السبت، ٣١ مايو ٢٠٠٨

رسالة إلى أخي الحبيب - 2

أخي الحبيب ..
أخي المسلم في كل مكان أتوجه إليك بالرسالة الثانية التي أبث لك فيها همي وفيها أحدثك عن الإسلام ذلك الدين العظيم الذي نحمل اسمه ولكن لا نحمل همه ، الإسلام تاج رؤوسنا وضياء عيوننا وحبة قلوبنا ، الإسلام ديننا الذي نحبه والذي نفديه بكل ما نملك ، الإسلام الذي أصبح وكأنه تراث أو حكاية يحكيها البعض ويسمعها البعض ويلوي عنقه ثم يولي ، الإسلام الدين الخاتم ، نزل به الروح الأمين جبريل عليه السلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فحمله وحفظه وبلغه وجاهد من أجله ثم حمله بعده صحبه الكرام فحفظوه وبلغوه وجاهدوا من أجله وجاء إلينا فضيعناه وضعنا من بعد أن تركناه جانبا وأبعدناه عن حياتنا .
أخي الحبيب ..
- أخي المسلم في كل مكان .. إن نزول الإسلام إلى البشر من عند الله كان حتما مقضيا وإن ارتباط البشرية بالإسلام كارتباط الأرض بالجاذبية وارتباط الكون بالشمس فتخيل أخي لو زالت الجاذبية أو اختفت الشمس كم يكون الاضطراب ؟. فكذلك وجود الإسلام ، فإن الإسلام والشمس والقمر والجاذبية والماء والهواء من سنن الكون التي يتحتم وجودها وإلا يختل الكون ، لكن الاسلام سنة كونية لا يراها إلا ذو قلب سليم ، وكما أن للأرض مدارا تدور فيه فإن للبشر هذا الدين إن فقده اختل ميزانه والناظر يرى أبعد من ذلك ويبصر أن للكون هندسة بديعة هذا الدين جزء منها فلابد أن تمثله جماعة مسلمة في كل وقت .
- إن ديننا العظيم هو من مكملات الكون فلابد إذن من وجوده في الواقع وبوجوده تستمر الحياة بدون اضطراب وبدونه يحدث ما نرى الآن ، نرى اضطرابا في كل شيء وعلى كل المستويات .
- يقول الله عز وجل ( قل هو نبأ عظيم ) ص : 67 وإنه لأمر أعظم بكثير من ظاهرِهِ القريب ، إنه أمر من أمر الله في هذا الوجود كله ، وشأن من شئون هذا الكون بكامله ، إنه قدر من قدر الله في نظام هذا الوجود ، ليس منفصلا عن شأن السماوات والأرض ، وشأن الماضي السحيق والمستقبل البعيد . ولقد جاء هذا النبأ العظيم ليتجاوز قريشا في مكة ، والعرب في الجزيرة ، والجيل الذي عاصر الدعوة في الأرض ، ليتجاوز هذا المدى المحدود في الزمان والمكان ، ويؤثر في مستقبل البشرية كلها في جميع العصور والأقطار . ولقد حول خط سير البشرية إلى الطريق الذي خطته يد القدر بهذا النبأ العظيم ، سواء من آمن به أو من صد عنه ، ومن جاهد معه أو من قاومه ، في جيله أو في الأجيال التي تلته ولم يمر بالبشرية في تاريخها كله حادث أو نبأ ترك فيها من الآثار ما تركه هذا النبأ العظيم .
- ولقد أنشأ الإسلام من القيم والتصورات وأرسى من القواعد والنظم في هذه الأرض كلها وفي أجيال البشرية جميعا ما لم يكن العرب يتصورونه ولو في الخيال ، وما كانوا يدركون في ذلك الزمان أن هذا النبأ إنما جاء ليغير وجه الأرض ، ويوجه سير التاريخ ، ويحقق قدر الله في مصير هذه الحياة ويؤثر في ضمير البشرية وفي واقعها ، ويصل هذا كله بخط سير الوجود كله ، وبالحق الكامن في خلق السماوات والأرض وما بينهما وأنه ماض كذلك إلى يوم القيامة ويؤدي دوره في توجيه أقدار الناس وأقدار الحياة .
- والمسلمون اليوم يقفون من هذا النبأ كما وقف منه العرب أول الأمر لا يدركون طبيعته وارتباطه بطبيعة الوجود ، ولا يتدبرون الحق الكامن فيه ولا يستعرضون آثاره في تاريخ البشرية وفي خط سيرها الطويل استعراضا واقعيا ، فلابد للمسلمين من نظرة مستقلة غير مستمدة من أعداء هذا النبأ ، فالأعداء يهمهم أن يصغروا من شأنه في تكييف حياة البشر وفي تحديد خط التاريخ ، ومن ثم فإن المسلمين لا يدركون حقيقة دورهم سواء في الماضي أو الحاضر أو المستقبل وأنه دور ماض إلى آخر الزمان ، ولكن إن لم يدركه ضحايا خطط الترويض من الظباء الجفولة فإن ليوثا من أبناء الإسلام سوف يدركوه .
- فوجود المسلم الفاهم الواعي الحامل لدينه حتمية من حتميات التاريخ الماضي والحاضر ، ولئن رأى الحاضر من البشرية إقصاء الإسلام عن الحياة فما ذاك إلا كما تكسف الشمس والذي حصل من الاضطراب والظلم والفساد بإقصائه لهو دليل لأولي الأبصار يميزون به صواب ما نقول من كون الإسلام جزئية لابد منها من هذا الكون البديع وبدونه يختل الكون .
- لقد كانت تنحية الإسلام عن قيادة البشرية حدثا هائلا في تاريخها ونكبة قاصمة في حياتها ، نكبة لم تعرف البشرية لها نظيرا في كل ما ألم بها من نكبات . لقد استلم الإسلام القيادة بعد أن فسدت الأرض واستعبدت القيادات شعوبها ، وذاق البشر الويلات من هذه القيادات و( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ) . تسلم الإسلام القيادة بهذا لقرآن وبالتصور الجديد الذي جاء به القرآن وبالشريعة المستمدة من هذا التصور ، فكان ذلك مولدا جديدا للإنسان وهذا المولد أعظم من المولد التي كانت فيه نشأته ، لقد أنشأ القرآن للبشرية تصورا جديدا عن الوجود والقيم والنظم ، كما حقق لها واقعا اجتماعيا فريدا ، هذا الواقع كان لا يخطر على بال أحد أن يتصوره قبل أن يُنشأه القرآن .
- نعم لقد كان هذا الواقع من النظافة والجمال والعظمة والارتفاع والبساطة واليسر والواقعية والإيجابية والتوازن والتناسق بحيث لا يخطر للبشرية على بال لولا أن الله أراده لها وحققه في حياتها . ثم وقعت تلك النكبة القاصمة ونحي الإسلام عن القيادة نحي لتتولاها أنظمة وضعية غلب عليها التفكير المادي الذي تتعاجب به البشرية اليوم وكان لهذه الأنظمة أثرها السيء على بني البشر وكان من آثارها :
1- الاهتمام بالدنيا ونسيان الآخرة : إننا نلمس اليوم عند كثير منا اهتمام كبير بأمور الدنيا أما الآخرة فلا تحظى إلا بقليل الاهتمام وربما كان لها النسيان الكامل مع أن الدنيا دار زوال والآخرة دار بقاء مع إن الأمر جد خطير ويحتاج منا إلى يقظة تامة .
2- وزن الإنسان بما يملك من متاع الدنيا : فلقد اختلت لدينا الموازين فأصبحنا نزن الإنسان بما لديه من مال أو جاه أو منصب ثم يتبع ذلك احترام وتقدير وهيبة وتزلف وتقرب ونسينا المقياس الرباني في ذلك (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) الحجرات : 13.
3- تغلب مطالب الجسد على مطالب الروح : فكثير منا يسعون لإشباع شهوات الجسد وغرائزه دون ضوابط أو التزام بحدود أما من ناحية غذاء الروح بالتدين الصحيح والذكر وإحسان الصلة بالله فلا تجد من يسعى إليه إلا ما رحم ربي .
4- الأنانية والأثرة : انتشرت في مجتمعاتنا صفة غريبة علينا وهي روح الأنانية وحب الذات والحرص على المنافع الشخصية ونسيان الهم العام وانعكس ذلك على صلة الرحم ومراعاة حقوق الجيران والبر باليتامى والفقراء ومن هنا فقد كثير منا الرجولة والنخوة لأنه لا يبحث إلا عن مصلحته هو فقط .
5- القلق والتبرم بالحياة : حيث لا توجد راحة نفسية ولا طمأنينة لا يوجد صبر ولا رضى ولا سلوك معتدل ، فاستبعاد الإسلام من حياتنا يصيبنا بالبؤس والشقاء ويوصلنا إلى ما نحن فيه الآن.
6- جور الحكام وظلم الشعوب : إن الإسلام يدعو إلى العدل والرحمة وحسن رعاية الحكام لشعوبها وحمايتها من كل الأخطار الداخلية والخارجية ولكن استبعاد الإسلام من الحياة جعل بعض الحكام يقعون في مظالم كثيرة لشعوبهم ويحرمونهم كثير من حقوقهم دون رقيب أو حسيب وفي غفلة منهم أن الله رقيب عليهم .
7- ومن أسوأ ما حدث حين تم تنحية الإسلام عن حياتنا ظهور أفراد من بيننا يحملون أسماءنا ويتحدثون لغتنا ولكنهم ينكرون ديننا وقيمنا ومبائدنا بل ويتعدى الأمر أن يحاربوننا ليل نهار ويتعاونون مع أعداءالأمة والدين .
أخي الحبيب :
تحدثت لك في هم ألم بي هو هم الأمة وهم الدين ولكن لابد ان أتحدث معك وأعرض عليك ماذا كان واقعنا حينما كانت الأمة متوافقة مع دينها والشعوب متوافقة مع حكامها والكل كان يدور في فلك الإسلام الذي هو جزء من ناموس الكون فكانت الأمة متوافقة مع دينها وكانت ترضي ربها وكانت تدحر عدوها وكانت تتوافق في كل هذا مع الكون . وهذا هو موضوع الرسالة القادمة ولك مني أرق تحية .
جمال سيــــد الأهل
Gakgak11@hotmail.com

الثلاثاء، ٢٧ مايو ٢٠٠٨

رسالة إلى أخي الحبيب -1

مع حبي وتقديري ..
أخي الحبيب ..
أخي المسلم في كل مكان أتوجه إليك بهذه الكلمات ، فأنت أخي ، وأنا وأنت نشترك في كثير من الأمور ، فنحن نعبد ربا واحدا ونتبع رسولا واحدا و نصلي لقبلة واحدة وفي الغالب نتكلم لغة واحدة فالمشترك بيني وبينك كثير .
أخي الحبيب ..
اسمح لي أن أتحدث إليك بعاطفة جياشة وروح تملأها المحبة ، اسمح لي أن أحدثك في موضوع هام يؤرقني ويشغلني ولعله يؤرقك ويشغلك أنت أيضا ، فكما تعلم ياأخي الحبيب أننا ننتمي إلى أمة واحدة ، هذه الأمة التي ذكرها الله في كتابه العزيز قائلا ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) هذه الأمة ياأخي تمر بمرحلة عصيبة ، هذه الأمة ياأخي كثرت مشاكلها واستباح الأعداء حماها .
أخي الحبيب ..
دعني أحدثك قليلا عن هذه الأمة فربما نحتاج سويا أن نتذكر بعض الشيء عن أمتنا :
- عدد دول العالم الإسلامي 56 دولة وعدد المسلمون في العالم يقترب من الربع ودولهم تغطي ربع مساحة الكرة الأرضية.
- نمتلك 80 % من احتياطي البترول وننتج 60 % من إنتاج العالم .
- ننتج 43 % من القطن و 80 % من زيت النخيل و 35 % من جوز الهند و 75 % من الجوت و 80 % من المطاط و 99 % من انتاج التمر .
- ننتج 56 % من القصدير و 40 % من الكروم والمنجنيز والفوسفات و 23 % من بوكسيت الألومنيوم من إجمالي إنتاج العالم .
- يمتلك العالم الإسلامي ما يزيد على 375 مليون رأس من الماشية .
- الأرقام تثبت أن العالم الإسلامي يحتل المرتبة الأولى في إنتاج البترول والتمر والقطن والمطاط والثانية من انتاج الزيتون والقمح والثالث في قصب السكر وكثير من المنتجات الأخرى .
- العالم الإسلامي له موقع فريد حيث يكاد لا يوجد خط بحري ولا جوي إلا ويمر عبر العالم الإسلامي .
وفي المقابل :
- نسبة كبيرة جدا من هذا الإنتاج يصدر كمواد خام .
- إجمالي الناتج المحلي 735 مليار دولار في العام مقابل 4.6 تريليون لليابان و 6.6 ترليون دولار لأمريكا.
- إجمالي الصادرات 281 مليار دولار في العام مقابل 513 مليار لأمريكا و 3.9 تريليون دولار لليابان.
- أكثر من 800 مليار دولار أموال معطلة في بنوك الغرب.
- 40 % فقط من الأراضي الصالحة للزراعة تم استغلالها.
- مردود الكيلومتر المربع من الأرض الزراعية في بعض الدول العربية (70 ) طناً.. بينما مثيله في الدانمرك يصل مردوده إلى (300) طن وفي فرنسا (200) طن.
- حصة الفرد في أمريكا من ميزانية البحث العلمي 700 دولار وفي دولة الكيان الصهيوني 250 دولار وفي العالم العربي 6 دولار.
- نسب الفقر والأمية وانتشار الأمراض عالية جدا .
- جل العالم الإسلامي يصنف في العالم الثالث أو قل العالم المتخلف .
- الحرية والتعبير عن الرأي ليست من خصائص العالم الإسلامي .
- تزوير الإرادة والتبعية والفساد من أهم خصائص عالمنا الإسلامي .
- بعض دولنا ما زالت تحت الاحتلال الأجنبي المباشر .
- وكثير من الأمور الأخرى ...
القائمة تطول ولا أريد أن أزيد في هذا الأمر فحال الأمة لا يخفى على ذي عينين .
- أما حال غيرنا معنا فحدث ولا حرج فجل دول العالم الآن لا تتورع عن إيذاء أمتنا أو توجيه الضربات لها فهذا ساركوزي يدور يملي علينا أفكاره النووية والمتوسطية وبعده بوش يجيء إلينا كأعتى امبراطور روماني محتفل منتشي رافعا رأسه علينا وياليته ينظر إلى خيبته هنا وهناك . ومن أوربا يأتي لنا سافل وضيع يسب نبينا ويتهم ديننا .
- وفي غزة وما أدراك ما غزة ؟ حصار قاتل مميت ، قتل وتدمير لكل شيء ، ونحن متفرجون ؟ أتصدق هذا ياأخي بل نحن مشاركون في لحصار ، هذا هو واقعنا .
- ولأمتنا قصة طويلة تبدأ من يوم ما بدأت الفتوح ونحن نرى تلك الصفوة المؤمنة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، المندفعة بعد موته لإتمام مهمته في نشر الدين بأروع الاندفاع ، المنتشرة مثل شعاع الشمس ، تفتح البلاد ، وتحطم الطواغيت ، وتقود الناس إلى الجنة . فما إن أتت السنوات الأخيرة من القرن الأول حتى كان نوع بطر قد سرى إلى جيل جديد ممن خلف أولئك الأفذاذ ، فلانت له نفوس ، وضعفت عزائم كانت أولى أن تواصل تحطيم بقية الطواغيت . ويهيء الله للأمة عمر بن عبد العزيز رحمه الله بما حباه من روح عالية ، فيرى من مجرد ذاك البطر القليل والقعود دلالة انحراف عن الحق ويستعظم أن تكون أمة الجهاد قد خف اندفاعها فيقول حزينا ( إني أعالج أمرا لا يعين عليه إلا الله ، فقد فني عليه الكبير ، وكبر عليه الصغير ، وفصح عليه الأعجمي ، وهاجر عليه الأعرابي ، حتى حسبوه دينا لا يرون الحق غيره) . كلمة قالها عمر في حزن عميق مع أنه يستلم قيادة أمة تسود الأمم ، وتفيض بمعاني الخير ، وتحكم نفسها عموما بشرع الله . إنه استكبار واستعظام المؤمن لصغار المعاصي وقليل البدع وهين الظلم وأوليات الترف . وإنها نفس المؤمن في حساسيتها البالغة إزاء معاني العدل والظلم والاتباع والابتداع والبذل والدعة .
- ومضت من بعد عمر قرون و أجيال ، نصر الإسلام في حقب منها أبطال من القادة و المصلحين ، وسادت الغفلة في حقب أخرى ، حتى رأينا الأمة في يومها هذا وقد أنهكتها خطط اليهود ودول الكفر ، وسلبتها خيرها ، بما أضعفته من إيمانها ، وبدلته من موازينها ، وبما أقصته من حكم قرآنها ، وما فرضته وربت عليه ذراري المسلمين من تصورات مغايرة للإسلام تكسبها مختلف الأسماء وتلبسها متعددة الثياب . فإن كان في قلب المرء بقية من إيمان ، وأثارة من غيرة ، يأبى معها التنصل من دينه : صرعوه بالتزوير وخدعوه بالتمويه ، فيجعلونه أسير ساسة ومستشرقين وأدباء لا فقه لهم ، يتشبثون بنصوص عامة وربما من الحديث الموضوع لتخريج نظم السياسة والاقتصاد تخريجا اسلاميا دون أي ضابط من أصول الفقه أو الاجتهاد .
- فمحنة المسلمين اليوم لا تقتصر على نظم حكم ظالمة فحسب ، بل تعدت إلى تربية سخرت المناهج الدراسية وكراسي الجامعات والصحف والإذاعات لمسخ الأفكار والقيم . إن عصاة المسلمين اليوم ضحية تربية أخلدتهم إلى الأرض ، أرادت لهم الفسوق ابتداءا، لتستخف بهم الحكومات انتهاءا ، وإنها لخطة قديمة يأخذها طاغوت لاحق عن طاغوت سابق حتى تصل أصولها إلى فرعون وذلك كما يقول الله تعالى ( فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين ) وما كان فرعون بقادر على أن يستخف قومه فيطيعوه لو لم يكونوا قوما فاسقين عن دين الله ، فالمؤمن بالله لا يستخفه طاغوت ولا يمكن أن يطيع له أمرا . وهكذا أدركوا المقتل الذي عرفه فرعون ، فتواصوا بالإفساد وأخذوا يحولون المجتمعات إلى فتات غارق في وحل الجنس والفاحشة والفجور ، مشغول بلقمة العيش التي لا يجدها إلا بالكد والعسر والجهد ، كي لا يفيق ، بعد اللقمة والجنس ، ليستمع إلى هدى أو يفيء إلى دين .
- وصارت تلك سياستهم : سياسة محاربة المساجد بالمراقص ، ومحاربة الزوجات بالمومسات ، ومحاربة العقائد بأساتذة حرية الفكر ، ومحاربة فنون القوة بفنون اللذة . وهكذا تحول بهذه التربية ذلك الصقر الإسلامي إلى مثل طائر الحجل في وداعته .
- وكان من تمام ما يلزمه هذا الترويض أن يستبد بالتوجيه التربوي والإذاعي والصحافي أدعياء العلم والشعر والثقافة والحكمة الذين طفقوا يزينون للجيل الجديد ، سليل المجاهدين وشبل الأسود ، أن يكون رقيقا للشهوات والجنس ، وبدأوا يمحون تراث الأمة التي نهضت به ويطمسون قصص العلماء حذرا من أن تكون نبراسا للجيل يستدل بها على طريق العمل .
- وقد كان .. محيت قصص أسود الإسلام من العلماء والزهاد والمجاهدين من تاريخ القرون الفاضلة الأولى لهذه الأمة المجاهدة ، وأنتجت خطط التربية ذاك الظبي الجفول الذي لم يعد يقتحم واستبدل العزم بالتفلت والمسارعة إلى الهرب . إنهم هذا الجيل من أبناء المسلمين ، شبل أسد تحول إلى ظبي وديع وحر استرقوه ففرح.
- ومرت الخطة وبدأوا في المرحلة الثانية وهي مرحلة التحول السريع ..
هذا أخي هو وضع الأمة وهذه هي قصتها كما ذُكرت في المنطلق .
أخي الحبيب معذرة فقد أطلت عليك ولكن أستأذنك وأستميحك عذرا أن أكمل حديثي معك في رسالة قادمة أكمل فيها حديثي معك و أبث لك ما أحمله من هم هذه الأمة الذي أرقني ولك مني أرق تحية .
جمال سيــــد الأهل
Gakgak11@hotmail.com

الثلاثاء، ٢٠ مايو ٢٠٠٨

التجديد ضرورة - 6

الحمد لله الذي أنعم علينا بنعمة الإسلام والحمد لله الذي أنعم علينا بنعمة الإيمان ، الإيمان بكل ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم . فقد أخبرنا صلى الله عليه وسلم أن الله حافظ دينه وأن الله ناصر دينه وهناك أحاديث كثيرة تحمل البشرى بعودة الإسلام إلى واجهة الحياة وأننا الأمة التي سترث هذه الأرض ونحن على يقين أن هذه الأحاديث ستتحقق كما أخبرنا بها الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ولكن هذه الأحاديث تحمل في طياتها تكليفا واستنهاضا لهمم المسلمين بوجوب السعي والعمل لتحقيق النصر لدين الله وإعلاء رايته وإعلاء راية الأمة وإثبات الحق في الأرض.
وعلى ضوء ما تقدم في الأجزاء الخمسة في موضوع ( التجديد ضرورة) أسجل هنا نقاط محدودة ومختصرة وهي رسائل موجهة لكل عامل مجتهد يريد ان ينصر دينه ويعلي من شأن أمته ويريد أن يضع نفسه في موقع الشرفاء المجددين :
- إن الله سبحانه وتعالى سيحفظ دينه حفظا دائما وسيبقيه خالدا منتصرا أبدا حتى قيام الساعة .
- إن حفظ الدين وبقاء الأمة يتم عبر علماء ربانيين ومجددين مخلصين يبعثهم الله ليحموا الدين ويجددوا ما اندرس من معالمه ويبتكروا وسائل جديدة تساعد في نشر الدين وكذلك يعملوا دائما على رقي الأمة ورفعتها في جميع المجالات الفكرية والعلمية ويعملوا لتحقيق الريادة لهذه الأمة.
- المجدد القائم على عملية التجديد لا يهمه أن يعترف الناس به كمجدد أو ينكروه ولا يضيره ذلك أبدا لأن عمله التجديدي لابد أن يكون خالصا لوجه الله ولأنه يعمل هذا العمل متجردا لله لا يهمه منصب دنيوي ولكنها نية خالصة لله سبحانه وتعالى وعمل مقبول بإذن الله وجنة عرضها السماء والأرض أجر من الله سبحانه وتعالى وذلك عطاء الله يعطيه من يشاء بغير حساب.
- إن الأفكار والوسائل المبتكرة والجديدة لن تعمل ولن تنتج إلا إذا حملها صاحبها وخاض بها غمار الميدان ، فلا تجعل أفكارك حبيسة الأوراق ولكن احملها وانزل بها إلى ميدان العمل ولا تجلس في مقاعد المتفرجين ولا تكن مع القاعدين ولا تترك الميدان أبدا.
- إن تكاثر قوى الشر وتعاظم أهل الباطل وإقبال الكفر وإدبار الإسلام كل هذه الأمور لا تثنينا عن العمل والبذل والعطاء ، ولا تضع في نفوسنا القنوط واليأس وذلك لعلمنا أن نور الإسلام سيسطع قريبا إن شاء الله .
- إن الجهود التي نبذلها في طريق الإصلاح والتجديد هي جهود مثمرة بإذن الله ولو بعد حين فلا داعي أبدا للخوف من العقبات ولا داعي أبدا لليأس ولنتحلى بسلاح الصبر وليكن شعارنا دائما الأمل في مستقبل أفضل بإذن الله .
- إن المجدد يعيش هم أمته ولهذا فهو يصل الليل بالنهار لينقذ الأمة ويعيد لها ثقتها ويردها إلى المنهج الصحيح ، صابرا على العقبات مغالبا للمشقات حتى يصل بإذن الله إلى رفعة الأمة وإعادة المجد لها.
- ذهب العلماء إلى أن من يقوم بالتجديد في زمان ما ربما يكون فردا واحدا أو جماعة من الناس وقالوا أنه يجوز أن يكونوا في فروع مختلفة من العلوم أو الفنون وذلك حتى يعم النفع على الأمة ويجوز أيضا اجتماعهم في قطر واحد أو أن يكونوا متفرقين في الأرض.
- يجب على المجدد أن يتصف بالصدق والأمانة والإنصاف وتحري الحق وأن يتمثل الإسلام في واقع حياته لأن الناس سوف يجعلونه محل قدوة لهم.
- إن المجدد يعلم جيدا قيمة الوقت وأن الوقت هو أغلى مورد وذلك لأن الوقت لا يتجدد ولا يتوقف بل ولا يرجع إلى الوراء فعلى المجدد أن يحسن تخطيط وقته ولا يضيع كثيرا من وقته في الجدل أو الأشياء التي تعطله عن فكره بل لابد أن يكون عمليا دائما.
- أن يربي المجدد نفسه على التنظيم والتخطيط الدائم سواء في أمور حياته الشخصية أو حياته العملية ، ولنعلم جميعا أنه لم يعد هناك مكان للفوضويين وأن الذين لا يحسنون التخطيط والتنظيم لا يمكن أن يصلوا إلى قيادة العالم ولا حتى قيادة قرية صغيرة.
- إن المجدد لابد أن يكون بعيدا عن سفاسف الأمور وأن يعود نفسه أن يكون دائما في القمة سواء في العبادات أو المعاملات وأن يكون مثالا حسنا لما يحمل من أفكار وأن يعلم من حوله هذه المبادئ .
- على المجدد دائما أن يحسن توظيف المواهب والحواس التي وهبها الله عز وجل له ، وعلى رأسها العقل فموهبة التفكير والتحليل واستخراج الأفكار والرؤى الجديدة موهبة عظيمة وشرف لكل من يحملها وهي موهبة ترفع من شأن صاحبها ، فعلى المجدد دائما استغلال هذه الموهبة في رفعة شأن الأمة وعليه دائما أن ينمي هذه الموهبة بالدورات العلمية الضرورية وكذلك عليه أن يعلم أن هذه المواهب محدودة بمعنى أنه من الممكن فقدها في أي وقت فليعجل باستخدامها ويكون أكثر إنتاجية في الاتجاه الصحيح ولا يعطل هذه المواهب أبدا.
- على المجدد أن يقرأ دائما عن سنن الله في الحياه وأن النصر لا يأتي مع الكسل أو مع النوم وأن العمل فقط هو طريق التقدم والرقي وجني الثمرات ، ولنعلم جميعا أن سنن الله لا تحابي أحدا وأننا ليس عندنا من الله إذن بخرق سننه فالماء عندنا يغرق الذي ينزل فيه ولكن موسى عليه السلام لم يغرق لأنه كان عنده إذن من الله والنار عندنا تحرق ولكنها لم تحرق إبراهيم لأنه كان عنده إذن من الله وهكذا ، لابد أن نعلم سنن الله في خلقه ونعيش واقعنا ولا نخرج عن هذه السنن أبدا.
- على المجدد أن يكون قلبه حيا وعقله يقظا ، أي يكون قلبه حيا بذكر الله الدائم وعقله يقظا بالتفكر الدائم في خلق الله وشئون الأمة ولنعلم جميعا أن ( في القلب شعث لا يلمه إلا الإقبال على الله وفيه وحشة لا يزيلها إلا الأنس به وفيه حزن لا يذهبه إلا السرور بمعرفته وصدق معاملته وفيه قلق لا يسكنه إلا الفرار إليه وفيه فاقة لا يسده إلا محبته والإنابة إليه ودوام ذكره وصدق الإخلاص له ولو أعطي الدنيا وما فيها لم تسد تلك الفاقة أبدا) من كلام ابن القيم .
- على المجدد أن يعلم أن المشكلات التي تواجهه هي فرص جديدة لإثبات حسن تفكيره والمشكلة فرصه لا تضيع لإعادة التفكير وإعادة صياغة الأمور في شكل أفضل ولنعلم أنه لا مكان لليأس عندنا فالتفاؤل والنظرة الإيجابية للمستقبل هو خلق دائم عندنا.
- على المجدد أن تكون أهدافه واضحة في كل شيء ، فهدفه في الحياة واضح وهدفه في دراسته واضح وهدفه من قراءاته واضح وهكذا لا يعمل شيء بدون هدف أو توجه وإلا يكون الفشل الدائم ، فعدم وضوح الأهداف صفة قبيحة وهي ليست من صفات المجددين .
- على المجدد أن يتصف بالمغامرة والإقدام في الفكر والعمل والعاطفة ولا يكون مقلدا لغيره إلا في خير وأن يكون بعيدا عن التردد والاضطراب فهي ليست من صفات المجدد وان يكون جريئا في الحق وأن يحسن عرض فكرته حتى يتبناها الآخرون.
- على المجدد أن يكون مرنا في تفكيره وفي سلوكه ( فيما لا يخرج عن مبادي الشرع) وأن يتأقلم مع المستجدات وذلك من خلال إعادة تقليب الأمور ومحاولة دراسة الفكرة من وجهات نظر مختلفة ومن زوايا أخرى غير التي يراها وأن يكون منفتح الذهن لأنه بذلك يضع أمامه احتمالات كثيرة ومفيدة للأفكار التي يتبناها وذلك يتيح دائما فرصا أكبر للوصول للأهداف ، فتعدد الآراء يثري العمل وهذا يلزمه مرونه واسعه ، ولننظر إلى موقف الرسول صلى الله عليه وسلم في بدر أو في الخندق .
في الحقيقة إن موضوع التجديد موضوع مهم جدا وضروري لهذه المرحلة التي نعيشها وتعيشها الأمة والكلام فيه مشوق وكثير وقد حاولت أن أطرح في هذه المقالات بعض الأفكار في موضوع التجديد ولكن الباب مفتوح لكل صاحب فكر أو رأي ليدلي فيه بدلوه والأمة في أمس الحاجة لأفكار ورؤى جديدة فقد قلنا أننا نمتلك مقومات التقدم والرقي وأن تاريخنا مليئ بالمجددين وأن حاضرنا أيضا به من المبشرات والإضاءات الكثيرة التي لا ينكرها إلا جاهل أو حاقد ولكن كل ما نريده هو إعادة صياغة طريقة التفكير التي نفكر بها وألا يشغلنا حبنا لأصحاب السبق أن ننقد أفكارهم وأن نأتي بأفكار جديدة تصلح للعصر وتصلح للنقلة الحضارية التي تنتظرنا قريبا بإذن الله ، أرجو من إخواني الذين قرأوا هذه المقالات أن يغفروا لي ذلاتي وأرجو منهم ألا يبخلوا علي بالنصح وأرجو من الله القبول والمغفرة.

الخميس، ١٥ مايو ٢٠٠٨

التجديد ضرورة - 5

إن الناظر إلى تاريخ أمتنا الإسلامية سيجد انه مليء بالمبدعين والمجددين وسيجد أن هؤلاء كثر لدرجة أنه لا يمكن أن نحصيهم في مقال أو كتاب واحد . ولا يمكن ربطهم بعصر معين أو جيل معين بل إن جميع العصور التي مرت بها الأمه كان بها مبدعين ومجددين . وفي كثير من الأحيان كنت تجد في العصر الواحد مبدعين ومجددين في جميع المجالات فهذا يبدع ويجدد في الفقه وهذا في الحديث وهذا في الكيمياء وهذا في الأدب وهكذا في جميع العلوم التي تعود على البشرية بالنفع ، ولذلك فإننا لا نبالغ إذا قلنا أن فضل المسلمين على العالم لا يسبقه فضل وأن سبقهم في العلوم جميعا جعل من الأرض مكانا صالحا للحياه فالباحث في العلوم الإنسانية عن فن الذوق والأدب سيجده نابعا من المسلمين ، والباحث عن بدايات العلوم مع العلم أن الصعب دائما هي البدايات سيجد أن بدايات كثير من العلوم كانت من عند المسلمين . ولذلك عندما فكرت في اختيار أحد المجددين لأجعله مثالا لفكر التجديد الذي أكتب فيه الآن كان الأمر غاية في الصعوبة وكأنك تبحث عن وردة في وسط حديقة غناء فالحديقة مليئة بالورود الجميلة الشكل والرائحة ولقد تعجبت كل العجب من أمرين : الأول أننا كمسلمين لا نعرف عن كثير من هؤلاء المبدعين المجددين أي شيء وقد تم تغييبنا عنهم وتغيبهم عنا قصدا وعمدا حتى لا نرتبط بهم ولا نعرف أننا أصحاب حضارة وأصحاب تاريخ ممتد في رقي البشرية . والأمر الثاني أن الغرب يصفنا دائما بأننا ليس لنا عقول وأننا أمة من الهمج وأن الحضارة خلقت لهم فقط وأننا ليس لنا إلا الخيم والصحراء وأن التخلف تابع أساسي في شخصيتنا . وللأسف الشديد هناك من بني جلدتنا ممن يروجون لهذا .
ولكن كان لابد من اختيار شخصية مجددة لكي نرى كيف كان يفكر المسلم وكيف يمكن أن يفكر المسلم وهل العوائق التي تحدثنا عنها في المقال الماضي سوف توقفنا . سوف نعيش مع شخصية جددت الدين في زمانها . وسأترك الكلام للمحدثين والعلماء عن هذه الشخصية التي أسأل الله أن نحتذي بها واسأل الله أن يجمعنا به في الجنة .
هذا المجدد هو عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين :
- أجمع العلماء والمؤرخين والمهتمين بالحركة التجديدية على أن الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز هو المجدد الأول في الإسلام فقد جاء في كتاب سيرة ومناقب عمر بن عبد العزيز لابن الجوزي ص 74( قال الإمام أحمد : يروى في الحديث إن الله يبعث على رأس كل مائة عام من يجدد لهذه الأمة ديناها فنظرنا في المائة الأولى فإذا هو عمر بن عبد العزيز). ويقوا بن حجر العسقلاني في فتح الباري (إن اجتماع الصفات المحتاج إلى تجديدها لا ينحصر في نوع من أنواع الخير ولا يلزم أن جميع خصال الخير كلها في شخص واحد ، إلا أن يدعى ذلك في عمر بن عبد العزيز ، فإنه كان القائم بالأمر على رأس المائة الأولى باتصافه بجميع صفات الخير وتقدمه لها ).
- جاء عمر بن عبد العزيز إلى الحكم وكانت أنوار النبوة لازالت ذات أثر بالغ في الحياه العامة للناس وكان الدين مازال صاحب السلطان الأول في قلوب الناس ولكن كانت الخلافة الإسلامية فيها تغير وانقلاب فقد كان هناك انحراف شديد في نظام الحكم وهذا الانحراف نتج عنه ظلم وفساد كبير . ولهذا فإن الأعمال التجديدية الذي قام بها والجهود التي بذلها من أجل استئناف الحياة الإسلامية وإعادة نقائها وصفائها كما كانت ، هذه الأعمال تجعله على رأس المجددين حتى يومنا هذا .
- إن الخلافة الراشدة التي أسسها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبعه عليها من بعده الخلفاء الراشدين المهدين قامت على عدة مبادئ وأسس أهمها الشورى والعدل والأمانة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهذه الأسس ظلت قائمة في أعلى مستوياتها في أيام الخلفاء الأربعة وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال ( الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكا ) رواه أبو داود . وقد انتهت هذه الخلافة في ربيع الأول عام 41 هـ وبدأت خلافة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وتبدأ طريقة أخرى في الحكم وهو الملك ويقول بن كثير عن معاوية بن ابي سفيان رضي الله عنه أنه أفضل ملوك الإسلام وخيرهم .
- بدأت المبادئ التي قامت عليها الخلافة تنهار الواحدة تلو الأخرى ونتج عن انهيارها ظلم عظيم وتضييع للحق والعدل وتضييع للأمانة وتولية غيرالأكفاء في مناصب الدولة ولم يعد هناك حسن تصرف في المال العام وفقدت الشورى وسادت ثقافة الرأي الواحد ، ثم جاء الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز ولن نستطيع في هذه العجالة أن نسرد حياة عمر بن عبد العزيز أو كل ما قام به من عمليات تجديدة ولكن سنحاول الإلمام بما قام به من عمل إصلاحي وتجديدي لهذه الأمة .
- كان ملوك الأمويين يورثون حكمهم وهذه الصورة تخالف مبدأ الشورى أحد المبادئ التي قامت عليها الخلافة ولذلك حينما قُرِأَ كتاب سليمان بن عبد الملك وفيه توريث الملك من سليمان إلى عمر بن عبد العزيز أسف عمر لهذا وقام متباطئا وقام إليه الناس فذهبوا به إلى المنبر فقام وحمد الله وأثنى عليه ثم قال ( ياأيها لناس إني قد ابتليت بهذا الأمر من غير رأي كان مني فيه ، ولا طلبة له ، ولا مشورة من المسلمين ، وإني قد خلعت ما في أعناقكم من بيعتي فاختاروا لأنفسكم ، فصاح الناس صيحة واحدة: قد اخترناك ياأمير المؤمنين ورضينا بك فلِ أمرنا باليمن والبركة) . فكان هذا أول عمل تجديدي لعمر إذ أعفى الناس من الملك العضوض ورد الأمر إلى الأمة ولم يجبرهم على القبول بشيء لم يختاروه. وقد كان يريد أن لا تنتقل الخلافة من بعده إلا من شخص كفئ لها ولو كان من غير بني أمية فقال رحمه الله ( لو كان لي من الأمر شيء ما عدوت القاسم بن محمد وصاحب الأعوض إسماعيل بن عمرو بن سعيد بن العاص) . وقد شجع عمر الناس على الجرأة في قول الحق وإسداء النصيحة فقال ( من صحبني منكم فليصحبني بخمس خصال : يدلني من العدل إلى ما لا أهتدي له ، ويكون لي على الخير عونا ، ويبلغني حاجة من لا يستطيع إبلاغها ، ولا يغتاب عندي أحدا ، ويؤدي الأمانة التي حملها مني ومن الناس ، فإذا كان كذلك فحي هلا به ، وإلا فهو خرج من صحبتي والدخول علي).
- جعل عمر بن عبد العزيز خلافته حجة تاريخية لإمكانية إقامة نظام إقتصادي دون ربا وبرهانا على أن الاحتكام للشريعة الربانية يكفل السعادة للناس في الدنيا والآخرة ويمكن تلخيص ذلك في النقاط التالية :
1- استشعر عمر بن عبد العزيز عظم المسئولية منذ اللحظة الأولى لاستلامه الخلافة وكان يقول ( لست بخير من أحد منكم ، ولكني أثقلكم حملا ) وكان يقول أيضا ( إني أخاف فيما ابتليت به حسابا شديدا ، ومسألة غليظة إلا ما عافى الله ورحم ).
2- كان يطالب عماله باختيار أصحاب الكفاءة والدين فيما يولونه شأنا من شئون المسلمين وقد كتب لأحد عماله : ( لا تولين شيئا من أمر المسلمين إلا المعروف والنصيحة لهم ، والتوفير عليهم ، وآداء الأمانة فيما استرعى).
3- لم يحابي أحد من عائلته أو أسرته الحاكمة وكان يقول لهم :( ما أنتم وأقصى رجل من المسلمين عندي في هذا الأمر إلا سواء ) .
4- كان زاهدا متورعا عن أموال المسلمين وقد ظهر هذا من أول يوم في خلافته وعندما أتي له بمراكب الخلافة قال : ما هذا ؟ قالوا : مركب الخلافة ، قال دابتي أوفق لي ، وركب دابته ، ثم فيل له : منزل الخلافة ، فقال فيه عيال أبي ايوب ، وفي فسطاطي كفاية حتى يتحولوا ، فأقام في منزله .
5- انخفض دخل عمر السنوي من خمسين الف دينار إلى مائتي دينار وكانت نفقته كل يوم درهمين ، وكان يخطب أحيانا وقميصه مرقع ، وقد قيل له : ( تركت ولد ليس لهم مال ولم تؤوهم إلى أحد ، فقال : ما كنت لأعطيهم ما ليس لهم ، وما كنت لآخذ منهم حقا هو لهم ، وإن وليي الله فيهم الذي يتولى الصالحين ، إنما هم أحد رجلين ، صالح أو فاسق) .
6- ألزم عماله التورع عن أموال المسلمين فقد كتب لأحد عماله ( أن أدق قلمك ، وقارب بين أسطرك ، فإني أكره أن أخرج من أموال المسلمين ما لا ينتفعون به ) .
7- عمل على انتزاع الأموال التي أخذها بنو أمية بغير حق وأرجعها لبيت مال المسلمين.
8- ساس الرعية سياسة رحيمة وأمن لهم العيش الرغيد وكفاهم مذلة السؤال فقسم فضول العطاء في أهل الحاجات وأعطى فقراء البصرة ثلاثة دراهم لكل إنسان وطلب من عماله أن يجهزوا من يريد الحج وأمر عماله بعمل خانات (دور ضيافة) للمسافر والمنقطع ليقيم فيها مجانا مع الطعام والشراب وكان يأمرهم أن يعالجوا دابة المسافر مجانا .
9- عز في زمنه من يقبل الزكاة وكانت عنده حرمة المسليمن فوق كل شيء.
10- ألغى الضرائب التي كانت فرضتها الحكومات السابقة .
11- أطلق حرية التجارة في البر والبحر .
- كان عمر محبا لرعيته عادلا فيهم ولم يكن جبارا يستعبدهم فقد استأذنه أحد عماله(عدي بن أرطأة أمير من دمشق) أن يمس المتهمين بشيء من التعذيب حتى يعترفوا فكتب له : ( العجب كل العجب من استئذانك إياي في عذاب بشر ، كأني لك جُنة من عذاب الله ، وكأن رضائي عنك ينجيك من سخط الله عز وجل ، فانظر من قامت عليه بينة عدول ، فخذه بما قامت عليه من البينة ، ومن أقر لك بشيء فخذه بما أقر به ، ومن أنكر فاستحلفه بالله العظيم ، وخل سبيله ، وأيم الله ، لأن يلقوا الله عز وجل بخيانتهم أحب إلى من أن ألقى الله بدمائهم). وكتب للجراح بن الحكمي أمير خراسان : ( يابن أم الجراح : لا تضربن مؤمنا ولا معاهدا سوطا إلا في حق ، واحذر القصاص فإنك صائر إلى من يعلم خائة الأعين وما تخفي الصدور ، وتقرأ كتابا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ) . بل إن هذا العدل كان يشمل أهل الذمة فقد كتب إلى عماله ( لا تهدموا كنيسة ولا بيعة ولا بيت نار صولحتم عليه) . وقد كان يقول دائما لمسشتاريه : ( إن رأيتم أحدا يتعدى ، أو بلغكم عن عامل ظلامة ، فأحرج بالله على من بلغه ذلك إلا أبلغني).
- ومن أجل الأعمال التي خدم بها عمر بن عبد العزيز الدين أنه أمر بتدوين العلوم الإسلامية وخاصة علم الحديث فقد أصدر أمره لأبي بكر محمد بن حزم قائلا :( انظر ما كان عليه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجمعوه) . وكذلك أجرى للذين تفرغوا لتعليم العلم وتعلمه ما يكفيهم فقد كتب لعماله :( انظر إلى الذين نصبوا أنفسهم للفقه ، وحبسوها في المسجد عن طلب الدنيا ، فأعط كل رجل منهم مائة دينار ، يستعينون بها على ما هم عليه من بيت مال المسلمين ، حين يأتيك كتابي هذا).
- كانت خطب عمر بن عبد العزيز ومواعظه مؤثرة وصادقة وتدل على إيمانا قويا ومراقبة جلية وخوفا من الله عز وجل وقد أثرت شخصية عمر وسياسته العادلة تأثيرا بليغا في حياة العامة وميولهم وأذواقهم ورغباتهم فقد ذكر الطبري مقارنة بين عهد عمر وعهود أخرى قائلا : ( كان الوليد صاحب بناء واتخذ المصانع والضياع ، وكان الناس يلتقون في زمانه فإنما يسأل بعضهم بعضا عن البناء والمصانع ، فولي سليمان فكان صاحب نكاح وطعام ، فكان الناس يسأل بعضهم بعضا عن التزويج والجواري ، فلما ولي عمر بن عبد العزيز كانوا يلتقون فيقول الرجل للرجل : ما ورائك الليله؟ وكم تحفظ من القرآن؟ ومتى تختم ومتى ختمت؟ وما تصوم من الشهر؟)
- بقي أن نقول أنه أسلم على يديه الكثير من الناس ومن الملوك وكان داعيا لدينه محبا له مهتما به وقد اهتم اهتماما شديدا بداينة الناس وأخلاقهم وكتب لعماله قائلا : ( اجتنبوا الأشغال عند حضور الصلوات ، فمن أضاعها فهو لما سواها من شرائع الإسلام أشد تضييعا).
- كان بود عمر أن لا تنتقل الخلافة من بعده بنفس طريقة توريث الملك فقد ذكر الطبري أن رجلين من الخوارج دخلا على عمر فقالا له:( أخبرنا عن يزيد لمَ تقره خليفة بعدك؟ قال : صيره غيري ، قالا أفرأيت لو وليت مالا لغيرك ثم وكلته إلى غير مأمون عليه ، أتراك كنت أديت الأمانة إلى من ائتمنك ؟ قال : أنظراني ثلاثا ، فخرجا من عنده ، وخاف بنو مروان أن يخرج ما عندهم وفي أيديهم من الأموال ، وأن يخلع يزيد ، فدسوا إليه من سقاه سما فلم يلبث بعد خروجهم من عنده إلا ثلاثا حتى مات). رحمه الله ورضي الله عنه.
- بقي عمر على رأس الخلافة مدة سنيتن وخمسة أشهر ومات سنة 101 هـ رحمه الله ورضي الله عنه. أسأل اله أن يرزقنا قائدا ربانيا كعمر بن عبد العزيز .

الثلاثاء، ٦ مايو ٢٠٠٨

التجديد ضرورة - 4

لا أدري لماذا يتحسس كثير من الناس من مصطلح التجديد وتجدهم عند سماع كلمة التجديد تدور أعينهم في رؤوسهم وكأن السقف سوف يقع على الرؤوس ، ولكن الواقع غير ذلك فمن يقرأ المقال الثاني من هذه السلسلة يعرف أن الهدم ليس من تعريفات التجديد وأن التجديد بناء وعمل وتقدم ورقي وفي نهاية الطريق جني ثمار وتحقيق أهداف.
ولكن هذا هو حال الأفكار الجديدة ، إما اتفاق معها وتبني لها أو اختلاف معها ومحاولة طمسها ثم قتلها ، ونرى دائما صراع قائم بين القديم والجديد ، فالقديم هو المألوف أما الجديد فهو كائن غريب ولكنه يحتاج إلى وقت وجهد وعرق ودم حتى يثبت نفسه وحتى نعرفه ثم نثق به .
ولأن تقييم الجديد يقوم على موازين قائمة وأعراف سائدة ولأن عملية التقييم تتوقف على درجة الرقي لمن سيقومون بها ، فعلى من يأتي بأفكار أو وسائل جديدة أن يعرف ذلك وأن يتسلح بسلاح الصبر قبل كل شيء وان يتسلح أيضا بالعلم والمعرفة التي تعينه على إقناع الآخرين بفكرته .
ولكننا نرى أن هناك معوقات تحول دائما دون نشر مصطلح فكر التجديد وسنحاول هنا ذكر بعض هذه المعوقات علنا نستطيع أن نتداركها أو أن نحاول التقليل من أثرها على الأمة وعلى من يعيشون على تراب هذه البلاد التي ابتليت بهذه العوائق وأنا هنا لا أدعي أنني ذكرت كل المعوقات ولكنها محاولة مني لعلها تكتمل بجهد أحد المخلصين ونسأل الله أن يخرج الأمة من كبوتها .
عوائق التجديد :
1- اليأس :
كل إنسان منا يعيش حلما داخليا يتمنى تحقيقه يوما ما ، وتختلف هذه الأحلام من شخص لآخر فالبعض أقصى أمنياته بيت صغير يتزوج ويعيش فيه مع أسرته وحياة هادئة هانئة لا مشاكل فيها ، أما الآخر فيحلم بخلافة إسلامية عظيمة تشمل كل دول العالم الإسلامي ، خلافة تعيد للأمة مجدها وسيرتها الأولى ، خلافة على منهاج النبوة ، خلافة نعيش فيها بأمان لها جيش كبير يحمي الأرض والعرض . وبين هذا وذاك أحلام كثيرة ومختلفة . ولكن لأن تحقيق الأحلام في هذا الزمان يعتبر من المستحيلات وإن تحقق جزء منها فيتحقق بصعوبة بالغة ، نجد أن اليأس هو الإحساس الغالب على كثير من أبناء الأمة ، والإنسان عندنا يائس من حاضره ولا يعلم شيء عن مستقبله ، هذا الإنسان بهذا الوضع لن يبتكر ولن يجدد بل لن يكون إيجابيا في التعاطي مع قضاياه الشخصية او قضايا الأمة .
2- ضعف المستوى الثقافي :
عندما فقد كثير من أبناء أمتنا بل ومن القائمين على عملية الإصلاح في الأمة عندما فقدوا شهية القراءة والتعلم ومطالعة كل جديد ، وعندما نسينا جميعا أننا أمة ( اقرأ ) أول كلمة نزلت من القرآن الكريم ، عندها فقط خيم ظلام الجهل على أمتنا وتراجعنا كثيرا ، وأصبح صعب علينا أن نفهم ما بين أيدينا من الخير ناهيك أن نتعلم ما تنتجه الحضارات الأخرى ، فالضعف الثقافي عائق كبير أمام أن نأتي بجديد أو أن نطور أو نحدث أي فكر أو وسائل تأتي لنا من الغرب أو الشرق.
3- ضعف الثقة بالنفس وقلة الاعتماد على الذات :
إن الإنسان الذي يثق بنفسه ويثق بما يحمل من أفكار هو الذي نبحث عنه ولكن هذا الإنسان نادر في وسط أمتنا ، فالثقة بالنفس والاعتماد على الذات في تنفيذ مشاريعنا أو في مناقشة أفكارنا أصبحت ضعيفة جدا . ولقد سمعت أحد السفراء يتحدث بصفاقة أيام حرب الخليج الأولى بأن الغرب أتى بقواته إلى بلادنا لأننا أمة لا تستطيع أن تأخذ قرارا ولا تستطيع أن تفكر وعليه فلابد للغرب أن يفكر لنا وينفذ لنا لأننا ليس لدينا عقول لنفكر ولا سواعد لننفذ ، هكذا حكموا علينا فكذبوا وأقنعونا بكذبتهم . فأصبحنا لا نثق بقدراتنا وعدم الثقة يترتب عليه الإحباط وعدم الأمان ثم الفشل ، فعدم الثقة بالنفس عائق كبير أما عملية التجديد .
4- ضعف الإيمان :
نسمع كثيرا عبارات ( أحس قسوة في قلبي ) أو عبارات ( أحس أن إيماني ضعيف ) وعبارات أخرى تعبر عن ضعف في الإيمان ، وهناك مظاهر لهذا الضعف ومنها ضيق في الصدر وتغير في المزاج واحتقار للمعروف وعدم الاهتمام بقضايا المسلمين ولا التفاعل معها وعدم استشعار مسئولية العمل لهذا الدين فلا يسعى لنشره ولا يحاول نصرته ، ولكن الظاهرة الأهم والأكبر هي فقدان الثقة في الأمة وفي منهج الأمة وفي العاملين لإنقاذ الأمة وبالتالي فإن ضعف الإيمان هو أكبر العوائق في نشر مصطلح التجديد ، فالمؤمن يثق بإسلامه ويعمل له وينصره ، والمؤمن يثق بالله ويعمل لرضاه ، والذي يعمل لرضا الله يحسن من عمله ويجدد في وسائله حتى يصل إلى أفضل النتائج بإذن الله .
5- تقديس ما لاقدسية له :
إن الأمة تعيش حالة ضعف وهزيمة لم تكن موجودة من قبل ومن أجل هذا تجد كثير من أبناء الأمة يعيشون عالة عليها ، كثير من أبناء الأمة بلا وعي وبلا فكر ولكنهم يقدسون أشخاصا أو يقدسون أفكارا ويضعوهم في مكانة لا يمكن نقدها أو الاقتراب منها . وهذه القدسية للأشخاص أو للأفكار تجعل التجديد أو التطوير في الأمة ضربا من الخيال . وهناك بعض من العاملين المخلصين يقدسون بعض الآراء والأفكار ولا يتحركون عنها ، وهؤلاء عائق أمام تطوير العمل وتحسينه .
6- استخدام الدين أحيانا في تضليل الشعوب :
نرى على ساحة العمل الإسلامي إتجاهات فكرية راشدة وحركات إسلامية وسطية قائمة على إصلاح كثير مما أفسده الآخرون ، ولكن هناك فئات ومجموعات تتخذ من الإسلام شعارا ولكنها تحمل خطابا يفصل الدين عن الواقع وعن العصر الذي نعيشه ، ويقدمون الإسلام للشعوب على أنه دين الآخرة ولا شأن له بالدنيا فتجدهم يحصرون الدين في مظاهر قليلة ، ويبالغون في الكلام عن أهوال الآخرة ووصف النار ، ويحذرون الشعوب من الكلام في السياسة أو التدخل في أمور الحكم بل إن بعضهم يبالغ ويرجو من الحكام أن يبقوا وأن يورثوا أبائهم ويعطوا فتاوي دينية على ذلك . وهذا الأمر وهو الاجتزاء في الدين من العوائق التي تعيق التجديد في الأمة .
7- المناخ العام التي تعيشه الأمة :
نحن نعيش في هذا الزمان في مناخ عجيب فكل يوم نستيقظ على أخبار مفزعة ، وحال فلسطين والعراق والصومال وأفغانستان لا يخفى على أحد ، وكذلك الحالة الاقتصادية السيئة وحالة الفقر والحاجة والانشغال بلقمة العيش ، وحالات الخوف التي تسيطر على كثير من أبناء الأمة ، والإحساس الدائم بالدونية ، ووجود إعلام فاسد وبذيء ، وفساد سياسي واقتصادي وأخلاقي . أمور كثيرة تجعل الكثير ينصرف عن العمل العام وتجعل الكثير لا يفكرون في رفع مستواهم الثقافي والعلمي وتجعلهم لا يمارسون عملية التجديد والتطوير في الأمة .
وسأستعير من الأستاذ يسار محمد (من مقال منشور في مجلة التجديد العربي) بعض العوائق :
1- الأعراف السائدة في المجتمعات الإسلامية :
التفكير الإنساني يستند إلى الموروث الأخلاقي والديني في البيئة التي ينشأ الإنسان فيها ، فيقيس الخير والشر بمقياس المجتمع الذي ينشأ فيه .
وهكذا تشكل الأعراف الاجتماعية السائدة حاجزاً حول العقل الانساني فتجعله لايتقبل أي فكرة مخالفة لهذه الأعراف وإلا تعرض لنقد ونبذ المجتمع له، فالجامدين على الماضي إما تعصباً له مع صدق نياتهم في محبتهم له، او أن مصالحهم الشخصية مرتبطة ببقاء المجتمع على تلك الاعراف والتقاليد .
وأقول لهذا بدأ الإمام البنا رسالة دعوتنا بالمصارحة والبراءة والعاطفة لأنه رحمه الله كان يعلم بأن دعوته جديدة على المجتمع وتتعارض مع بعض الأعراف الموجودة والموروثات السائدة .
2- الحكومات المستبدة:
لكل مجتمع لابد من وجود حكومة تدير شؤونه وتوفر لافراده الخدمات الامنية والصحية والاقتصادية والبلدية والتعليمية وغيرها.. ولكن ما أبعد هذه الحقيقة عن الواقع الذي نعيشه في عالم اليوم، الذي أصبحت الحكومات فيه غنائم صراع لأفراد أو أحزاب تمكنت من قمع المخالفين والمعارضين لها بقوة الحديد والنار، فتحاول السيطرة على المجتمع لابتقديم أفضل الخدمات الصحية والتعليمية والاقتصادية والأمنية له، بل باستخدام أقسى اساليب القمع لإخضاعه لإرادتها ولجعل الشعب يعمل على خدمة وتلبية رغبات حكوماته لا رغباته وأحلامه هو … وهنا تصبح العلاقة بين هذه الحكومات الجائرة المستبدة وشعوبها كعلاقة السادة بالعبيد ، فتعمل هذه الحكومات على كسر الإرادة الشعبية بتحجيم المثقفين فكريا كي لا يكونوا نواة لتنظيم ثوري قد يطيح بها مستقبلا . لذا فالحكومات الفاسدة تعمل على تجهيل المجتمع بتهميش مناهجه الدراسية الفكرية، وبتكسير أقلام مفكريه وبتوجيه الثقافة حسب أهوائها ومصالحها الشخصية ، وأقسى الحكومات هي الحكومات الدكتاتورية . وأقول إن الحكومات المستبدة من أكبر العوائق ضد التجديد .
3- السلطة الاقتصادية الظالمة:
مما هو معروف أن الانسان يبدأ في التفكير بسد حاجاته الأساسية الضرورية لبقائه على قيد الحياة كالغذاء والملبس والمسكن والتطبب من الأمراض، ثم ينتقل إهتمامه الى التعليم ومن ثم الى الثقافة العامة، أما عندما يتم إشغال المجتمع بسد حاجاته الأساسية فإن ذلك يؤدي الى إهدار طاقاته الجسدية والذهنية، وبالتالي يتم تحويل المجتمع الى أداة تقوم بأعمال روتينية يومية لاتضيف الى فكره شيئاً ولا الى وضعه الاقتصادي إلا بقدر إبقائه على قيد الحياة، فيبقى المجتمع بلا هدف مستقبلي يحفزه للتفكير بتغيير وتطوير حاضره، فيصاب بالجمود الفكري نتيجة هذا الاستبداد الاقتصادي المفقر للشعب المجهض لإمكاناته، حيث أن التجديد الفكري يحتاج الى جو يعيش به وإلى رعاية تخصه وإلى إمكانات تحوله الى عمل مادي ملموس. وإلا فإن أي فكر جديد يهمله المجتمع ولايرعاه فإنه يعد كالجسد بلا روح أو كالبذرة في الارض البور وأنى لهذه البذرة ان تنبت وتثمر؟.
لذا فعندما يحصل إختلال في التوازن الاقتصادي بشكل فاحش بالمجتمع، بحيث يجعل من أفراد أثرياء معدودين يسيطرون على جيش من الجياع، فيزدادون ثراء وغنى مع ازدياد فقر وعوز عمالهم، هذا الوضع اللاإنساني المزري يصيب الانسان العامل بالشلل العقلي والتبعية الكلية لرب العمل، فلا يجرؤ على مخالفته أو مناقشته خوفاً على ديمومة رزقه وبهذا تتلاشى شخصيته أمامه، فتغدو العلاقة بين رب العمل والعامل كعلاقة السادة بالعبيد، وهنا يحل التقليد ومتابعة رب العمل (سواء أكان شخص ام حكومة) بشكل أعمى بحيث تكون آراؤه هي آراء عماله بلا نقاش أو نقد منتظر منهم.
لذا فلا حرية فكرية مع فقر مدقع مهين للانسان، فعلى المصلحين ان يسعوا لتحرير الانسان من الاستغلال المفقر للمجتمع بفسح مجالات العمل المتنوعة أمام أفراده ورعايتهم والدفاع عن حقوقهم أمام أرباب الاعمال، مشعرين الإنسان في ذلك المجتمع بشخصيته وبكرامته وبأنه يعيش ويطور وضعه الاقتصادي والثقافي بجهوده، وليس بمكرمة او منة من رب العمل.
إن الاستبداد الاجتماعي أوالسياسي أوالديني أوالاقتصادي، يقف كعائق أمام أي تجديد فكري، وقد ينجح في إعاقته وتحجيمه لفترة من الزمن ولكنه لن يستطيع إيقافه وإلغائه بشكل نهائي، فقد اثبت التاريخ على مر العصور وإختلاف الامكنة بأنه لايمكن محاربة الفكر إلا بالفكر، وهذا هو سر تطور المجتمع الانساني شعوباً وحكومات... فلا الاستعمار نجح في تغيير هوية الشعوب الأصيلة وإحتوائها فكريا باستخدام قوة الحديد والنار ضدها، بل زاد من مقاومتها له الى أن تم طرده من البلاد وتحريرها منه.. ولا إستطاعت الحكومات الجائرة بقمعها لمثقفي الشعب على البقاء، بل ثارت عليها شعوبها وسحقتها جاعلة منها عبرة لمن بعدها من الحكومات الفاسدة … ولم تتمكن الشعوب المتخلفة بعاداتها وتقاليدها البالية من قتل روح التجديد والتطوير في نفوس ابنائها البررة.. لذا يبقى الفكر الانساني هو القوة الحقيقية التي لايمكن أن تقهرها أي قوة.