الثلاثاء، ٨ يوليو ٢٠٠٨

وجعلني مباركا أينما كنت - 1

القرآن الكريم كتاب الله العظيم نزل به ملك الوحي جبريل عليه السلام على رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم لنقرأه ونتدبره ونفهم آياته وأحكامه ونطبقه في حياتنا ، وكلما قرأنا القرآن وتدبرناه كنا إلى الله أقرب ، ولن ينتصر ديننا ولن تتقدم أمتنا طالما أننا بعيدين عن قرآن ربنا .
- والآية الكريمة جاءت في سورة مريم في معرض حديث سيدنا عيسى عليه السلام عن نفسه وحينما كان يتحدث عن براءة أمه مريم البتول الطاهرة ، ولكن إذا أمعنا النظر في الآية الكريمة وحاولنا فهمها سنجد فيها وفي دراستها منهج حياة ورسالة إنسانية راقية هي رسالة الأنبياء والمصلحين ، ولأننا نعيش في فترة صعبة من تاريخ أمتنا توجب علينا جميعا عمل المحاولات تلو المحاولات لرفع هذه الغمة ولإيجاد طرق وسبل ووسائل لإرجاع الأمة إلى مجدها فلابد لكل منا أن يكون له دور في ذلك ، ولذلك لابد لكل منا أن يكون له رسالة في حياته وهذه الرسالة لابد أن تكون مكتوبة وواضحة ومحددة حتى لا يمر العمر هكذا بدون فائدة ، ولأن كثير من الذين ينتمون إلى هذه الأمة لا يوجد لهم أهداف محددة ولا رسالة محددة في حياتهم فواجب علينا جميعا إرشاد كل من نعرفهم إلى أن يجلس مع نفسه ولو ساعة ليحدد فيها رؤيته وهدفه في هذه الدنيا وعلينا أن نساعد الناس على ذلك ولا نتركهم يعيشون هكذا بلا هدف واضح.
- ولعلها بداية خير أن يضع الإنسان هدفا له وهو أن تحل البركة معه أينما ذهب ، أليست غاية نبيله وهدف سام ؟ نعم والله إنها هدف وغاية الأنبياء ، فقد جاء في تفسير الجلالين أن معنى الآية أي جعلني نفاعا للناس وفي ابن كثير أي آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر وفي القرطبي أي ذا بركات ومنافع في الدين والدعاء إليه ومعلما له ، التستري : وجعلني آمر بالمعروف , وأنهى عن المنكر , وأرشد الضال , وأنصر المظلوم , وأغيث الملهوف . وإذا كان هدفك أن تحل البركة معك فسوف يكون هدفك دائما الزيادة والنماء في الخير وفي الاتجاه الإيجابي وثق أن الله معك إذا كانت نيتك صادقة ، فإذا كلفت بعمل أتقنته فنجح العمل ونجحت معه ، وإذا وضعت يدك في مال بالتجارة أو الاستثمار في الخير والحلال زاد وكثر ، وإذا سكنت في بيت ساده الهدوء والسكينة والاطمئنان ، وتجد في أسرتك انسجام وحب وتفاهم ، وفي وقتك تقضي حاجاتك في وقت أقل فتجد في الوقت متسعا ، وتجد في صحتك تمام وكمال ، وفي عمرك طول وحسن عمل ، وفي علمك إحاطة بجوانب العلم والمعرفة ، وتجد كثرة النعم وجوامع الخير .
- وفي زمننا هذا رأينا العالم كله يرفع راية التخطيط وراية العمل فلا مكسب بدون عمل ولا عمل بلا تخطيط والبركة لن تحل والنماء لن يأتي إلا بعمل متقن سبقه تخطيط سليم ، وعليه إذا أردت أنت أو أنا أن تنطبق علينا الآية فلابد بداية أن نأخذ بأسباب حلول البركة والنماء في كل شيء نتعامل معه فعلينا بداية أن نعرف من ديننا من أين ومتى تأتي البركة حتى نلزم أنفسنا به ، فقد علمنا ديننا أن التقوى والإيمان تجلب البركة حيث يقول الله عز وجل : ( ولو أن أهل القري آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ) فلنبدأ بإلزام أنفسنا بالتقوى والإيمان ونعمل على تمكين الإيمان في أنفسنا ، وكذلك الحرص على تلاوة القرآن دائما فالقرآن كتاب مبارك فيقول الله عز وجل: ( وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ) ، وأيضا إلزام أنفسنا التسمية قبل بدأ الأعمال فالتسمية تجعل العمل مباركا فيه وقد قال صلي الله عليه وسلم : (( كل عمل لم يبدأ باسم الله فهو أبتر ، أي مقطوع وناقص البركة )) واستيقاظ الإنسان مبكراً وبدأ أعماله في الصباح الباكر يأتي بالبركة ، فقد قال النبي صلي الله عليه وسلم : (( بورك لأمتي في بكورها )) ، والشكر الدائم لله عز وجل على نعمه فيقول الله عز وجل: ( ولئن شكرتم لأزيدنكم ) .
- فإذا أخذنا بأسباب نزول البركة ثم توجهنا مباشرة للتخطيط لأعمالنا تخطيطا جيدا وأحسنا صياغة أهدافنا طبقا للشروط العلمية المذكورة في كتب الإدارة ثم وضعنا خطة العمل بشكل سليم وبعدها وضعنا جداول التشغيل وأحسنا المتابعة وتصحيح الأخطاء في الأوقات السليمة والمناسبة كان ذلك عملا متكاملا نحصل بعده على أحسن النتائج بإذن الله .
- وهناك ملاحظة أن كثيرا من المنتمين لأمة المسلمين والذين يقومون ببعض الأعمال ، إذا قاموا بأعمالهم يؤدونها بلا وضوح هدف وبلا خطة محكمة لتحقيق هذه الأهداف ، وإذا سألتهم كيف تؤدون هذه الأعمال قالوا نؤديها بالبركة ! ، وهذا كلام عجيب يتعارض مع العقل والمنطق ويتعارض مع ديننا الحنيف فنرى الرسول صلى الله عليه وسلم لا يهم بعمل أي شيء إلا ويخطط له تخطيطا سليما ونرى ذلك واضحا في مثال الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة .
- إن الذي يتصدى للإصلاح ويعمل على رفعة الأمة سوف تقابله أشياء ومواقف تحزنه وتجعله مهموما لكن عليه في وسط هذا ألا يركن لليأس ويتذكر ما بدأنا به المقال أنه سوف يجعل من نفسه مباركا أينما حل فعليه أن تعلوا وجهه الابتسامه حينما يفقدها في الآخرين وأن يحذوه الأمل حين يأخذ اليأس من الناس مأخذه وعليه أن يحاول مرة ومرة ولا ينسى أن يكون إيجابيا وأن يعلم أن طريق نهضة الأمة طريق طويل لابد أن نتكاتف فيه جميعا وأن التزام طريق نهضة الأمة الآن هو من واجبنا جميعا ولا علاقة له بالعمر أو المهنة أو المستوى التعليمي أو الجنسية فالهم همنا جميعا .
- وسوف نستكمل سويا هذه السلسلة ان شاء الله سويا لنعرف كيف يكون الإنسان مباركا باستعماله الأدوات الحديثة لنعرف سويا بعض القيم الواجبة لنرقى بأنفسنا وبأمتنا .
جمال سيد الأهل
Gakgak11@hotmail.com

ليست هناك تعليقات: