السبت، ٢٦ أبريل ٢٠٠٨

التجديد ضرورة - 3

إن بعض علماء الأمة وبعض العاملين المصلحين ينفرون من مصطلح التجديد بل ويكرهون نشره وأحيانا يرفضون استعماله وبذلك لاعتقادهم بأن كل من يتحدث في التجديد أو يحاول نشر هذا المصطلح يعمل على تمييع الهوية الإسلامية للأمة ويعمل على تذويب شخصيتها وذاتيتها وكذلك يعتقد هؤلاء بأن الحديث عن التجديد يميع قضية الانتماء للحركة أو الفكرة الإسلامية وذلك لظنهم أن من يتحدث عن التجديد يعمل على إيجاد أفكار أخرى أو نماذج أخرى سوف تبعد الأمة أو الحركة عن الأهداف المخطط الوصول لها . واعتقادهم هذا بسبب أنه في تاريخنا الحديث ظهرت فئة من المثقفين العرب يرفعون مصطلح التجديد والتنوير ولكنهم يخفون سوء مقصدهم ويبيتون للأمة خطط هدم وأهداف تدمير . فكان رد الفعل على هؤلاء التمسك بكل قديم والنفور من كل تغيير وكل جديد بحجة المحافظة على هذا القديم والمحافظة على الأمة أو المحافظة على الحركة والفكرة .
ولكن استمرار الرفض لكل طرح جديد وادعاء أن القديم دائما هو الأمثل ويجب علينا جميعا الدفاع عنه هذا (الرفض الدائم) مرض قاتل وظاهرة خطيرة يجب علينا جميعا التصدي لها وواجب علينا جميعا أن نفهم العصر الذي نعيش فيه وننزل قيم العصر ووسائله وأحكامه على الواقع الذي نعيشه بما يتلائم مع ديننا .
إن التجديد قضية تتعلق بفهم الواقع وهذا الواقع تغير كثيرا عن ذي قبل ، وحديثنا الدائم عن الثوابت في الفكر والتوجهات والأطر العامة للعمل والحياة ، وتصميمنا على أن الثوابت التي نعيشها يجب أن لا يتناولها الفكر البشري دون تحديد لهذه الثوابت بثوابت الدين ، هذا الحديث بهذه الطريقة يجعلنا نعيش دائما بعقلية الماضي ونعيش في عصر قد انتهى . فالثابت هو ما ثبته الدين والشرع أما ما لم يثبته الدين فيخضع دائما للفكر البشري وللتمحيص والتجديد ومن الممكن أن يخضع للتغيير الكلي ، ولذلك لابد من وجود روح الابتكار والاختراع مصاحبة لروح التجديد.
ولهذا يجب أن يكون موقفنا من التجديد موقف إيجابي مع الأخذ في الاعتبار دائما الأمور الشرعية ، ويجب أن نفتح المجال دائما للتطوير والتجديد في جميع الوسائل التي نمارس بها عملنا ، وليعلم من يمارس عملية التجديد أن رأيه رأي جديد وكل جديد مستغرب ، فلابد أن ينافح عنه وينقحه ويتبناه حتى يثبته أو يقتنع أن هناك رأي أفضل منه .
إن المقارنة بين أمتنا وبين الأمم المتقدمة تكشف عن الواقع المتخلف الذي نعيشه ، إن أمتنا بلا شك تعيش حالة غريبة من الانكسار والهزيمة ، نعم هذه حقيقة نعلمها جميعا ، ولكن هذا لا يعني أن ما نعيشه الآن هو قدرنا المحتوم أو أنه واقع أبدي لا مفر منه أو أن ما نحن فيه الآن هو نهاية العالم .
لكن هذا يعني أننا لابد أن نبحث عن طريقة جديدة نفكر بها في حل مشاكلنا وأن نأتي بأشياء جديدة نفكر فيها ونبدع في التفكير حتى ننهض مرة أخرى ، وكما يقول العلماء إذا أديت العمل بنفس الطريقة مائة مرة سوف تحصل على نفس النتيجة مائة مرة ، ولهذا لكي نحصل على نتيجة افضل لابد ان نعمل بالطريقة الأفضل أي بطريقة جديدة ولكي نأتي بطريقة جديدة لابد أن نفكر بطريقة جديدة .
فالأساس في الأمر هو تعديل الطريقة التي نفكر بها ، ولا ننحاز دائما إلى ما هو مألوف لدينا من وسائل وطرق في التفكير والتخطيط والتنفيذ ، فالانحياز دائما للمألوف يحول بيننا وبين رؤية خيارات أخرى متعددة ربما تكون أفضل.
ولأن ديننا الإسلامي الحنيف هو سبيل نهضتنا ولأن كثيرا ممن يقفون أمام مصطلح التجديد يقفون أمامه باسم الحفاظ على ثوابت الدين ، فالسؤال : هل وقف الإسلام أمام هذا المصطلح ومنعه ؟ الإجابة القطعية لا لم يقف الإسلام أمام التجديد ولم يمنعه ، بل نستطيع أن نقول أن الإسلام يدعو دائما إلى التجديد وإلى التطوير والتحسين في كل شيء وكثير من الآيات والأحاديث تدلنا على ذلك بل نجزم أن الأمة لم تتوقف عن التجديد والابتكار إلا عندما ابتعدت عن دينها وقل تحكم الدين الإسلامي في شئون الحياة وعندها فقط توقفنا عن قيادة العالم .
يقول الدكتور عدنان أمامة في بحث مطول عن التجديد في الفكرالإسلامي وفي باب لماذا التجديد ؟ يقول ( إن التجديد في الفكر الإسلامي حاجة تحتمها طبيعة هذا الدين ، وتفرضها الخصائص الذي خص الله بها هذه الشريعة الغراء ، ويمكننا أن ندرك هذه الحقيقة ، ونتأكد من لزومها من خلال التوقف عند بعض الخصائص التي يتلازم وجودها وبقائها على وجود التجديد واستمراريته ) ثم ذكر خاصيتين هما الخلود والشمول .
وتحدث الدكتور عن الخلود فأوضح أن الشرائع الإسلامية السابقة عند بني إسرائيل كان ينسخ المتأخر منها المتقدم ، وكان النبي اللاحق يجدد ما انطمس من معالم الدين السابق ، وكان تصويب تصرفات البشر وتقويم ما اعوج في حياتهم يتم عبر وحي السماء ، فلما بعث الله النبي محمد صلى الله عليه وسلم شاء أن يختم به الأنبياء وأن يختم بشريعته الشرائع . قال تعالى ( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم الأنبياء) الأحزاب:40 . وقال صلى الله عليه وسلم ( أنا خاتم النبيين) رواه البخاري ومسلم . فشريعة الإسلام هي الشريعة الممتدة الخالدة إلى قيام الساعة ، وهي الشريعة التي لا يلحقها نسخ ولا تبديل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ولهذا كان لابد من التجديد لسببين :
الأول : أن نصوص الشريعة محدودة والحوادث التي تقع ممدودة : فلابد من فتح باب الاجتهاد والتجديد ، بحيث يستطيع مجتهدوا كل عصر أن ينزلوا النصوص الشرعية ، على ما يستجد من أحداث في زمانهم ، ويتغير من أحوال الناس في بيئاتهم ، يقول الإمام الشاطبي رحمه الله ( فلأن الوقائع في الوجود لا تنحصر ، فلا يصح دخولها تحت الأدلة المنحصرة ، ولذلك احتيج إلى فتح باب الاتجتهاد من القياس وغيره ، فلابد من حدوث وقائع لا تكون منصوصا عليها حكما ، ولا يوجد للأولين فيها اجتهاد ، وعند ذلك فإما أن يترك الناس فيها مع أهوائهم ، أو ينظر فيها بغير اجتهاد شرعي ، وهو ايضا اتباع للهوى ، وهو معنى تعطيل التكليف لزوما ، وهو مؤد إلى تكليف ما لا يطاق ، فإذن لابد من الاجتهاد في كل زمان ، لأن الوقائع لا تختص بزمان دون زمان ) .
الثاني : أن تقادم الزمان يؤدي بدوره إلى اندراس كثير من معالم الدين ، وكثرة الفساد ، واتساع رقعة الانحراف ، وتفشي البدع والضلالات عندها تصبح الحاجة ملحة إلى بعثة المجددين وبروز قيادات إسلامية متميزة تعمل على إظهار الإسلام وتقديمه كما أنزل الله .
ثم تحدث عن الشمول : الشمول هي الخاصية الثانية للشريعة وهذه الخاصية تحتم التجديد وتجعله لازما يتوقف وجودها عليه ، والشمول التي تتصف به الشريعة يتناول الزمان والمكان والإنسان ، أما شمولية المكان فتعني أن الرسالة الإسلامية رسالة عالمية ليست خاصة ببقعة من بقاع الأرض أو شعب من شعوب الأرض يقول تعالى ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) الأنبياء : 107، وشمولية الإنسان تعني استيعاب الشريعة لكل شأن من شئون حياة الإنسان الخاصة و العامة في دنياه وفي أخراه .
إن شمول الشريعة وإحاطتها على النحو الذي تقدم ، مع ما سبق من خلودها واستمرارها إلى قيام الساعة يؤكد على الحاجة الماسة إلى وجود المجددين والمجتهدين الذين يدلون الناس على صراط ربهم المستقيم ، ويرشدونهم إلى أحكام الشرع في كل ما يجد من شئون حياتهم ، أو يتغير من أحوال بيئاتهم ومجتمعاتهم .
هذا في أمور الشرع لابد من وجود المجددين وكما قلنا إن الإسلام دين التجديد الدائم المستمر ، أما في أمور الدنيا ووسائل العمل فأولى أن نتبنى وننافح عن مصطلح التجديد ونعمل دائما على تجديد وسائلنا في حياتنا أو في دعوتنا .
روى أبو داوود والبيهقي والحاكم في مستدركه ، من حديث أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( عن أبي هريرة فيما أعلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها )) أبو داوود – الملاحم 4291 .
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب ، فاسألوا الله تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكم ) رواه الطبراني في الكبير والحاكم في المستدرك عن ابن عمرو .

ليست هناك تعليقات: