الثلاثاء، ٦ مايو ٢٠٠٨

التجديد ضرورة - 4

لا أدري لماذا يتحسس كثير من الناس من مصطلح التجديد وتجدهم عند سماع كلمة التجديد تدور أعينهم في رؤوسهم وكأن السقف سوف يقع على الرؤوس ، ولكن الواقع غير ذلك فمن يقرأ المقال الثاني من هذه السلسلة يعرف أن الهدم ليس من تعريفات التجديد وأن التجديد بناء وعمل وتقدم ورقي وفي نهاية الطريق جني ثمار وتحقيق أهداف.
ولكن هذا هو حال الأفكار الجديدة ، إما اتفاق معها وتبني لها أو اختلاف معها ومحاولة طمسها ثم قتلها ، ونرى دائما صراع قائم بين القديم والجديد ، فالقديم هو المألوف أما الجديد فهو كائن غريب ولكنه يحتاج إلى وقت وجهد وعرق ودم حتى يثبت نفسه وحتى نعرفه ثم نثق به .
ولأن تقييم الجديد يقوم على موازين قائمة وأعراف سائدة ولأن عملية التقييم تتوقف على درجة الرقي لمن سيقومون بها ، فعلى من يأتي بأفكار أو وسائل جديدة أن يعرف ذلك وأن يتسلح بسلاح الصبر قبل كل شيء وان يتسلح أيضا بالعلم والمعرفة التي تعينه على إقناع الآخرين بفكرته .
ولكننا نرى أن هناك معوقات تحول دائما دون نشر مصطلح فكر التجديد وسنحاول هنا ذكر بعض هذه المعوقات علنا نستطيع أن نتداركها أو أن نحاول التقليل من أثرها على الأمة وعلى من يعيشون على تراب هذه البلاد التي ابتليت بهذه العوائق وأنا هنا لا أدعي أنني ذكرت كل المعوقات ولكنها محاولة مني لعلها تكتمل بجهد أحد المخلصين ونسأل الله أن يخرج الأمة من كبوتها .
عوائق التجديد :
1- اليأس :
كل إنسان منا يعيش حلما داخليا يتمنى تحقيقه يوما ما ، وتختلف هذه الأحلام من شخص لآخر فالبعض أقصى أمنياته بيت صغير يتزوج ويعيش فيه مع أسرته وحياة هادئة هانئة لا مشاكل فيها ، أما الآخر فيحلم بخلافة إسلامية عظيمة تشمل كل دول العالم الإسلامي ، خلافة تعيد للأمة مجدها وسيرتها الأولى ، خلافة على منهاج النبوة ، خلافة نعيش فيها بأمان لها جيش كبير يحمي الأرض والعرض . وبين هذا وذاك أحلام كثيرة ومختلفة . ولكن لأن تحقيق الأحلام في هذا الزمان يعتبر من المستحيلات وإن تحقق جزء منها فيتحقق بصعوبة بالغة ، نجد أن اليأس هو الإحساس الغالب على كثير من أبناء الأمة ، والإنسان عندنا يائس من حاضره ولا يعلم شيء عن مستقبله ، هذا الإنسان بهذا الوضع لن يبتكر ولن يجدد بل لن يكون إيجابيا في التعاطي مع قضاياه الشخصية او قضايا الأمة .
2- ضعف المستوى الثقافي :
عندما فقد كثير من أبناء أمتنا بل ومن القائمين على عملية الإصلاح في الأمة عندما فقدوا شهية القراءة والتعلم ومطالعة كل جديد ، وعندما نسينا جميعا أننا أمة ( اقرأ ) أول كلمة نزلت من القرآن الكريم ، عندها فقط خيم ظلام الجهل على أمتنا وتراجعنا كثيرا ، وأصبح صعب علينا أن نفهم ما بين أيدينا من الخير ناهيك أن نتعلم ما تنتجه الحضارات الأخرى ، فالضعف الثقافي عائق كبير أمام أن نأتي بجديد أو أن نطور أو نحدث أي فكر أو وسائل تأتي لنا من الغرب أو الشرق.
3- ضعف الثقة بالنفس وقلة الاعتماد على الذات :
إن الإنسان الذي يثق بنفسه ويثق بما يحمل من أفكار هو الذي نبحث عنه ولكن هذا الإنسان نادر في وسط أمتنا ، فالثقة بالنفس والاعتماد على الذات في تنفيذ مشاريعنا أو في مناقشة أفكارنا أصبحت ضعيفة جدا . ولقد سمعت أحد السفراء يتحدث بصفاقة أيام حرب الخليج الأولى بأن الغرب أتى بقواته إلى بلادنا لأننا أمة لا تستطيع أن تأخذ قرارا ولا تستطيع أن تفكر وعليه فلابد للغرب أن يفكر لنا وينفذ لنا لأننا ليس لدينا عقول لنفكر ولا سواعد لننفذ ، هكذا حكموا علينا فكذبوا وأقنعونا بكذبتهم . فأصبحنا لا نثق بقدراتنا وعدم الثقة يترتب عليه الإحباط وعدم الأمان ثم الفشل ، فعدم الثقة بالنفس عائق كبير أما عملية التجديد .
4- ضعف الإيمان :
نسمع كثيرا عبارات ( أحس قسوة في قلبي ) أو عبارات ( أحس أن إيماني ضعيف ) وعبارات أخرى تعبر عن ضعف في الإيمان ، وهناك مظاهر لهذا الضعف ومنها ضيق في الصدر وتغير في المزاج واحتقار للمعروف وعدم الاهتمام بقضايا المسلمين ولا التفاعل معها وعدم استشعار مسئولية العمل لهذا الدين فلا يسعى لنشره ولا يحاول نصرته ، ولكن الظاهرة الأهم والأكبر هي فقدان الثقة في الأمة وفي منهج الأمة وفي العاملين لإنقاذ الأمة وبالتالي فإن ضعف الإيمان هو أكبر العوائق في نشر مصطلح التجديد ، فالمؤمن يثق بإسلامه ويعمل له وينصره ، والمؤمن يثق بالله ويعمل لرضاه ، والذي يعمل لرضا الله يحسن من عمله ويجدد في وسائله حتى يصل إلى أفضل النتائج بإذن الله .
5- تقديس ما لاقدسية له :
إن الأمة تعيش حالة ضعف وهزيمة لم تكن موجودة من قبل ومن أجل هذا تجد كثير من أبناء الأمة يعيشون عالة عليها ، كثير من أبناء الأمة بلا وعي وبلا فكر ولكنهم يقدسون أشخاصا أو يقدسون أفكارا ويضعوهم في مكانة لا يمكن نقدها أو الاقتراب منها . وهذه القدسية للأشخاص أو للأفكار تجعل التجديد أو التطوير في الأمة ضربا من الخيال . وهناك بعض من العاملين المخلصين يقدسون بعض الآراء والأفكار ولا يتحركون عنها ، وهؤلاء عائق أمام تطوير العمل وتحسينه .
6- استخدام الدين أحيانا في تضليل الشعوب :
نرى على ساحة العمل الإسلامي إتجاهات فكرية راشدة وحركات إسلامية وسطية قائمة على إصلاح كثير مما أفسده الآخرون ، ولكن هناك فئات ومجموعات تتخذ من الإسلام شعارا ولكنها تحمل خطابا يفصل الدين عن الواقع وعن العصر الذي نعيشه ، ويقدمون الإسلام للشعوب على أنه دين الآخرة ولا شأن له بالدنيا فتجدهم يحصرون الدين في مظاهر قليلة ، ويبالغون في الكلام عن أهوال الآخرة ووصف النار ، ويحذرون الشعوب من الكلام في السياسة أو التدخل في أمور الحكم بل إن بعضهم يبالغ ويرجو من الحكام أن يبقوا وأن يورثوا أبائهم ويعطوا فتاوي دينية على ذلك . وهذا الأمر وهو الاجتزاء في الدين من العوائق التي تعيق التجديد في الأمة .
7- المناخ العام التي تعيشه الأمة :
نحن نعيش في هذا الزمان في مناخ عجيب فكل يوم نستيقظ على أخبار مفزعة ، وحال فلسطين والعراق والصومال وأفغانستان لا يخفى على أحد ، وكذلك الحالة الاقتصادية السيئة وحالة الفقر والحاجة والانشغال بلقمة العيش ، وحالات الخوف التي تسيطر على كثير من أبناء الأمة ، والإحساس الدائم بالدونية ، ووجود إعلام فاسد وبذيء ، وفساد سياسي واقتصادي وأخلاقي . أمور كثيرة تجعل الكثير ينصرف عن العمل العام وتجعل الكثير لا يفكرون في رفع مستواهم الثقافي والعلمي وتجعلهم لا يمارسون عملية التجديد والتطوير في الأمة .
وسأستعير من الأستاذ يسار محمد (من مقال منشور في مجلة التجديد العربي) بعض العوائق :
1- الأعراف السائدة في المجتمعات الإسلامية :
التفكير الإنساني يستند إلى الموروث الأخلاقي والديني في البيئة التي ينشأ الإنسان فيها ، فيقيس الخير والشر بمقياس المجتمع الذي ينشأ فيه .
وهكذا تشكل الأعراف الاجتماعية السائدة حاجزاً حول العقل الانساني فتجعله لايتقبل أي فكرة مخالفة لهذه الأعراف وإلا تعرض لنقد ونبذ المجتمع له، فالجامدين على الماضي إما تعصباً له مع صدق نياتهم في محبتهم له، او أن مصالحهم الشخصية مرتبطة ببقاء المجتمع على تلك الاعراف والتقاليد .
وأقول لهذا بدأ الإمام البنا رسالة دعوتنا بالمصارحة والبراءة والعاطفة لأنه رحمه الله كان يعلم بأن دعوته جديدة على المجتمع وتتعارض مع بعض الأعراف الموجودة والموروثات السائدة .
2- الحكومات المستبدة:
لكل مجتمع لابد من وجود حكومة تدير شؤونه وتوفر لافراده الخدمات الامنية والصحية والاقتصادية والبلدية والتعليمية وغيرها.. ولكن ما أبعد هذه الحقيقة عن الواقع الذي نعيشه في عالم اليوم، الذي أصبحت الحكومات فيه غنائم صراع لأفراد أو أحزاب تمكنت من قمع المخالفين والمعارضين لها بقوة الحديد والنار، فتحاول السيطرة على المجتمع لابتقديم أفضل الخدمات الصحية والتعليمية والاقتصادية والأمنية له، بل باستخدام أقسى اساليب القمع لإخضاعه لإرادتها ولجعل الشعب يعمل على خدمة وتلبية رغبات حكوماته لا رغباته وأحلامه هو … وهنا تصبح العلاقة بين هذه الحكومات الجائرة المستبدة وشعوبها كعلاقة السادة بالعبيد ، فتعمل هذه الحكومات على كسر الإرادة الشعبية بتحجيم المثقفين فكريا كي لا يكونوا نواة لتنظيم ثوري قد يطيح بها مستقبلا . لذا فالحكومات الفاسدة تعمل على تجهيل المجتمع بتهميش مناهجه الدراسية الفكرية، وبتكسير أقلام مفكريه وبتوجيه الثقافة حسب أهوائها ومصالحها الشخصية ، وأقسى الحكومات هي الحكومات الدكتاتورية . وأقول إن الحكومات المستبدة من أكبر العوائق ضد التجديد .
3- السلطة الاقتصادية الظالمة:
مما هو معروف أن الانسان يبدأ في التفكير بسد حاجاته الأساسية الضرورية لبقائه على قيد الحياة كالغذاء والملبس والمسكن والتطبب من الأمراض، ثم ينتقل إهتمامه الى التعليم ومن ثم الى الثقافة العامة، أما عندما يتم إشغال المجتمع بسد حاجاته الأساسية فإن ذلك يؤدي الى إهدار طاقاته الجسدية والذهنية، وبالتالي يتم تحويل المجتمع الى أداة تقوم بأعمال روتينية يومية لاتضيف الى فكره شيئاً ولا الى وضعه الاقتصادي إلا بقدر إبقائه على قيد الحياة، فيبقى المجتمع بلا هدف مستقبلي يحفزه للتفكير بتغيير وتطوير حاضره، فيصاب بالجمود الفكري نتيجة هذا الاستبداد الاقتصادي المفقر للشعب المجهض لإمكاناته، حيث أن التجديد الفكري يحتاج الى جو يعيش به وإلى رعاية تخصه وإلى إمكانات تحوله الى عمل مادي ملموس. وإلا فإن أي فكر جديد يهمله المجتمع ولايرعاه فإنه يعد كالجسد بلا روح أو كالبذرة في الارض البور وأنى لهذه البذرة ان تنبت وتثمر؟.
لذا فعندما يحصل إختلال في التوازن الاقتصادي بشكل فاحش بالمجتمع، بحيث يجعل من أفراد أثرياء معدودين يسيطرون على جيش من الجياع، فيزدادون ثراء وغنى مع ازدياد فقر وعوز عمالهم، هذا الوضع اللاإنساني المزري يصيب الانسان العامل بالشلل العقلي والتبعية الكلية لرب العمل، فلا يجرؤ على مخالفته أو مناقشته خوفاً على ديمومة رزقه وبهذا تتلاشى شخصيته أمامه، فتغدو العلاقة بين رب العمل والعامل كعلاقة السادة بالعبيد، وهنا يحل التقليد ومتابعة رب العمل (سواء أكان شخص ام حكومة) بشكل أعمى بحيث تكون آراؤه هي آراء عماله بلا نقاش أو نقد منتظر منهم.
لذا فلا حرية فكرية مع فقر مدقع مهين للانسان، فعلى المصلحين ان يسعوا لتحرير الانسان من الاستغلال المفقر للمجتمع بفسح مجالات العمل المتنوعة أمام أفراده ورعايتهم والدفاع عن حقوقهم أمام أرباب الاعمال، مشعرين الإنسان في ذلك المجتمع بشخصيته وبكرامته وبأنه يعيش ويطور وضعه الاقتصادي والثقافي بجهوده، وليس بمكرمة او منة من رب العمل.
إن الاستبداد الاجتماعي أوالسياسي أوالديني أوالاقتصادي، يقف كعائق أمام أي تجديد فكري، وقد ينجح في إعاقته وتحجيمه لفترة من الزمن ولكنه لن يستطيع إيقافه وإلغائه بشكل نهائي، فقد اثبت التاريخ على مر العصور وإختلاف الامكنة بأنه لايمكن محاربة الفكر إلا بالفكر، وهذا هو سر تطور المجتمع الانساني شعوباً وحكومات... فلا الاستعمار نجح في تغيير هوية الشعوب الأصيلة وإحتوائها فكريا باستخدام قوة الحديد والنار ضدها، بل زاد من مقاومتها له الى أن تم طرده من البلاد وتحريرها منه.. ولا إستطاعت الحكومات الجائرة بقمعها لمثقفي الشعب على البقاء، بل ثارت عليها شعوبها وسحقتها جاعلة منها عبرة لمن بعدها من الحكومات الفاسدة … ولم تتمكن الشعوب المتخلفة بعاداتها وتقاليدها البالية من قتل روح التجديد والتطوير في نفوس ابنائها البررة.. لذا يبقى الفكر الانساني هو القوة الحقيقية التي لايمكن أن تقهرها أي قوة.

ليست هناك تعليقات: