الثلاثاء، ٣٠ ديسمبر ٢٠٠٨

الهجرة وغزة ...

نعيش نحن المسلمون ذكرى غالية علينا جميعا ، ذكرى حدث فاصل في تاريخ أمتنا الإسلامية ، بل نستطيع أن نقول انه الحدث الأعظم في تاريخ أمتنا الإسلامية على الإطلاق ، هذا الحدث العظيم هو هجرة رسولنا وقدوتنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هجرته من مكة إلى المدينة ، هذه الهجرة غيرت وجه التاريخ وصنعت لأمة الإسلام المستقبل العظيم ، هذه الهجرة التي نقلت المسلمين من دار حرب وذلة إلى دار سلم وعزة ، نقلتهم من دار كفر وشرك إلى دار إسلام وتوحيد ، نقلتهم من دائرة الخوف إلى دائرة الأمن ، نقلتهم من دائرة الدعوة السرية أو العلنية إلى دائرة الدولة ، نقلتهم من دائرة الإبداع في التحمل للتعذيب والتحمل للجريمة الكبرى الذي كان يمارسها نظام المشركين في مكة إلى دائرة الإبداع في إدارة الدعوة من خلال الدولة الناشئة في المدينة المنورة .
في حادث الهجرة ظهرت معادن الرجال وظهرت الأخلاق العظيمة وظهرت الخطط العظيمة وظهرت لنا أمور كثيرة جديرة بأن نتوقف أمامها كثيرا ، توقف دراسة وتوقف اعتبار وتوقف تحليل يدلنا على حقيقة ديننا العظيم ، هذا الدين الذي أتاح للجميع أن يظهروا مواهبهم ويظهروا قدراتهم في نصرة الدين ويبرزوا إلى الصدارة حتى يجنوا ثمار ما يفعلوا ، وأعز وأغلى ثمرة هي رضا الله عز وجل ثم الحصول على جنة الله .
في حادث الهجرة ظهر معدن سيدنا أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه ، هذا الصحابي الجليل الصديق الذي رزقه الله عز وجل الصحبة ورزقه الله البشرى بالرضا وبشره الله بالجنة الله ، لقد رهن الصديق حياته وحياة عائلته ورهن ماله وما يملك للإسلام ولم يدخر جهدا ولا مالا إلا وقدمه خالصا مخلصا لله عز وجل ، قام الصديق بشراء الناقتين واشترى كذلك العلف اللازم ، وكذلك جهز نفسه وبيته وكلف أفراد بيته بحمل أمانة نصرة الإسلام فهذه ذات النطاقين السيدة العظيمة أسماء تصطدم بفرعون الأمة فلا تتلجلج ولا تخاف ولكن ترد بأنها لا تعرف أين ذهبا ، بل وتقوم بأكثر من ذلك فتقوم بنقل الماء والطعام إلى الغار ، وهى التي لا تجد ما تربط به الطعام سوى نطاقها فتشقه وتربط به ليكون لها اللقب الخالد "ذات النطاقين"؛ وهى التي ظلت تضرب أروع الأمثلة في التضحية وتعلمها لأهلها حتى تقول لابنها عبد الله وهو يخشى أن يمثل به أعداؤه لو ظفروا به في المعركة "امض يا بني إلى ما أراد الله لك ما دمت تؤمن بأنك على الحق، فإن الشاة لا يضرها سلخها بعد ذبحها". وهذا عبد الله بن أبى بكر يقوم بجمع المعلومات من داخل مكة ثم يمضى بها ليلا متخفيا إلى الغار ليطلع عليها النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه حتى يحيطا علما بكل الأحداث والتطورات. وهذا عامر بن فهيرة راعى الغنم عند أبى بكر يظل نهاره راعيا غنمه ملاحظا الطرق والناس فإذا جاء المساء ذهب بغنمه في حذر إلى الغار وسقا الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه في الهجرة، وانتظر حتى يعود عبد الله جامع المعلومات، وأسماء حاملة الزاد، ثم يعود عامر بغنمه ليمحو بأقدامها آثار أقدام الشقيقين المناضلين عبد الله وأسماء.
وظهر أيضا معدن الإمام على بن أبى طالب، رضي الله عنه، وكرم الله وجهه هذا الشاب المؤمن المخلص المضحي الذي لم يتردد في أن ينام على فراش الرسول عليه الصلاة والسلام ويتغطى ببردته في الليلة التي اجتمع فيها الكفار ليفتكوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، ويا لها من نومه تحيطها المخاوف والأهوال ولكن عليّا يمضى قدما في سبيل عقيدته مؤمنا الإيمان كله بأن الله معه وهو خير الناصرين.
ولو أردنا أن نتحدث عن كل من أبدع في هذه الحادثة العظيمة لا يكفينا مقال ولا مائة مقال ولكن بعد عرض المثالين السابقين أرسل رسالة واضحة وجلية إلى كل من يؤمن بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا وأبدأ هذه الرسالة بسؤال هام وهو : هل تريد يا أخي تريد أن تكون مثل هؤلاء العظماء ؟ وأنا متأكد من أن الرد بالإيجاب ولكن كيف يكون ذلك ؟.
أقول نحن الآن نعيش أيام صعبة من تاريخ أمتنا المعاصر ، نحن نعيش مهانة لم نعشها من قبل ، نحن الآن نرى الدماء في أماكن كثيرة من خريطة أمتنا المنكوبة ، نحن نرى الموت يخيم في أماكن كثيرة حولنا ، نحن نحس أننا نعيش لكي نحني رؤوسنا لعدونا لكي يطأها بأقدامه أو لكي يقطعها بسيوفه ، ولعل آخر المآسي ما نراه اليوم وأمس وقبل أمس في غزة .
إن ما رأيناه في غزة شيء لا يطاق ، هذه الدماء التي تسيل هنا وهناك في القطاع غالية علينا جميعا ، هذه الدماء سوف تذهب بأهلها إلى جنة الخلد بإذن الله ، ولكنها تتركنا هنا نعاني الضعف والهوان ، نعاني الحسرة على أننا مقيدين لا نستطيع فعل شيء ، ولكن هل نحن فعلا لا نستطيع فعل شيء؟ أو بصياغة أخرى : من الذي أوصلنا إلى هذا الحال ؟ لا شك أن للأعداء دور في هذا الحال ولكن أنا وأنت وجميع المسلمين هم الذين يرضون الآن بهذا الحال ولا يحركون أي ساكن لرد هذا العدوان الدائم ، الكل ينتظر من يقوم بتحريره هو ومن حوله من القيود ، نعم هذه هي الحقيقة المرة ، إن هذه الدماء لم تحرك كثيرا من العرب والمسلمين .
يا أخي الكريم : ألا تريد أن تكون مثل أبو بكر ؟ وما فعله في الهجرة ، إن غزة الآن تناديك فلابد من هبة جريئة من أجل المسلمين الذين يذبحوا هناك ، كن يا أخي إيجابيا مع الحدث العظيم ، انصر دينك ونبيك وانتفض على نفسك وانصر إخوانك وأبناءك وأخواتك المضارين هناك انصرهم بالكلمة أو بالدعاء أو بالتبرع أو بأي وسيله ترى أنها سوف تصل بك لهدفك ولكن احذر أن تكون صورة سيئة للإسلام أو أن ترتكب إثما أو ذنبا يبعدك عن هدفك .
وأنتم يا أهل العز ويا تاج الرؤوس المرابطين هناك في عزة : أسأل الله لكم الثبات والصبر وأسأل الله أن يجمع قلوب العرب والمسلمين على نصرتكم وعلى تقديم العون اللازم لكم وأن يمكننا من تقديم أي شيء نعتذر به لله تعالى حينما نلقاه .

ليست هناك تعليقات: