداخلية والخارجية ولكن استبعاد الإسلام من الحياة جعل بعض الحكام يقعون في مظالم كثيرة لشعوبهم ويحرمونهم كثير من حقوقهم دون رقيب أو حسيب وفي غفلة منهم أن الله رقيب عليهم .
7- ومن أسوأ ما حدث حين تم تنحية الإسلام عن حياتنا ظهور أفراد من بيننا يحملون أسماءنا ويتحدثون لغتنا ولكنهم ينكرون ديننا وقيمنا ومبائدنا بل ويتعدى الأمر أن يحاربوننا ليل نهار ويتعاونون مع أعداءالأمة والدين .
أخي الحبيب :
تحدثت لك في هم ألم بي هو هم الأمة وهم الدين ولكن لابد ان أتحدث معك وأعرض عليك ماذا كان واقعنا حينما كانت الأمة متوافقة مع دينها والشعوب متوافقة مع حكامها والكل كان يدور في فلك الإسلام الذي هو جزء من ناموس الكون فكانت الأمة متوافقة مع دينها وكانت ترضي ربها وكانت تدحر عدوها وكانت تتوافق في كل هذا مع الكون . وهذا هو موضوع الرسالة القادمة ولك مني أرق تحية .
جمال سيــــد الأهل
Gakgak11@hotmail.com

ليست هناك تعليقات: