الخميس، ١ أبريل ٢٠١٠



جيهان ماهر عقل
دمعة ستقصم عرش الظالمين كنت اليوم في زيارة لزوجي الغالي في المعتقل ذهبنا صباحا ومن بداية الرحلة إلى نهايتها دار في بالي الكثير من الخواطر أحببت أن تشاركوني فيها :
* وقفنا في طابور طويل كان فيه نوعيات غريبة وعجيبة من البشر من أصحاب السوابق ،والمخدرات ، و....غيرها وبعد فترة طويلة من الوقوف بين هذا الجمع طلبوا منا أن يقف السياسيين في صف آخر لوحدهم وعندها خرج من بين الصفوف أناس أزعم برؤية رضا الله على وجوههم .. فذكرني هذا الموقف بالوقوف يوم الحشر ومناداة الملائكة على الناس : ( وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ ) سورة يس آية (59) ، فيقف الناس في صفين صف المجرمين وصف المتقين فياترى مع من سأقف يومها يارب . وكما قيل: لاتستوحش من قلة السالكين، ولا تغتر بكثرة الهالكين، لاتسأل عمن هلك كيف هلك ، ولكن اسأل عمن نجا كيف نجا .
* بعد دخولنا تم تفتيشنا تفتيشا دقيقا لمعرفة إن كنا نخفي شيئا ما من أدوات تصوير أو موبايلات ..أو غيرها فتم تفتيش الأطفال والكبار والحقائب وحتي الطعام وإرتاب المفتش في كيس اليوسفي فأخرجه واحدة واحدة حتى ظننت أنه سيقشره ، وهنا قلت رباه كيف سأخفي عنك يوم الحشر ذنوبي ، وانت أعلم بما ظهر او خفي من عيوبي ، فأتمم علينا سترك ربي ويا نفس الآن توبي .
* من باب إلى باب إلى باب ....دخلنا ولكن رؤية هذه القضبان الحديدية السوداء الطويلة ترك في نفسي أثرا غريبا....فذكرني سوادها بظلمة قبور الظالمين ، وذكرني طولها بطول حسابهم ولما تفكرت فيمن أحتجز وراءها من علماء ، وأطباء ،ومهندسين ، ومخلصين ...طاف في خاطري حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم :"الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر " ولكني تعجبت منك ياوطني .. يعاقب فيك المخلص على إخلاصه ..سجنا واسرا، ويكرم فيك المفسد على إفساده ..مالا وقصرا .
* استقبلنا زوجي بثغره الباسم ،ووجهه المنير ، وثوبه الأبيض ، وكأنه كان في عمرة وهي كذلك والله فما السجن للمؤمن إلا خلوة مع الله ، وإنفرادا به عن خلقه ،وبعد سلامه علينا وعلى والدته التي بلغت من العمر خمسة وثمانين عاما ولم يمنعها ذلك من السفر معنا في هذا المشوار المرهق ، جلسنا معا جلسة سادها الحب و الإشتياق والسؤال عن حال الأهل والأولاد ومرت الساعات سراعا وكأن الزمن هناك قد تخلق بخلق أصحاب المكان فإستكثر علينا إلف جلستنا وطول خلوتنا فأمر جنوده من ثواني ودقائق بإسراع الخطى ، والهمة في المسير وإنتهت الزيارة ، وليست النهايات دائما سعيدة كأفلامنا العربية ، فما ان اعلن عن إنتهاء الزيارة حتى بدات كل من طفلتي سارة (9سنوات) والزهراء (5سنوات) بالبكاء وكل منهما تمسك بثوب أبيها وتقول: تعال معانا ياأبي علشان خاطري، مش إنت برئ .
وكانت كلمات لمست القلوب فأدمتها ، فبكت والدته، وأخته، وشعرت بإختناق الباكي فكتمت شعوري، وارادت الدموع ان تجري من عيني، فأوقفت جريانها ورسمت إبتسامة باهتة على ثغري رسماً، وأظهرت قوة العزيمة، وبأس الشكيمة، وطلبت من فتياتي بالتحسبن (وهو قول حسبي الله ونعم الوكيل) وأن يبشروا والدهم بحسنات كثيرة ، وأجور كبيرة .
وصاحبنا زوجي في طريق الخروج وهو يغالب دموعه فغلبته، فقد عرفته رقيق القلب، قريب الدمع، تبكيه آية أو موقف حنون، وهذا من رحمة ألقاها الله في قلبه، ولكنّه مع ذلك صاحب عزم فتيّ، و دين قوي، وبأس لايلين، وهمة لاتضعفها السنين ـ والله حسيبه ـ وعلى حالي هذه ودعته وخرجت، والدمع محبوس في عيني لاأطلق عنانه ، ولي مع الدمع شيء عجيب فوالله ما منّ الله علي بدمعة نزلت في سبيله او من خشيته إلا وأنا مع إستحضاري لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم :"عينان لاتمسهما النار ......" الحديث ، أحفظ في ذاكرتي في أي مكان نزلت دمعتي فهذه في مسجد كذا، وتلك عند طوافي حول البيت عام كذا ... وأسأل الله الإخلاص .
وعندما خرجت اليوم من زيارة زوجي حابسة دمعي تعجبت من نفسي : لم تكتمين الدمع ؟؟
فقالت : لاأريده ان يرى دمعي فأضعف تماسكه أو أحمله مالا طاقة له به . فقلت : قد خرجت وماعاد يراك !!!
فقالت : لاأريد ان يرى هؤلاء الجند دمعي فلعل فيهم شامت أو حقود قلت :أتركي الدمع يسيل ، ولا تحبسيه .فهذه الدمعات ، و تلك الدعوات هي التي ستقصم عرش الظالمين عما قريب .
فأطلقت له العنان ، فجري جريانا وسقطت دمعاتي على باب السجن العمومي في دمنهور وعدنا وقد اضفت لذاكرتي مكانا جديداً لدمعة نزلت في سبيل الله .
لئن يهطل الدمع من مقلتيّ .. فإني عليك بلادي بكيت وإن يشحب اللون من مقلتي .. وابدو كاني صريعا قضيت فذاك لأني رأيتك اما وجئت .. لحضنك ثم ارتميت فصيّرت حضنك يامصر سجنا .. وأودعت فيه كأني جنيت ولكنني رغم جرحي سأبقى .. أسيرا لحبك مهما اكتويت وأجعل من ظلمة السجن نورا .. لأحمل مشعله ما مضيت
.