الأربعاء، ٢١ يوليو ٢٠١٠

صورة ابراهيم جمال

صورة ابراهيم في رحلة مطروح الأخيرة
ابراهيم جمال

الجمعة، ٢٨ مايو ٢٠١٠

مهزلة كينية

نحن جميعا نرى أن الأمور السيئة تتسارع على بلدي في هذه الأيام وأن هذه الأحداث التي تمر بنا هي نتاج طبيعي لطريقة إدارة البلاد من فترة طويلة. فهذه وزيرة كينية تتبجح علينا وتقول بأنه ليس أمامنا إلا أن ننساق وراء أوامرها بالتوقيع على اتفاقية ستكون نتيجتها وخيمة على البلاد والعباد. هذه الوزيرة ورئيس دولتها لا يملكون السيطرة على بلادها بشكل كامل تأتي وتتبجح على بلادي والله إن هذا لنذير شؤم ، مصر العروبة والإسلام ، مصر الحضارة ، مصر التاريخ وأوصاف كثيرة نطلقها على مصرنا الحبيبة تتلاشى الآن وتضيق وتتهاوى ليأتي اليوم الأسود التي تهددنا فيه وزيرة كينية والله إنها لمهزلة .

حينما غزى المغول الأمة من الشرق واقتحموا عاصمة الخلافة بغداد وقتلوا وشردوا وأذاقوا الأمة كل أنواع الهوان وقف لهم أبناء بلادي وصدوهم وقضوا على كل خططهم وجيوشهم وكانت نهايتهم على حدودنا الشمالية.

وحينما احتل الصليبيون بيت المقدس و سفكوا دماء المسلمين وشردوهم وقف لهم أبناء بلادي وخلصوا العالم من شرهم.

وفي أكتوبر العظيم ورمضان المبارك وقف أبناء بلادي للصهاينة وقفة أذهلت العالم في وقتها وهزموهم شر هزيمة.

والآن تأتي وزيرة كينية وتقول أنه ليس أمامنا إلا أن نخضع لأوامرها ونوقع على اتفاقية سوف تجعلنا في عداد العطشى ثم تقول أنها سوف تأتي للقاهرة هذا الأسبوع وأن موضوع النيل ليس معروض للنقاش فهي تأمر وأيضا تحدد للسادة الجاثمون على صدورنا أجندة الاجتماعات ؟ ما هذه المهزلة ، وما هذا الهوان .

يا قومنا أجيبوني هل هذه نهاية العالم، هل أتى الوقت الذي ننتظر فيه الانهيار الكامل لهذه الدولة التي كانت عظيمة، هل نجلس مع أولادنا الآن لنخبرهم بأنه ليس هناك مستقبل كما أن الحاضر ليس مضمونا، هل نبيع بقايا ممتلكاتنا ونذهب إلى كينيا لنطلب اللجوء السياسي والاقتصادي والنفسي ونطلب من سيادة الوزيرة أن تقبلنا عندها خدما أو حتى عبيدا لأني لا أعتقد أنها سوف تقبلنا مواطنين عند دولة كينيا العظمى فهي الآن ليست كينيا التي كانت تستجدي غذائها وأمنها إنها كينيا العظمى التي ستأتي إلى البلد الذي كان بلدا عظيما لتملي شروطها على السادة الجاثمون على صدورنا، والله إنها لمهزلة.

السادة الجاثمون على صدورنا يقيموا الدنيا ولا يقعدوها إذا انتظم شاب في الجامعة في صلاة الفجر ويذهب السادة البصاصين هنا وهناك ليتقصوا حقيقة صلاته وهل هو من أبناء الجماعة المحظوظة أقصد المحظورة طبقا لطريقة كتابتها عند أذنابهم أم أن الشاب مازال في بداية معرفته بالصلاة فنتركه ونتعامل معه ومع غيره بألف طريقة سوف نبتكرها ونجربها وننفذها ونصرف عليها الملايين حتى يعود إلى سابق عهده ويترك طريق التدين الذي يؤذينا ويؤذي جارتنا العزيزة إسرائيل.

فلماذا لا يفعل السادة الجاثمون على صدرونا ذات الأفعال مع السيدة الوزيرة الكينية المتبجحة أو مع السيد رئيس وزراء إثيوبيا الغير موقر.

أيها السادة الجاثمون على صدورنا كفاكم ما فعلتم بنا في السنوات السابقة فقد وصل الحال إلى ما تروه وما تسمعوه والقادم أسوأ.

أيها السادة الجاثمون على صدورنا أرجوكم إن كان مازال لديكم ذرة حب لهذه البلد الذي كان عظيما أرجوكم اتركوا البلد لمن يحبها اتركوها لمن يريد صناعة مستقبلها وإصلاح حاضرها، اتركوا البلد لمن يضحي من أجلها لا لمن يحاول نهبها وسحلها وقتلها ثم دفنها دون الصلاة عليها أو غسلها.

أيها السادة الجاثمون على صدورنا إن القادم أسوأ بكثير من الحاضر إن الوقت التي تهددنا فيه وزيرة كينية ورئيس وزراء إثيوبيا ويتوعدونا لهو يوم عظيم أرجو أن يغير فيكم شيئا.

أيها السادة إن الأمر جد لا هزل إنها مسألة حياة أو موت لم يعد الأمر كلام فقط بل إن السدود قد بنيت وبدأوا في تشغيلها وبتمويل من إيطاليا ولا أدري لماذا زيارة إيطاليا التي تمول السدود ؟

إن الأمر يهمنا جميعا فلابد أن نفكر جميعا في مستقبل بلدنا ولا نترك الأمر للذين ضيعوا العباد والبلاد وأظن أن كل منا خائف على حاضره ومستقبل أولاده فالأمر متروك لكل فرد كي يفكر فيه بطريقته ولكن هناك كلمة في الختام : إن أي تفكير لابد أن يكون من منطلق حب البلد وليس الهدم أو التخريب فبلدنا تستحق الآن التفكير في البناء وليس في الهدم.

الخميس، ١ أبريل ٢٠١٠



جيهان ماهر عقل
دمعة ستقصم عرش الظالمين كنت اليوم في زيارة لزوجي الغالي في المعتقل ذهبنا صباحا ومن بداية الرحلة إلى نهايتها دار في بالي الكثير من الخواطر أحببت أن تشاركوني فيها :
* وقفنا في طابور طويل كان فيه نوعيات غريبة وعجيبة من البشر من أصحاب السوابق ،والمخدرات ، و....غيرها وبعد فترة طويلة من الوقوف بين هذا الجمع طلبوا منا أن يقف السياسيين في صف آخر لوحدهم وعندها خرج من بين الصفوف أناس أزعم برؤية رضا الله على وجوههم .. فذكرني هذا الموقف بالوقوف يوم الحشر ومناداة الملائكة على الناس : ( وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ ) سورة يس آية (59) ، فيقف الناس في صفين صف المجرمين وصف المتقين فياترى مع من سأقف يومها يارب . وكما قيل: لاتستوحش من قلة السالكين، ولا تغتر بكثرة الهالكين، لاتسأل عمن هلك كيف هلك ، ولكن اسأل عمن نجا كيف نجا .
* بعد دخولنا تم تفتيشنا تفتيشا دقيقا لمعرفة إن كنا نخفي شيئا ما من أدوات تصوير أو موبايلات ..أو غيرها فتم تفتيش الأطفال والكبار والحقائب وحتي الطعام وإرتاب المفتش في كيس اليوسفي فأخرجه واحدة واحدة حتى ظننت أنه سيقشره ، وهنا قلت رباه كيف سأخفي عنك يوم الحشر ذنوبي ، وانت أعلم بما ظهر او خفي من عيوبي ، فأتمم علينا سترك ربي ويا نفس الآن توبي .
* من باب إلى باب إلى باب ....دخلنا ولكن رؤية هذه القضبان الحديدية السوداء الطويلة ترك في نفسي أثرا غريبا....فذكرني سوادها بظلمة قبور الظالمين ، وذكرني طولها بطول حسابهم ولما تفكرت فيمن أحتجز وراءها من علماء ، وأطباء ،ومهندسين ، ومخلصين ...طاف في خاطري حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم :"الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر " ولكني تعجبت منك ياوطني .. يعاقب فيك المخلص على إخلاصه ..سجنا واسرا، ويكرم فيك المفسد على إفساده ..مالا وقصرا .
* استقبلنا زوجي بثغره الباسم ،ووجهه المنير ، وثوبه الأبيض ، وكأنه كان في عمرة وهي كذلك والله فما السجن للمؤمن إلا خلوة مع الله ، وإنفرادا به عن خلقه ،وبعد سلامه علينا وعلى والدته التي بلغت من العمر خمسة وثمانين عاما ولم يمنعها ذلك من السفر معنا في هذا المشوار المرهق ، جلسنا معا جلسة سادها الحب و الإشتياق والسؤال عن حال الأهل والأولاد ومرت الساعات سراعا وكأن الزمن هناك قد تخلق بخلق أصحاب المكان فإستكثر علينا إلف جلستنا وطول خلوتنا فأمر جنوده من ثواني ودقائق بإسراع الخطى ، والهمة في المسير وإنتهت الزيارة ، وليست النهايات دائما سعيدة كأفلامنا العربية ، فما ان اعلن عن إنتهاء الزيارة حتى بدات كل من طفلتي سارة (9سنوات) والزهراء (5سنوات) بالبكاء وكل منهما تمسك بثوب أبيها وتقول: تعال معانا ياأبي علشان خاطري، مش إنت برئ .
وكانت كلمات لمست القلوب فأدمتها ، فبكت والدته، وأخته، وشعرت بإختناق الباكي فكتمت شعوري، وارادت الدموع ان تجري من عيني، فأوقفت جريانها ورسمت إبتسامة باهتة على ثغري رسماً، وأظهرت قوة العزيمة، وبأس الشكيمة، وطلبت من فتياتي بالتحسبن (وهو قول حسبي الله ونعم الوكيل) وأن يبشروا والدهم بحسنات كثيرة ، وأجور كبيرة .
وصاحبنا زوجي في طريق الخروج وهو يغالب دموعه فغلبته، فقد عرفته رقيق القلب، قريب الدمع، تبكيه آية أو موقف حنون، وهذا من رحمة ألقاها الله في قلبه، ولكنّه مع ذلك صاحب عزم فتيّ، و دين قوي، وبأس لايلين، وهمة لاتضعفها السنين ـ والله حسيبه ـ وعلى حالي هذه ودعته وخرجت، والدمع محبوس في عيني لاأطلق عنانه ، ولي مع الدمع شيء عجيب فوالله ما منّ الله علي بدمعة نزلت في سبيله او من خشيته إلا وأنا مع إستحضاري لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم :"عينان لاتمسهما النار ......" الحديث ، أحفظ في ذاكرتي في أي مكان نزلت دمعتي فهذه في مسجد كذا، وتلك عند طوافي حول البيت عام كذا ... وأسأل الله الإخلاص .
وعندما خرجت اليوم من زيارة زوجي حابسة دمعي تعجبت من نفسي : لم تكتمين الدمع ؟؟
فقالت : لاأريده ان يرى دمعي فأضعف تماسكه أو أحمله مالا طاقة له به . فقلت : قد خرجت وماعاد يراك !!!
فقالت : لاأريد ان يرى هؤلاء الجند دمعي فلعل فيهم شامت أو حقود قلت :أتركي الدمع يسيل ، ولا تحبسيه .فهذه الدمعات ، و تلك الدعوات هي التي ستقصم عرش الظالمين عما قريب .
فأطلقت له العنان ، فجري جريانا وسقطت دمعاتي على باب السجن العمومي في دمنهور وعدنا وقد اضفت لذاكرتي مكانا جديداً لدمعة نزلت في سبيل الله .
لئن يهطل الدمع من مقلتيّ .. فإني عليك بلادي بكيت وإن يشحب اللون من مقلتي .. وابدو كاني صريعا قضيت فذاك لأني رأيتك اما وجئت .. لحضنك ثم ارتميت فصيّرت حضنك يامصر سجنا .. وأودعت فيه كأني جنيت ولكنني رغم جرحي سأبقى .. أسيرا لحبك مهما اكتويت وأجعل من ظلمة السجن نورا .. لأحمل مشعله ما مضيت
.

الجمعة، ١٩ مارس ٢٠١٠

علــو الهمـــة

ما هي الهمــــــــــة ؟

الهمة: هي الباعث على الفعل، وتوصف بعلو أو سفول..
قال أحد الصالحين: همتك فاحفظها، فإن الهمة مقدمة الأشياء، فمن صلحت له همته وصدق فيها، صلح له ما وراء ذلك من الأعمال

الهمــــــــة محلها القلـــــــــــــب

الهمة عمل قلبي، والقلب لا سلطان عليه لغير صاحبه، وكما أن الطائر يطير بجناحيه، كذلك يطير المرء بهمته، فتحلق به إلى أعلى الآفاق، طليقةًً من القيود التي تكبل الأجساد..

إن يَسْلُب القوم العِدا مُلْــــكِي وتُسْلِمني الجموعْ
فالقلب بين ضُلُـــــوعِهِ لم تُسْلِمِ القلبَ الضلوعْ

ونقل ابن قتيبة عن بعض كتب الحكمة :
" ذو الهمة إن حُطَّ، فنفسه تأبى إلا عُلُوّاً، كالشعلة ِ من النار يُصَوِّبُها صاحبها، وتأبى إلا ارتفاعا "

همَّــــــــــــة المؤمـــن أبلغ من عملـــــــــــه

قال صلى الله عليه وسلم:" من همَّ بحسنة، فلم يعملها، كتبها الله عنده حسنة كاملة " رواه البخاري
وقال صلى الله عليه وسلم: " من سأل الله الشهادة بصدقٍ، بلَّغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه " رواه مسلم وغيره
وقال صلى الله عليه وسلم فيمن تجهز للجهاد، ثم أدركه الموت: " قد أوقع الله أجره على قدر نيته " رواه الإمام أحمد وغيره
وقال صلى الله عليه وسلم : " ما من امرئٍ تكون له صلاة بليل، فغلبه عليها نوم ، إلا كُتب له أجر صلاته، وكان نومه صدقةً عليه " رواه النسائي وأبو داود

وقد يتفوق المؤمن بهمته العالية كما بيَّن ذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم في قوله:
" سبق درهم مائة ألف "، قالوا: يا رسول الله ، كيف يسبق درهم مائة ألف ؟! ،
قال:" رجل كان له درهمان ، فأخذ أحدهما ، فتصدق به ، وآخر له مال كثير ،
فأخذ من عَرْضها مائة ألف "رواه أحمد وغيره

خصائص كبير الهمـــــــــــة

يا عالـــــــــــــــي الهمَّــــة..
بقَدْر ما تَتَعنَّى ، تنالُ ما تتمنَّى

إن عالي الهمة يجود بالنفس والنفيس في سبيل تحصيل غايته، وتحقيق بغيته، لأنه يعلم أن المكارم منوطة بالمكاره، وأن المصالح والخيرات، و اللذات و الكمالات كلها لا تنال إلا بحظ من المشقة، ولا يُعبر إليها إلا على جسر من التعب :

بَصُرتُ بالراحة الكبرى فلم أرها *** تُنال إلا على جسر من التعب
****
فقل لِمُرَجِّي معالي الأمور *** بغير اجتهاد: رجوتَ المحالا
****
أحزان قلبي لا تزول *** حتى أبشر بالقبول
وأرى كتابي باليمين *** وتُسَرَّ عيني بالرسول
****

عالي الهمة يُرى منطلقاً بثقة وقوة وإقدام نحو غايته التي حددها على بصيرة وعلم، فيقتحم الأهوال، ويستهين الصعاب ..

****
ذريني أنـل ما لا يُنـال من العُـلا *** فصعب العلا في الصعب والسهل في السهل
تريدين إدراك المعالي رخيصة *** ولا بُدَّ دون الشَّهْدِ من إبر النحْلِ
****

من أراد الجنة سلعةَ الله الغالية لم يلتفت إلى لوم لائم، ولا عذل عاذل، ومضى يكدح في السعي لها
قال تعالى: ( ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا )
وقال صلى الله عليه وسلم: " من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة "

كبيــر الهمــة لا ينقُضُ عَزْمه

قال تعالى : ( فإذا عزمت فتوكل على الله )
قال جعفر الخلدي البغدادي : " ما عقدت لله على نفسي عقدا ، فنكثته "

علام يندم كبير الهمة؟

يندم على ساعة مرت به في الدنيا لم يعمرها بذكر الله عز وجل ، قال صلى الله عليه وسلم : " ليس يتحسر أهل الجنة على شيء إلا على ساعة مرت بهم لم يذكروا الله عز وجل فيها "

يا كبير الهمة : لا يضرك التفرد ، فإن طرق العلاء قليلة الإيناس

فعالي الهمة ترقى في مدارج الكمال بحيث صار لا يأبه بقلة السالكين، ووحشة الطريق لأنه يحصل مع كل مرتبة
يرتقي إليها من الأنس بالله ما يزيل هذه الوحشة ، و إلا انقطع به السبيل ..

عالي الهمة لا يرضى بالدون ولا يرضيه إلا معالي الأمور

إن عالي الهمة يعلم أنه إذا لم يزد شيئا في الدنيا فسوف يكون زائدا عليها ، ومن ثم فهو لا يرضى بأن يحتل هامش الحياة ، بل لابد أن يكون في صلبها ومتنها عضوا مؤثرا
إذا ما مضى يوم ولم أصطنع يدا * ولم أقتبس علما فما هو من عمري

إن كبير الهمة نوع من البشر تتحدى همته ما يراه مستحيلا ، وينجز ما ينوء به العصبة أولو القوة ،
ويقتحم الصعاب والأهوال لا يلوي على شيء
له همم لا منتهى لكبارها وهمته الصغرى أجل من الدهر

ندرة كبيريّ الهمة في الناس

يصدق عليهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم : " تجدون الناس كإبل مائة ، لا يجد الرجل فيها راحلة "
وهم في الناس ثلة من الأولين ، وقليل من الآخرين
وقد كانوا إذا عدوا قليلا فقد صاروا أعز من القليل .

عالي الهمة لا يرضى بما دون الجنة

إن كبير الهمة لا يعتد بما له فناء ، ولا يرضى بحياة مستعارة ، ولا بقُنيةٍ مستردة ، بل همه قنية مؤبدة ، وحياة مخلدة ، فهو لا يزال يحلق في سماء المعالي ، و لا ينتهي تحليقه دون عليين ، فهي غايته العظمى ، وهمه الأسمى..

عالي الهمة شريف النفس يعرف قدر نفسه

وعالي الهمة يعرف قدر نفسه ، في غير كبر، و لا عجب ، ولا غرور ، وإذا عرف المرء قدر نفسه ، صانها عن الرذائل ، وحفظها من أن تهان ، ونزهها عن دنايا الأمور ، و سفاسفها في السر والعلن ، وجنبها مواطن الذل بأن يحملها ما لا تطيق أو يضعها فيما لا يليق بقدرها ، فتبقى نفسه في حصن حصين ، وعز منيع لا تعطى الدنية ، و لا ترضى بالنقص ، ولا تقنع بالدون ..

كبير الهمة عصامي لا عظامي

فكبير الهمة عصامي يبني مجده بشرف نفسه ، لا اتكالا على حسبه ونسبه ، و لا يضيره ألا يكون ذا نسب ، فحسبه همته شرفا ونسبا ، فإن ضم كبر الهمة إلى نسب كان كعقد علق على جيد حسناء ..

الحث على علو الهمة في القرآن والسنة

تواردت نصوص القرآن والسنة على حث المؤمنين على ارتياد معالي الأمور ، والتسابق في الخيرات ، وتحذيرهم من سقوط الهمة ، وتنوعت أساليب القرآن في ذلك ..

فمنها: ذم ساقطي الهمة وتصويرهم في أبشع صورة :
( واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون )

ومنها: ثناؤه سبحانه على أصحاب الهمم العالية وفي طليعتهم الأنبياء والمرسلون
وفي مقدمتهم أولو العزم من الرسل وعلى رأسهم خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم..
( فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل )

ومنها : أنه عبر سبحانه عن أوليائه الذين كبرت همتهم بوصف الرجال في مواطن البأس والجلد والعزيمة والثبات على الطاعة ، والقوة في دين الله
( فيه رجال يحبون أن يطهروا والله يحب المطهرين )
( يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله و إقام الصلاة وإيتاء الزكاة )
( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا )

ومنها : أنه سبحانه أمر المؤمنين بالهمة العالية ، والتنافس في الخيرات ..
( فاستبقوا الخيرات )

أما السنة الشريفة فمليئة بالكثير من الصور ..

قال صلى الله عليه وسلم: ( إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها، فليغرسها )
وقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه : ( إن الله تعالى يحب معالي الأمور ، ويكره سفاسفها )
وقال صلى الله عليه وسلم يوصي أصحابه: ( إذا سأل أحدكم فليكثر، فإنما يسأل ربه عز وجل )
وقال صلى الله عليه وسلم : ( إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس ..
فإنه أوسط الجنة ، وأعلى الجنة ، وفوقه عرش الرحمن ، ومنه تفجر أنهار الجنة )

***********
كبر الهمة يجلب لك بإذن الله خيرا غير مجذوذ ، ويجري في عروقك دم الشهامة والركض في ميدان العلم والعمل ، فلا ترى واقفا إلا على أبواب الفضائل ، ولا باسطا يديك إلا لمهمات الأمور ..

إن التحلي بكبر الهمة يسلب منك سفاسف الآمال والأعمال ، ويجتث منك شجرة الذل والهوان والتملق والمداهنة ..

مجالات علو الهمة :

· علو الهمة في طلب العلم

قال يحيى بن أبي كثير : لا ينال العلم براحة الجسد ..

ومن يصطبر للعــلم يظـــــفر بنيله *** ومن يخطب الحسناء يصبر على البذل
ومن لم يذل النفس في طلب العلى *** يسيرا يعش دهــــــــــرا طويلا أخا ذل

* علو الهمة في العبادة والاستقامة

قال الحسن : من نافسك في دينك فنافسه ، ومن نافسك في دنياه فألقها في نحره
قال وهيب بن الورد : إن استطعت أن لا يسبقك إلى الله أحد فافعل ..

واحسرتاه تقــضى العمر وانصرمت *** ساعاته بين ذل العجز والكسل
والقوم قد أخذوا درب النجاة وقد ساروا *** إلى المطلب الأعلى على مهل

· علو الهمة في البحث عن الحق

لقد حفل التاريخ الإسلامي قديمه وحديثه بنماذج رائعة من المهتدين الذين ارتفعت همتهم في البحث عن الدين الحق
و بذلوا في سبيل ذلك النفس والنفيس ، فصاروا مضرب الأمثال ، وحجة لله على خلقه أن من انطلق باحثا عن الحق مخلصا لله تعالى ، فإن الله عز وجل يهديه إليه ، ويمن عليه بأعظم نعمة في الوجود نعمة الإسلام

ومن النماذج المشرقة في البحث عن الحق
سلمان الفارسي رضي الله عنه ..
أبوذر رضي الله عنه ...

* علو الهمة في الدعوة إلى الله تعالى ..

كبير الهمة يحمل هم الدعوة

من أعظم ما يهتم به الداعية هداية قومه ، وبلوغ الجهد في النصح لهم ، كما يتضح ذلك جليا لمن تدبر سير المرسلين ، خاصة خاتمهم وسيدهم محمد صلى الله عليه وسلم ..

إن المتأمل لقوائم عظماء رجالات الإسلام من الرعيل الأول فمن بعدهم ليرى أن علو الهمة هو القاسم المشترك بين كل هؤلاء الذين اعتزوا بالإسلام ، واعتز بهم الإسلام ، ووقفوا حياتهم لحراسة الملة وخدمة الأمة سواء كانوا علماء أو دعاة أو مجددين أو مجاهدين أو مربين أو عباد صالحين ولو لم يتحلوا بعلو الهمة لما كان لهم موضع في قوائم العظماء ولما تربعوا في قلوب أبناء ملتهم ، ولما تزينت بذكرهم صحائف التاريخ و لا جعل الله لهم لسان صدق في الآخرين ..

* علو الهمة في الجهاد في سبيل الله

قال عمران بن حصين: ( ما لقي صلى الله عليه وسلم كتيبة إلا كان أول من يضرب )

وكذلك الشجعان في أمته والأبطال لا يحصون عدة ، و لا يحاط بهم كثرة ، سيما أصحابه المؤيدين الممدوحين في التنزيل بقوله تعالى :
( محمد رسول الله والذين آمنوا معه أشداء على الكفار رحماء بينهم )
قال صلى الله عليه وسلم : ( إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف )

حال الأمة عند سقوط الهمة

إن سقوط الهمم وخساستها حليف الهوان ، وقرين الذل والصغار ، وهو أصل الأمراض التي تفشت في أمتنا ،
فأورثتها قحطا في الر جال ، وجفافا في القرائح ، وتقليدا أعمى ، وتواكلا وكسلا ، واستسلاما لما يسمى الأمر الواقع ..

كل ذل يصيب الإنسان من غيره ، ويناله من ظاهره : قريب شفاؤه ، ويسير إزالته ،
فإذا نبع الذل من النفس ، وانبثق من القلب ، فهو الداء الدوي ، والموت الخفي ..

أسباب انحطاط الهمم

حتى نكون أبعد عن انحطاط الهمم لابد أن نتعرف على أسباب ذلك ..

* الوهن .. كما فسره الرسول صلى الله عليه وسلم : ( حب الدنيا، وكراهية الموت )
* الفتور .. قال صلى الله عليه وسلم: ( إن لكل عمل شِرَّةً، ولكل شِرَّة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى، ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك )
* اهدار الوقت الثمين في فضول المباحات .. قال صلى الله عليه وسلم: ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ )
* العجز والكسل .. قال تعالى: ( ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين )
* الغفلة .. وشجرة الغفلة تُسقى بماء الجهل الذي هو عدو الفضائل كلها
قال ابن القيم رحمه الله: لابد من سِنة الغفلة، ورقاد الغفلة، ولكن كن خفيف النوم ..
* التسويف والتمني .. وهما صفة بليد الحس، عديم المبالاة، الذي كلَّما همَّت نفسه بخير، إما يعيقها بسوف حتى يفجأه الموت، وإما يركب بها بحر التمني، وهو بحر لا ساحل له، يدمن ركوبه مفاليس العالم .
* ملاحظة سافل الهمة من طلاب الدنيا.. قال صلى الله عليه وسلم: ( إنما مَثل الجليس الصالح والجليس السوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك: إما أن يُحْذِيك ، وإما أن تبتاع منه،وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحا خبيثة )
* العشق .. لأن صاحبه يحسر همته في حصول معشوقه فيلهيه عن حب الله ورسوله.
* الانحراف في فهم العقيدة .. لا سيما مسألة القضاء والقدر، عدم تحقيق التوكل على الله تعالى، بدعة الإرجاء.
* الفناء في ملاحظة حقوق الأهل والأولاد واستغراق الجهد في التوسع في تحقيق مطالبهم ..
قال تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم )
* المناهج التربوية والتعليمية الهدامة .. التي تثبط الهمم، وتخنق المواهب، وتكبت الطاقات، وتخرب العقول، وتنشىء الخنوع، وتزرع في الأجيال ازدراء النفس، وتعمق فيها احتقار الذات، والشعور بالدونية.
* توالي الضربات، وازدياد اضطهاد العاملين للإسلام، مما ينتج الشعور بالإحباط في نفوس الذين لا يفقهون حقيقة البلاء، وسنن الله عز وجل في خلقه.

أسبــاب الارتقـــاء بالهمـــــــة

· العلم والبصيرة .. العلم يصعد بالهمة، ويرفع طالبه عن حضيض التقليد، ويُصفِّي النية.
* إرادة الآخرة، وجعل الهموم همَّا واحداً.. قال تعالى: ( ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا )
وقال صلى الله عليه وسلم: ( من كانت همّه الآخرة، جمع الله له شملَه، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا راغمة، ومن كانت همّه الدنيا، فرَّق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب الله له)
* كثرة ذكر الموت .. عن عطاء قال: كان عمر بن عبد العزيز يجمع كل ليلة الفقهاء، فيتذاكرون الموت والقيامة والآخرة ويبكون .
* الدعاء.. لأنه سنة الأنبياء، وجالب كل خير، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( أعجز الناس من عجز عن الدعاء )
* الاجتهاد في حصر الذهن، وتركيز الفكر في معالي الأمور.. قال الحسن: نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل.
* التحول عن البيئة المثبطة.. إذا سقطت الجوهرة في مكان نجس فيحتاج ذلك إلى كثير من الماء حتى تُنَظَّف إذا صببناه عليها وهي في مكانها، ولكن إذا أخرجناها من مكانها سهل تنظيفها بالقليل من الماء .
* صحبة أولي الهمم العالية، ومطالعة أخبارهم..قال صلى الله عليه وسلم: ( إن من الناس ناساً مفاتيح للخير مغاليق للشر)
* نصيحة المخلصين .. قال صلى الله عليه وسلم: ( إن الدين النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم )
* المبادرة والمداومة والمثابرة في كل الظروف..قال تعالى: ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا )

أطفالنـــــــــا وعــــلو الهمــــــــة

قال أبو حامد الغزالي رحمه الله: والصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة، فإن عُوِّد الخير وعُلِّمه نشأ عليه، وسَعِدَ في الدنيا والآخرة، وإن عُوِّد الشر، وأُهْمِل إهمالَ البهائم شقي وهلك.. وصيانته بأن يؤدِّبَه، ويهذبه، ويعلمه محاسن الأخلاق ..
وقال ابن خلدون: التعليم في الصغر أشد رسوخاً، وهو أصل لما بعده.

كِبَارُ الهمَّةِ النَّابغُون .. مُخْتَصَرُ الطريق إلى المَجْد..

إن المرء لا يولد عالماً، وإنما تربيه جماعة، وتصنعه بيئة، و تتعهده بالرعاية والتعليم، حتى يمتلك ناصية العلم الذي يطلبه .
.........

إن الأمة التي تهتم بالنابغين، تصنع بهم مستقبلها المشرق، لأنهم يُصْلِحون أمرها، ويسهمون في ازدهارها، والأمة التي تهمل رعاية نابغيها سوف تشقى حين يتولى أمورها جهلة قاصرون يوردونها المهالك،أو مرضى نفسيون معقدون يسومونها سوء العذاب، أو سفلة أصحاب نفوس دنيئة وهِممٍ خسيسة يبيعونها لأعدائها بثمن بخس .

أثر عُلُـــــــــوّ الهمَّة في إصلاح الفــرد والأمَّـــــة

أصحاب الهمة العالية هم الذين يقوون على البذل في سبيل المقصد الأعلى، و يبدلون أفكار العالم، ويغيرون مجرى الحياة بجهادهم وتضحياتهم، ومن ثَمَّ فهم القلة التي تنقذ الموقف، وهم الصفوة التي تباشر مهمة " الانتشال السريع " من وحل الوهن، و وهدة الإحباط.
...............

زاحم بكتفيك وساعديك قوافل العظماء المجددين من السلف والخلف، ولا تؤجل فإن مرور الزمن ليس من صالحك، وإن الطغيان كلما طال أمده، كلما تأصَّلت في نفوس المتميعين معاني الاستخذاء، ولابد من مبادرة تنتشل، ما دام في الذين جرفهم التيار بقية عرق ينبض، وبذرة فطرة كامنة .

..........

هذا زمان لا توسُّط عنده *** يبغي المغامر عالياً وجليلا
كن سابقاً فيه أو ابق بمعزلٍ *** ليس التوسط للنبوغ سبيلا
..........

إن أمتك المسلمة تترقب منك جذبة " عُمَرِيَّة " توقد في قلبها مصباح الهمة في ديجور هذه الغفلة المدلهمة، وتنتظر منك صيحة " أيوبية " تغرس بذرة الأمل، في بيداء اليأس، وعلى قدر المئونة؛ تأتي من الله المعونة، فاستعن بالله ولا تعجز .




وما فتئ الزمـــان يـدور حتـــى ******* مضى بالمجد قوم آخرون


وأصبح لا يرى في الركب قومي ******* وقد عاشوا أئمته سنينـــا


وآلمنـــــي وآلـــم كــــل حـــــر ******* سؤال الدهر أين المسلمونا ؟