الخميس، ١٩ يونيو ٢٠٠٨

رسالة إلى أخي الحبيب - 4

( هذه رسالة أذن الله لها أن تكتب وتنشر فقد كتبت نصفها قبل الحادث الذي تعرضت له وقد اراد الله أن أكملها فالحمد لله على كل حال ..)
أخي الحبيب ..
أخي المسلم في كل مكان أتوجه إليك بالجزء الرابع من الرسالة التي أبثها إليك وأكتب فيها كلمات وهي نبضات حب ينبض بها قلبي وهي حديث أوجهه إلى نفسي قبل أن أتوجه به إليك فهو حديث النفس للنفس علنا نتفق ونتعاون حتى نصل بأنفسنا وأهلينا وأمتنا إلى المستوى الذي نصبو إليه .
أخي الحبيب ..
- إن ما أريده منك هو أن تحمل معي هم هذه الأمة وهم هذا الدين ، تحمله وتساعدني على حمله وبل وتدعو الآخرين لحمل هذا الهم الثقيل بل وتسعى معي وتدعوا الجميع للعمل على تقدم ورقي هذه الأمة ونصرة هذا الدين حتى ترتفع راية الحق خفاقة فوق ديارنا جميعا .
- وعندي لك نفحة عطرة من تاريخنا لشاب يافع حمل هم الأمة فنصر الله به الدين وسأنقل لك حوارا عجيبا لشاب في السابعة عشر من عمره فلتقرأ معي :
- في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك خرجت أربع سفن من جزيرة سيلان تحمل نساء مسلمات وعند ساحل مدينة الديبل الهندية هجم قراصنة هنود على السفن وأخذوا النساء المسلمات أسيرات عندهم وبلغ الخبر الحجاج بن يوسف الذي أرسل إلى ملك السند طالبا منه أن يخلص النساء من القراصنة فاعتذر له فغضب الحجاج وأرسل حملتين لتخليص النسوة ولكن القراصنة أبادوا الحملتين فأسرع الحجاج إلى الوليد بن عبد الملك طالبا منه الإذن بتسيير جيش لفتح السند وتأديب القراصنة وتحرير النسوة فأجاب الوليد طلب الحجاج بعد إلحاح شديد منه على ذلك وفي طريق عودته إلى العراق جعل يفكر في قائد يوليه قيادة هذا الجيش وحينما وصل إلى قصره وجد بانتظاره محمد بن القاسم وقد بلغه الخبر فبادره قائلا : مولاي الحجاج لقد علمت بما حدث في الديبل فهلا أرسلتني إلى ثغر السند ؟ . ولم يفهم الحجاج مقصد ابن عمه فرد عليه قائلا : نعم الروح روحك يامحمد إني مسيرك إلى هناك في جيش يقوده أبو الأسود بن جهم . فاقترب محمد بن القاسم من أذنيه قائلا : بلاد الفرس في حاجة إلى قائد عرفها وعرف دروبها مثل أبي الأسود فأبقه هناك . فكر الحجاج قليلا ثم قال : ولكن من يقود الجيوش إذن ؟. فقال محمد بن القاسم في نبرة قوية : أرسلني أنا إلى السند ، آتيك بالمسلمات اللائي خطفن وآخذ بثأر المسلمين . فقال الحجاج مترددا : ولكن سنك الصغير يامحمد لا تؤهلك لقيادة الجيش ، فأنت لم تتجاوز عامك السابع عشر. فقال محمد : اختبر بلائي وصدق عزيمتي هذه المرة يابن العم فقال الحجاج : يعجبني إصرارك وإقدامك لكن . فقاطعه محمد قائلا : والله ياأمير العراق ما أريد المنصب ولا القيادة ، إنما أطلب منك أن تعينني على موتة في سبيل الله ، فاقتنع الحجاج وقال : خذ يابني سيفك وامض مجاهدا وفاتحا على بركة الله . وذهب القائد الشاب وجعل الله على يده النصر وفتح بلاد السند وكان عادلا وتقيا وكريما ومعطائا وكان محبوبا من أهل السند .
- هذه الروح وهذا الشعور الذي تملك هذا الشاب المسلم هو الذي أريده أن يتملكنا جميعا ولسنأل أنفسنا : كيف ننام وأهلنا في كثير من بقاع الأرض لا ينامون وكيف نأكل وأهلنا في بقاع الأرض جوعى وكيف نحس بفرح أو سعادة والكآبة والحزن تخيم على أهلنا هنا وهناك ، هذه ليست دعوة لعدم الفرح أو دعوة لليأس ولكنها نداء يقظة وصرخة مدوية أصرخها لعل أحدنا أو كلنا نفهم ما نحن فيه .
- وكأني بالأمة تنادينا مثل نساء المسلمين اللاتي اختطفهن القراصنة ، وكأني بالأمة تنادي وتقول من لي الآن هل يوجد من أبنائي من يحمل همي ، هل يوجد من أبنائي من يريد نصرتي هل يوجد من أبنائي من هو مثل محمد بن القاسم في مثل همته ورغبته في إنقاذ شرف الأمة ونيل السعادة في الدنيا والآخرة أسأل الله أن اكون أنا وأنت منهم . ولكن هل يكفي هذا الصياح لإنقاذ الأمة ؟ بالطبع لا يكفي . فنحن في حاجة إلى فهم جديد لواقع الأمة ونحن بحاجة إلى عمل ضخم ومستمر دون كلل ولا ملل ، نحن بحاجة إلى أن نتكاتف جميعا كل في مكانه وكل في تخصصه ونتفق على أن نكون إيجابيين في حمل هذا الهم وبالعمل لا بالقول والكلام .
- سأل رجل عمر بن الخطاب رضي الله عنه قائل : أتوشك القرى أن تخرب وهي عامرة ؟ قال عمر : إذا علا فجارها على أبرارها . إذن إن علو الفاجر على البار هو سبب ما نحن فيه الآن فقد علا الفاجر فولى أمثاله . فلا ينفك كل فاجر أن يكون أسير شهواته ثم يكون أسير مصالحه فيظلم ويتعسف فتهدر الطاقات وتتوارى الكفاءات طالبة لنفسها الستر، ستر العرض من الاعتداء والبدن من العذاب وبعدها نجد أنه لا يتصدى للأمة إلا كل جاهل أناني فيعم الاضطراب الاجتماعي ثم الخراب الاقتصادي ثم المدني ثم التخلف العلمي ، وهذا هو وضعنا !!
- ولهذا كان للصحابة رضوان الله عليهم إنكار شديد على من يجلس في بيته متخليا عن مكانه في إصلاح الأمة ومحاربة الباطل فقد قال طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة ( إن أقل عيب للرجل أن يجلس في داره ) هذا عيب أن تجلس في بيتك حتى ولو كنت صالحا مصليا عابدا لله فلا تجلس في بيتك وكن أحد المصلحين في هذا الزمن الذي قل فيه المصلح الناصح الأمين .
- وهذا نداء آخر للنزول إلى الميدان نداء من الشيخ القدوة العارف عبد القادر الكيلاني رحمه الله وكان فقيها ثقة من فقهاء الحنابلة فقد صاح صيحة من صيحات الحق قائلا ( من كملت معرفته لله عز وجل صار دالا عليه ، يصير شبكة يصطاد بها الخلق من بحر الدنيا ، يعطى القوة حتى يهزم إبليس وجنده ، يأخذ الخلق من أيديهم ، يامن اعتزل بزهده مع جهله ، تقدم واسمع ما أقول : يازهاد الأرض تقدموا ، خربوا صوامعكم واقربوا مني ، قد قعدتم في خلواتكم من غير أصل ، ما وقعتم بشيء ، تقدموا ) قالها رحمه الله وهو في شيخوخته وهكذا هو فهم العالم العامل لله ولإصلاح الأمة وإن كلماته قوية تهز القلب فياأخي خرب صومعتك وانطلق وخذ مكانك في مقدمة الصفوف .
- يقول ابن القيم رحمه الله ( الشجاع الشديد الذي يهاب العدو سطوته : وقوفه في الصف ساعة ، وجهاده أعداء الله ، أفضل من الحج والصوم والصدقة والتطوع ، والعالم الذي عرف السنة ، والحلال والحرام ، وطرق الخير والشر : مخالطته للناس وتعليمهم ونصحهم في دينهم أفضل من اعتزاله وتفريغ وقته للصلاة وقراءة القرآن والتسبيح ) وهذه كلمات من ذهب للإمام يدعوك ويدعوني ويدعوا كل المسلمين لفهم صحيح لدينهم بأنه دين حركة ونشاط وليس دين قعود وخلود للراحة .
- وبعد أن فهمنا وعلمنا أنه واجب علينا الوقوف في صف المصلحين من أبناء هذه الأمة أيا كان مكانهم وموقعهم وعدم الركون إلى الراحة بأي حجة فالسؤال الذي يطرح نفسه كيف أكون أنا ناصرا لأمتي وكيف أكون أنا عاملا على إلى إعادة الأمة إلى مسارها الطبيعي في مقدمة الأمم والعمل على إيقاف التدهور الحاصل على كثير من المستويات ولهذا أقترح عليك أخي أن يكون لك في هذه الدنيا مشروع شخصي .
يقول الدكتور عبد الكريم بكار (فكرة المشروع الشخصي ما زالت غريبة عن المجتمعات الإسلامية ولدى معظم الناس، مع أنه قد يكون هو السبيل الأكثر يسراً والأقل تكلفة والأكثر نجاعة والأقل مخاطرة في إنقاذ الأمة من الحالة الحرجة التي صارت إليها في ظل قصور الداخل وضغوطات الخارج.
المشروع الشخصي يعني التزام المرء بإنجاز شيء يكرس له حياته أو جزءًا كبيرًا منها، وهو من أجل إتقانه وأدائه على أفضل وجه مستعد للتنازل عن بعض الرغبات وتفويت بعض المصالح وذوق طعم العناء.
المشروع الشخصي رؤية تتكون من الهدف والطاقة والإمكانية والبعد الزمني، ولا قيمة لتلك الرؤية إذا لم يتم تجسيدها في خطة عملية ومنطقية واضحة ودقيقة، من خلال مشروعنا الشخصي نعثر على الدور الأمثل الذي يمكن أن نؤديه في هذه الحياة، كما أننا نجيب من خلاله عملياً عن الأسئلة التي لا يتم التقدم الحقيقي من غير الجواب عنها.وأهم تلك الأسئلة سؤالان ضاغطان؛ هما:
1- ما الشيء الذي نستطيع أن نفعله الآن لكننا لا نفعله؟
2- ما العمل الذي إن أديناه بطريقة جديدة تكون نتائجه أفضل؟
ومن المهم أن تكون الأهداف التي ننجزها من خلال ذلك المشروع متصلة بالهدف النهائي الذي على كل مسلم أن يسعى إلى بلوغه، وهو الفوز برضوان الله –تعالى-.
سوف تتقدم أمة الإسلام تقدماً باهراً إذا تمكن 5 % من أبنائها من تقديم نماذج راقية في العلم والتربية والأخلاق والسلوك والعلاقات الاجتماعية والإنتاج والإبداع، فالذي يغير معالم الحياة ليس الأفكار والحكم والمقولات - وإن كانت تشكل الأساس لأي ازدهار-؛ وإنما النماذج الراقية التي يتفاعل معها الناس، ويتخذون منها قدوات يقتدون بها.
الأمم الفقيرة ليست تلك التي لا تملك الكثير من الرجال، ولكنها الأمم التي يتلفت أبناؤها يمنة ويسرة، فلا يرون إلا رجالاً من الطراز الثالث أو الرابع، فيحدث ما يشبه الفتنة الثقافية والضياع السلوكي.
من الصعب أن يكون المرء نموذجاً في أمور كثيرة، لكن من الميسور أن يكون عادياً أو فوق العادي قليلاً في جل شؤونه، ويقدم نموذجاً رفيعاً في شأن أو اثنين أو ثلاثة.
إذا نظرنا في سير صفوة الصفوة من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم- لوجدنا أنهم من خلال براعة كل واحد وتفوقه في بعض الأمور تمكنوا من كتابة تاريخ صدر الإسلام، وتأسيس المرجعية الرمزية والشعورية والأخلاقية لأمة الإسلام بطولها وعرضها: هذا يقدم نموذجاً في العدل، وهذا في الأخلاق والتجرد، وهذا في الصدق والأمانة، وهذا في الثبات على المبدأ، وهذا في النبوغ العلمي والفقهي، وهذا في الحنكة العسكرية، وهذا في الكرم والجود، وهذا في البر بوالديه وأرحامه، وهذا في الحياء واللطف والطيبة... وهكذا تم رسم ملامح أفضل مراحل حضارة الإسلام وملامح أكرم الأجيال.
جمال فكرة المشروع الحضاري الشخصي أنه لا يحتاج إلى كثير مال وأحياناً لا يحتاج إلى أي مال. وهو ليس ذا مقاييس صارمة ومعالم محددة، ولذا فإن معظم الناس يستطيعون أن يهتموا بأمر من الأمور يصبحون من خلاله مناراً ومرجعية لغيرهم؛ ومن الذي يمنع المرء أن يقدم نموذجاً في التبكير إلى صلاة الجماعة أو خدمة والديه أو الحرص على الوقت أو التصبر والتحلم وسعة الصدر ...؟
من خلال المشروع الحضاري يحقق المرء لدينه وجماعته ودنياه الكثير من المكاسب، وهو في كل ذلك الكاسب الأول . لكننا نحتاج إلى شيء من البصيرة وشيء من التخطيط وكثير من الهمة والاهتمام وروح المثابرة.
3-المشاركة في الخدمة العامة:
يتجلى الكثير من عظمة الأمم وخيريتها في تمتعها بأعداد كبيرة من المهتمين بالشأن العام والناهضين للقضايا التي لا تدخل في مسؤولية أي جهة من الجهات. وإن في إمكان أي مسلم مهما كانت ظروفه وأوضاعه، ومهما كانت قدراته وإمكاناته أن يسهم في تحسين الحياة العامة وإشاعة الخير ومحاصرة الشر في البلد الذي يعيش فيه. وسيكون من الخطأ الظن أن الإحسان يقتصر على بذل شيء من المال للفقراء. لا ريب أن هناك مشكلات كثيرة لا يحلها إلا المال؛ لكن أيضاً هناك مشكلات كثيرة جداً لا تحتاج في حلها إلى أي مال. وقد كان عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – يخرج إلى السوق مع غلام له، ثم يعود دون أن يشتري أي شيء، وكان غلامه يستغرب، ويتساءل : لماذا كان ذلك ؟! وكان ابن عمر يجيبه أنه خرج من أجل السلام على الناس.
في المسلمين مظلومون يحتاجون إلى مناصرة، وفيهم جهلة يحتاجون إلى تعليم ومنحرفون يحتاجون إلى إرشاد، ومهمومون يحتاجون إلى مواساة... ولو أن كل مسلم بذل ساعة في الأسبوع في التعاون مع مؤسسة خيرية أو في عمل تطوعي عام لتغير وجه الحياة في عالمنا الإسلامي.
نحن أمة تتحدث كثيراً عن حب الخير وعمل الخير، لكن الأرقام والإحصاءات والنتائج الملموسة تدل على أننا في الأعمال التطوعية والأنشطة اللاربحية في مؤخرة الأمم. ويكفي القول: إن القطاع الثالث والذي يشمل الأعمال الخيرية واللاربحية في (إسرائيل) يستوعب 11% من القوة العاملة هناك؛ على حين أنه في أقطارنا الإسلامية لا يستوعب ولا واحداً في المئة!.
من خلال حبّات الرمل تتشكل صحارى شاسعة، ومن خلال قطرات الماء تتشكل بحار ومحيطات، ومن خلال الأعمال الصغيرة والمبادرات الفردية يتشكل مستقبل أمة إذا امتلكنا ما يكفي من العزيمة والوعي ) .
أخي الحبيب ..
أختم كلامي لك بهذا الاقتراح الذي اقترحته عليك الذي آمل أن يلاقي سعة في صدرك وأن يكون بداية خير لي ولك ، وفي نهاية رسالتي لك أشكرك على صبرك وعلى سعة صدرك وعلى حسن خلقك كما وأشكر كل من أهدى إلي نصيحة من الأساتذة الأفاضل .
جمال سيــــد الأهل
Gakgak11@hotmail.com

ليست هناك تعليقات: