الاثنين، ١٤ أبريل ٢٠٠٨

التجديد ضرورة - 2

تحدثنا في الجزء الأول عن الحروب الصليبية المستمرة على الأمة منذ أكثر من ألف عام وكيف تم تجديد الأساليب والوسائل فيها حتى تحقق لأهل الغرب ما كانوا يخططون له . وها هي الأمة الإسلامية من أقصاها إلى أقصاها لقمة سائغة لهم .
روى أبو داوود والبيهقي والحاكم في مستدركه ، من حديث أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( عن أبي هريرة فيما أعلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها )) أبو داوود – الملاحم 4291 .
التجديد لغة : هو تصيير الشيء جديدا أي أن الشيء كان على حالة ما ثم طرأ عليه ما غيره وأبلاه فإذا أعيد لمثل حالته الأولى التي كان عليها كان ذلك تجديدا .
وقد كان للعلماء كلمات وصيغ في تعريف التجديد :
قال الفقيه الشافعي محمد بن عبد الرحمن العلقمي : ( معنى التجديد إحياء ما اندرس من العمل من الكتاب والسنة والأمر بمقتضاهما).
قال جلال الدين السيوطي : ( المراد بتجديد الدين ، تجديد هدايته وبيان حقيقته وأحقيته ونفي ما يعرض لأهله من البدع والغلو فيه أو الفتور في إقامته ومراعاة مصالح الخلق وسنن الاجتماع والعمران في شريعته ).
ويقول الأستاذ عمر عبيد حسنة في كتابه (الاجتهاد للتجديد سبيل الوراثة الحضارية) يقول : ( ليس المراد بالاجتهاد والتجديد الإلغاء والتبديل وتجاوز النص وإنما المراد : هو الفهم الجديد القويم للنص ، فيما يهدي المسلم لمعالجة مشكلاته وقضايا واقعه في كل عصر يعيشه ، معالجة نابعة من هدي الوحي).
ويقول الطيب برغوث ( التجديد هو تمكين الأمة من استعادة زمام المبادرة الحضارية في العالم كقوة توازن محورية ، عبر إحكام صلتها من جديد بسنن الآفاق والأنفس والهداية ، التي تتيح لها المزيد من الترقي المعرفي والروحي والسلوكي والعمراني ) .
يقول الدكتور عادل رشاد : ( الإسلام رسالة تجديدية بحكم شموله وعالميته ولهذا فإن التجديد من القيم الحضارية التي دعا إليها الأمة ) ويقول أيضا : ( التجديد إصلاح لعلاقة الإنسان بدينه ودنياه فهما وممارسة فالتجديد في الدنيا يتعلق بتحديث وسائلها والترقي بأساليب العيش ويدخل في ذلك الإبداع والتحديث . وتجديد الدين : وهو في حقيقته تجديد وإحياء وإصلاح لعلاقة المسلمين بالدين والتفاعل مع أصوله والاهتداء بهديه , فهما وممارسة لتحقيق العمارة الحضارية وتجديد حال المسلمين ولا يعني إطلاقا تبديلا في الدين أو الشرع ذاته ليس تغييرا في حقائق الدين القطعية لكن تغيير للمفاهيم التي ترسبت في أذهان الناس عن الدين).
التجديد هي روح جديدة لابد أن تسري في جسد الأمة تسري في رجال الأمة شيوخها وشبابها وفي نساء الأمة روح تسري كتلك الروح التي سرت في جسد المسلمين الأوائل روح تجعلنا نرتقي في كل شيء وفي كل مجال روح هدارة لا تتوقف روح تتملكنا حتى نغير واقعنا من الهزيمة المطلقة إلى الانتصار العظيم . روح تحولنا من أمة تعيش في ذيل العالم مع الهوام والحشرات إلى أمة ترفل في العز والنصر . روح تسري بداخل العالم والشيخ والطبيب والمهندس والمحاسب والمعلم والعامل والفلاح وكل فرد في أفراد الأمة تدفعه للأمام . روح تجعلنا جميعا نعيد التفكير في طريقة حياتنا وطريقة تفكرينا وطريقة إدارتنا لجميع الأمور . روح تدفعنا للأمام وتلغي من حياتنا اليأس التي تملكنا . روح تجعلنا منتجين لا مستهلكين . روح تجعل من أرضنا التي تيبست حديقة خضراء غناء مليئة بأنواع الفاكهة والخضروات . روح تحولنا إلى مبدعين ومفكرين روح كتلك الروح التي دفعت ربعي ابن عامر أن يحدث رستم بطريقة جديدة لم يعرفها العرب ولا الفرس روح جعلت غالبية الصحابة يموتون في بقاع الأرض أثناء جهادهم ودعوتهم لله ونشر الإسلام ، روح دفعت ألب أرسلان ينتصر على عشرة أضعاف جيشه روح دفعت هارون ان يحدث نكفور بكلب الروم . روح جعلت محمد بن موسى الخوارزمي المتوفى 236هـ هو أول من وضع علم الجبر روح جعل للمسلمين السبق في دراسة الفضاء وعلم الفلك وجعل المسلمون في عهد الخليفة المأمون يحسبون محيط الكرة الأرضية بما لديهم من قوانين والرقم الذي وصلوا إليه قريب جدا من المحسوب الآن عن طريق الكمبيوتر روح جعلت غياث الدين بن محمد الكاشي المتوفى سنة 893 هـ بنى مرصد سمرقند ودرس مدارات القمر وعطارد وكان أول من اكتشف أن مدارات القمر وعطارد بيضاوية وهو الذي اوجد قيمة النسبة التقريبية 3.14 وهو الذي ابتكر الكسور العشرية واشتهر بكثرة قراءته للقرآن وكان كتابه (مفتاح الحساب) منهلا استقى منه علماء الشرق والغرب.. روح الإسلام التي افتقدناها في هذه الأيام التعسة روح تلحقنا بالبخاري والشافعي والغزالي وابن القيم . روح تلحقنا بقتيبة ابن مسلم واحمد ابن ماجد وابن خلدون وابن رشد .
تعريف الضرورة :
الضرورة لغة : جاء في لسان العرب الضرورة هي الحاجة والشدة لا مدفع لها , والمشقة , والجمع ضرورات ، وهو إسم مصدر الاضطرار . والاضطرار : الإحتياج إلى الشيء ، واضطره إليه : أحوجه والجأه ، فاضطر .
وجاء في كتاب نظرية الضرورة لمحمد مبارك : ( الضرورة خوف الهلاك أو الضرر الشديد على أحد الضروريات ، للنفس أو الغير ، يقينا أو ظنا ، إن لم يفعل ما يدفع به الهلاك أو الضرر الشديد) .
والضروريات التي جاءت الشريعة للحفاظ عليها هي : الدين والنفس والعقل والنسب والمال ، فمتى كانت إحدى هذه الضروريات معرضة للهلاك أو الخطر يقال : وقع الإنسان في حالة ضرورة .
وهنا أنا لا أتحدث عن ضرورة شرعية أي ضرورة لتعطيل أو تحديد بعض أحكام الشريعة ولكن أتحدث عن ضرورة وقت وضرورة فرضها علينا الواقع المر الذي تعيشه الأمة الآن . فكل شيء في حياتنا معطل تطبيق ديننا معطل ومن يدعو له أو يفكر فيه متهم . التفكير في حل مشاكل الأمة ومحاولة الرقي بها معطل . بل أصبحنا نعيش حياتنا بشكل عجيب فمسموح لكل من يتحدث أو يعمل للإفساد أو يمارس الفواحش أن يتقدم ومن يصلح أو يفكر في الإصلاح ممنوع ومحاصر .
فالواقع يفرض علينا أفراد وجماعات أن نعيد تفكيرنا في كل شيء في حياتنا نعيد تفكيرنا في ممارساتنا اليومية . والواقع يفرض علينا أن نجدد في فهمنا للإسلام ونجدد في طريقة تفكيرنا ونجدد في تربية أولادنا ونجدد في مواجهة الباطل الذي نعيشه يوميا .
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب ، فاسألوا الله تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكم ) رواه الطبراني في الكبير والحاكم في المستدرك عن ابن عمرو

ليست هناك تعليقات: