الثلاثاء، ١ أبريل ٢٠٠٨

التجديد ضرورة - 1

بدأت الحروب الصليبية على المشرق الإسلامي في حوالي سنة 642 هـ الموافق 1070 م وكانت البداية معركة ملاذ كرد الشهيرة 643هـ/ 1071م التي نصر الله فيها جند الإسلام بقيادة القائد العظيم ألب أرسلان على ملك الروم في معركة شهيرة كانت امتدادا لليرموك والقادسية واستمرت الحملات الصليبية المتوالية واستمرت الهزائم المتتالية للصليبين وكان لهم انتصارات مؤقتة لم تكن لتستمر في ظل يقظة المسلمين ومحاولاتهم المستمرة للم شملهم هكذا بدأت الحملات الصليبية الشرقية وانتهت بمعركة مهمة لا يذكرها أحد في عام 829 هـ / 1426 م حينما استولى الأشرف برسباي حاكم مصر على قبرص وأسر ملك الصليبين وبعدها لم يفكر الصليبين في غزو الشرق بهذه الطريقة مرة أخرى . ولكن هل انتهت الحروب الصليبية . لا لم تنتهي حيث أنهم حينما فشلوا في الشرق اتجهوا للغرب وكانت حربهم الضروس على الأندلس هذه الحرب اتذي انتهت بالقضاء على دولة بني الأحمر على يد فردناند وإيزابيلا في عام 1492 م . ولكن هل توقف الهدف على القضاء على المسلمين وحضارتهم في غرب أوربا لا لم يحدث . فقاموا بداية بوضع خطة للقضاء على كل ما يمت للإسلام بصلة في محيط الأندلس (أسبانيا والبرتغال) فكانت المذابح الشهيرة للمسلمين وكانت محاكم التفتيش حتى تنصر كثير من المسلمين وأخفوا إسلامهم فكانوا يفتشوا عن الأطفال التي تتم عملية الختان لهم ويأخذوهم ويقتلوهم هم وأهلوهم جميعا ثم ماذا بعد . كان الزحف العثماني على القسطنطينية وفتحها سنة 1453 م وهذا الفتح كان نهاية دولة الروم ووضع حدا فاصلا لآمال الصليبين للقدوم إلى الشرق والقضاء على الإسلام فكانت الخطة المحكمة بأن يأتوا للمسلمين من الغرب وكان سقوط الأندلس بداية هذه الخطة فوضعوا خطة لتطويق العالم الإسلامي وكان عنوانها المعروف للجميع ( الكشوف الجغرافية ) وذلك بأن يصل الصليبين إلى أقصى مكان في الشرق لتطويق المسلمين وكان الهدف من هذه الكشوف كما عبر عنه أحد المستشرقين :
1- القضاء على الدولة العثمانية ، وتمزيقها ، والسيطرة على وحداتها المختلفة .
2- إقامة حصار اقتصادي كامل حول العالم الإسلامي ، وذلك بنقل طريق التجارة من قلبه في مصر إلى طريق الرجاء الصالح (أنور الجندي : اليقظة الإسلامية في مواجهة الاستعمار ـ ص : 23).
فكانت الخطة أحكم وكان الظرف مناسبا لتحقيق أحلامهم على حساب أمتنا وحضارتنا وديننا . وكان تجديدهم في أفكارهم وأسلوب التعامل معنا سببا رئيسا في الوضع الذي نعيشه الآن .
ففي الوقت الذي بدأت فيه النهضة العلمية والصناعية والفكرية في أوربا وبدأوا يتخلصون من ميراثهم البالي في التخلف كان العالم الإسلامي يعاني من الضعف والفساد والفرقة وكانت الأنظمة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بدأت في التخلخل .
يرى الدكتور عمر عبد العزيز(أستاذ التاريخ الحديث بجامعة الإسكندرية) - نقلا عن موقع إسلام اون لاين - أن ثمة انعكاسات حادة وخطيرة ترتبت على حركة الكشوف الجغرافية على عالمنا العربي والإسلامي؛ إذ عمل الأسبان والبرتغاليون بعد أن تم الكشف الجغرافي على التبشير بالمسيحية على المذهب الكاثوليكي بين أهالي المكسيك وأمريكا الجنوبية، وكان ذلك أكبر تعويض للبابوية والكنيسة الكاثوليكية عن نفوذها الذي ضاع في كثير من جهات أوروبا بعد ظهور حركة الإصلاح الديني، وتعذر بالضرورة وصول الدين الإسلامي إلى هذه البلاد في وقت مبكر.
وقد أثرت حركة الكشوف الجغرافية بدرجة كبيرة على مركز مصر التجاري، وكان العرب قد اهتموا اهتمامًا بالغًا بالتجارة التي درت عيهم ثروات طائلة بصفتهم وسطاء بين الهند والصين من ناحية وأوروبا من ناحية أخرى، وسيطروا على التجارة العالمية في العصور الوسطى؛ حيث كانت تنقل تجارة التوابل والحرير إلى أوروبا عبر الطرق الهامة المارة بالمنطقة العربية. وجنت مصر من هذه التجارة الكبيرة الكثير، وأصبحت الضرائب المفروضة على هذه التجارة موردًا هامًا من الموارد المالية المصرية، وظل الأمر كذلك حتى شاهد العالم التحول الواضح من البحر المتوسط إلى المحيط الأطلسي.
وعندما فتح هذا الطريق الجديد في عام 1498م حاول مماليك مصر يؤيدهم في ذلك البنادقة الذين عانوا أيضًا من جراء هذا الكشف أولاً بالوسائل الدبلوماسية ثم بالحرب، القضاء على هذا الخطر البرتغالي. ولكن جهودهم باءت بالفشل إذا استطاع البرتغاليون إيقاع الهزيمة بالأساطيل المصرية، وتوغلوا حتى الخليج العربي والبحر الأحمر. وفي عام 1510م وقعت مسقط وهرمز والبحرين في أيدي البرتغاليين.
ولم يستطع الشرق العربي استعادة طرق مواصلاته مرة أخرى حتى القرن التاسع عشر. ونتج عن تحول طريق التجارة آثار متعددة، أفقرت أسواق القاهرة والإسكندرية من تلك الحركة التجارية الهائلة، وحرمت حكومة مصر من تلك الضرائب التي طالما تمتعت بها، كما فقد الأهالي الفوائد الكثيرة التي كانوا يجنونها من نقل هذه المتاجر، بينما أخذت دول غرب أوروبا في التوسع والاستعمار.
وعلى الصعيد السوري تدهورت الأوضاع الاقتصادية نتيجة لهذه الكشوف الجغرافية، واضطر التجار السوريون بعد ذلك إلى أن يجعلوا جل اعتمادهم على التجارة البرية.
ولكن أهم نتيجة لحركة الكشوف الجغرافية الحديثة هي أن الدولة العثمانية دخلت في المواجهة مع الأوروبيين محل المماليك الذين كانوا يسيطرون على مصر والشام.
لقد كانت مهمة إسبانيا الالتفاف على المسلمين من ناحية الشرق، بينما كُلفت البرتغال بالتحرك من الجنوب لإتمام عملية التطويق، وليس من شك أن الدوافع الحقيقية لاكتشافات أوروبا الجغرافية هي الروح الصليبية الحاقدة التي كانت فاتحة للحروب الصليبية الجديدة التي عرفت باسم الاستعمار.
قام البرتغالي ماجلان ببدء رحلته في سبتمبر 1519م . وأثناء مراحل رحلته وصل إلى جزر الفلبين ، وفي هذه المرحلة من الرحلة قتل ماجلان في معركة بينه وبين المسلمين في الفلبين وتولى مساعدة الإيطالي " بيجافيتا " قيادة الرحلة حتى نهايتها ، وعودتها إلى نقطة بدايتها في أسبانيا .ولاشك أن هذه الرحلة مثلت حدثاً بالغ الأهمية لهم.
وبدأت المرحلة الثانية من الخطة باستعمار مباشر للعالم العربي والإسلامي ولم يكن يتم هذا الاستعمار لولا التمهيد الذي تم فيما يسمى بالكشوفات الجغرافية فكان احتلال شمال وغرب إفريقيا البداية .
وربما يقول قائل أن هذه المرحلة كان هدفها علميا اقتصاديا وقد قدموا للبشرية خدمات هائلة باكتشاف هذه البلدان وهذه الطرق . ولكن إذا كان الهدف علمي اقتصادي فلماذا ذهب فاسكو ديجاما ومن بعده ماجلان لاستئذان البابا قبل الذهاب إلى هذه الرحلات ولماذا كانوا حريصين على نشر مذاهبهم ودياناتهم في كل مكان يصلوه . بل كلنا نعلم أن هذه الرحلات كانت مقدمة للاستعمار الحديث الاستعمار الذي نهب خيرات بلاد إفريقيا ولك يترك لأهلها إلا الفقر والدمار والمجاعات المتواصلة . وأيضا ما هو تفسير المقولة الشهيرة للنمبي القائد البريطاني في سنة 1917 وبعد اتفاقية سايكس بيكون بعام وهو واقف في القدس قائلا (الآن انتهت الحروب الصليبية) ثم ما هو سبب حرص ذهاب الجنرال الفرنسي جورو في عام 1920 م إلى قبر صلاح الدين في دمشق وركل القدم بقدمه قائلا (ها نحن عدنا ياصلاح الدين ) . والآن هل نعتقد أن كلام السيد بوش رئيس العالم الحر كما يسمي نفسه واصفا ما يحدث في العراق بأنه حرب صليبية هل نعتقد أن كلامه زلة لسان ؟ . معذرة للخروج عن السياق التاريخي .
نعود لنعرف أنه في فترة قصيرة بعد انتهاء مرحلة الاكتشافات الجغرافية بدأت مرحلة الاستعمار في أرض الواقع وبدأت الحملات الاستعمارية تتوالى على بلادنا ففي عام 1798 م كانت حملة نابليون على مصر وفلسطين . وفي عام 1830 م كانت فرنسا احتلت الجزائر كاملة وفي عام 1870 م ألحق كل وزارات الجزائر بفرنسا ومنحت كل يهود الجزائر صفة مواطن فرنسي.
مع بداية القرن العشرين كان المغرب العربي قسمة بين فرنسا وأسبانيا . وليبيا كانت بحلول عام 1911 م تحت الحكم الإيطالي . ومصر والسودان كانت تحت الحكم الإنجليزي . وفي الشام كانت سوريا ولبنان تحت الحكم الفرنسي وفلسطين تحت الحكم البريطاني ثم كان قيام الكيان الصهيوني على ثرى فلسطين الطاهر . والعراق كانت تحت الاحتلال البريطاني . واستولت بريطانيا على أجزاء كبيرة من شبه الجزيرة . وفي إفريقيا كانت معاهدة (برلين) (1884-1885م) أهم المعاهدات التي أخضعت إفريقيا كلها للاستعمار الأوروبي .
وكانت الدول المتاخمة للصحراء الكبرى من نصيب فرنسا وانجلترا وإيطاليا ، حيث استطاعت الأولى أن تستأثر بأكبر مساحة شملت : موريتانيا والسنغال ، ومالي (كانت تسمى السودان الفرنسي) ، وغينيا ، والنيجر ، وتشاد ، والصومال الفرنسي ، أما الثانية فاستولت على نيجيريا ، وسودان وادي النيل ، والصومال البريطاني ، وزنجبار . وكان لإيطاليا السيطرة على الصومال (الإيطالي) ، وبذلك أصبحت البلاد الإسلامية في الصحراء الإفريقية الكبرى وجنوبها خاضعة للاستعمار الأوروبي مع بداية القرن العشرين .
وكانت آسيا الوسطى إمارات ودويلات إسلامية مستقلة ، وخلال القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين تمّ إخضاعها للسيطرة الروسية والصينية . كما استولى الصينيون على تركستان الشرقية منذ سنة (1759م) ، وبرغم الثورات التي واجهوها فإنهم استطاعوا ضمها إليهم عام (1881م) ، وأطلقوا عليها اسم (سينجيانج) ، أي : الأرض الجديدة .
وفي جنوب شرق آسيا فمع حلول العقد الثامن من القرن التاسع عشر أضحى أرخبيل الملايو مقسما بين الاستعمار الإنجليزي الذي احتل ما يعرف الآن بماليزيا ، وبين الاستعمار الهولندي الذي سيطر على إندونيسيا .
وكانت الفلبين تحت السيطرة الإسبانية منذ القرن السادس عشر الميلادي وقد «كان موقف إسبانيا من الفلبين امتدادا لموقفها الصليبي من مسلمي الأندلس ، وهكذا أفرغت إسبانيا بالفلبين كل ألوان الحقد الذي كانت تحمله ضد المسلمين ، وطال بها الزمن في الفلبين (1521-1898م) ، فهذه المدة التي قاربت أربعة قرون قضت فيها إسبانيا على أجيال متتالية من المسلمين بطريق الحروب الشرسة المتتالية ، وألزمت كثيرين باعتناق المسيحية عن طريق المدارس . . . وعن طريق المستشفيات . . . وعن طريق الوظائف التي لم تكن تقدم إلا للمسيحيين» .
وعلى الرغم من السياسة الإسبانية في الفلبين استطاعت عدة سلطنات وإمارات إسلامية في الجنوب أن تحتفظ باستقلالها ، لكن مع اندلاع الحرب الأمريكية - الإسبانية وانهزام إسبانيا ، انتقلت السيادة إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي اتبعت سياسة إبادة ضد المسلمين بالذات ، واستمر الصراع سنوات حتى انتهاء الحرب العالمية الثانية .
والهند فقد ظلت الهند تحت الحكم الإسلامي للمغول ، الذين مزجوا بين حضارة الإسلام وحضارة الهند إلى حدود نهاية النصف الأول من القرن التاسع عشر . ثم قاكت بريطانيا باحتلال الهند . وقد اتبع الإنجليز سياسة الاستغلال الاقتصادي والتفرقة بين المسلمين والهندوس ، وكان الهندوس أقرب للاستمالة ؛ لذا فتحت أمامهم المؤسسات التعليمية والاقتصادية الإنجليزية حتى حققوا التفوق على المسلمين .
ولكن هل توقف التاريخ .. فمازلنا نعاني من السيطرة الكاملة لهؤلاء على مقدرات أمتنا ومازالت الانتصارات الصليبية قائمة . فالتجديد الذي قاموا به بعد هزيمتهم في الحروب الصليبية الشرقية وتوجهم نحو الغرب وعملهم الدائم للقضاء على أمتنا حضارة ودينا قد نجح هذه المرة ولو لحين وفلسطين والعراق وأفغانستان خير شاهد .
ثم ماذا بعد ..

ليست هناك تعليقات: