الخميس، ٢١ فبراير ٢٠٠٨

وثيقة تنظيم البث

أعلنت جامعة الدول العربية يوم 13 فبراير الماضي عن وثيقة تنظيم البث والاستقبال الفضائي في المنطقة العربية واعتمدها وزراء الإعلام العرب في اجتماعهم الاستثنائي الذي عقد في 12 فبراير الماضي . والوثيقة التي أسموها وثيقة الشرف تتكون من اثني عشر بندا تحدد المعايير والضوابط للعمل في القنوات الفضائية والإذاعات التي تبث من العالم العربي .
وفي الحقيقة أنني عندما قرأت لفظ وثيقة الشرف انتابني إحساس بالسعادة . فمازال في بلادنا أناس يبحثون عن شرف المواطن العربي ويعملون على إعلاء قيمة الكلمة المسموعة والمرئية . ويعملون على احترام السيادة العربية وتفعيل التضامن العربي .
ولكن ؟!! عندما قرأت الوثيقة تغير إحساسي ورجعت إلى الواقع الذي نعيشه جميعا ونعلمه . واقع لم نختاره لأنفسنا ولكننا نجبر على العيش فيه . فالسادة الوزراء – وزراء الإعلام وليس الاقتصاد أو الزراعة أو التعليم أو أي وزارة نجني من وراء اجتماعها أي شيء إيجابي – السادة وزراء الإعلام اجتمعوا اجتماعا استثنائيا وليس عاديا ليخرجوا لنا قانونا ليزيد تكميم الأفواه . ويعمل على اتساع رقة الإرهاب الموجه للمواطن العربي . ويعلنها لكل العرب من الخليج العربي إلى المحيط الأطلنطي " أيها المواطن إياك أن تنطق ببنت شفه ".
جاءت بنود "وثيقة الشرف" سيفا مسلطا على رقاب القنوات والإذاعات وتثبيتا لحكم الفرد الذي نتميز به دون الأمم فجاء في الجزء الخامس من البند الرابع "أن ما يذاع في القناة أو الإذاعة لا يؤثر سلبا على السلم الاجتماعي والوحدة الوطنية ". ولم تعطي الوثيقة تفسيرا واضحا لهذه الألفاظ . فلفظ الوحدة الوطنية لفظ مطاط ومن الممكن أن يفسر على هوى كل شخص بما يريد هو .
وجاء في الجزء الآول من البند الخامس أن على القناة أو الإذاعة "الالتزام بحرية التعبير على أن تمارس هذه الحرية بالوعي والمسئولية" . فما معنى كلمتي الوعي والمسئولية وكيف يتم ضبطها إذا لجأنا إلى الجهات الرسمية .
وجاء في الجزء الخامس من البند الخامس "أحقية المواطن العربي في متابعة الأحداث وخصوصا الرياضية منها" . فالأحداث الرياضية التي تعبر عن حالة من اللعب والمتعة ولا تعبر عن حالة من العمل والاجتهاد . هذه الأحداث مهمة عند من كتب الوثيقة حتى تكون لها خصوصية إلهاء الشعوب وإعطائها نشوة في غير محلها وتفريغ للطاقة في المكان الخطأ . "فللمواطن الحق في مواكبة ومتابعة الأحداث الرياضية خاصة أيا كام مالك حقوق البث حصرية كانت أم غير حصرية" . هكذا جاء البند . أما الأحداث العلمية أو الثقافية أو الدينية فهذه ليس لها خصوصية .
وجاء في الجزء الثالث من البند السادس تلتزم القناة أو الإذاعة "بالامتناع عن التحريض على الكراهية والتمييز القائم على أساس اللون أو الجنس أو الدين" . وهذا البند من حيث الظاهر جميل ولكنه أيضا يظل سيفا على رقبة المتحدثين . فمن الممكن أن ينطق المحاور لفظا أو كلمة يفسرها البعض على أنها تحرض على الكراهية .
وفي الجزء الرابع من نفس البند "تلتزم بالامتناع عن بث كل شكل من أشكال التحريض على العنف والإرهاب" . ولم يذكر البند أي تفسير لكلمة الإرهاب . ولأن المعتاد في عالمنا اليوم أن الإرهاب مقابل الإسلام . فوالله إني أخشى أن يضعوا هذا البند في مقابل كل ما هو إسلامي في القنوات الفضائة . ويبقون فقط على الإسلام الرسمي الذي يرضوا عنه ويباركونه .
وجاء في الجزء الحادي عشر من نفس البند تلتزم القناة أو الإذاعة "بالامتناع عن بث البرامج التي تحتوي على مشاهد أو حوارات جنسية صريحة" . الصريحة فقط . أما الإيحاءات والعري والعبارات الغير صريحة فلا تمتنع عنها . فالقناة حرة أن تذيع كل شيء ولكن لابد أن يكون غير صريح .
وفي البند السابع الجزء الرابع "يجب عدم تناول القادة أو الرموز بالتجريح" . وهذا البند بند تقديس السادة الحكام وعدم نقدهم . وعدم توجيه حتى النصح لهم . وإلا سوف تغلق القناة بكل الأقفال المتاحة .
ملخص الكلام : على كل القنوات والإذاعات أن تسير في اتجاه واحد وهو الاتجاه الذي يرضي ويثبت الأنظمة القائمة . وكأنه إعلان عام " لا تتكلموا ولا تعرضوا ما يعكر الصفو " . هذه الوثيقة تقيد الحرية وتقيد الإبداع .
وجاءت في الوثيقة بنود لذر الرماد في العيون مثل احترام كرامة الإنسان ولا أدري أي إنسان هذا فآخر شيء نتحدث عنه الآن هو كرامة الإنسان العربي . وكذلك مراعاة أسلوب الحوار وآدابه . والالتزام بصون الهوية العربية .
كنت أتمنى أن تعمل الوثيقة على رفع ثقافة المواطن العربي . وزيادة مساحة الحرية . والعمل على زيادة وعي المواطن العربي بهذه المرحلة الدقيقة من تاريخ أمتنا . كنت أتمنى ان تكون نقلة نوعية للإعلام العربي . الإعلام الضعيف أصلا . والذي لا يثق فيه المواطن العربي . الإعلام الذي صنع إنسانا هلاميا ليس له هدف أو غاية . الإعلام الذي غلبت عليه الشهوات وأساليب اللهو . الإعلام الذي يحتاج إلى علاج عاجل على أيدي من يصلحون لأن يكونوا أطباء للإعلام .
كنت أتمنتى أن يعطوا وقت أفضل وأطول للمفكرين والأدباء والشعراء والمصلحين . يعطوا وقت أطول لمن يريد أن يحسن الذوق العام . ويحسن الفكر .
كنت أتمنى أن يحمل إعلامنا فكرة . وأن يرفع من شأن الأمة . وأن يدافع عن ثوباتنا وقيمنا .
وكنت أتمنى أن يجتمع وزراء الاقتصاء اجتماعا استثنائيا وكذلك وزراء الزراعة ووزراء التعليم أم أنه مكتوب على هؤلاء أن لا يجتمعوا .
ولكن في هذا الزمان ليس من حق المواطن البسيط مثلي أن يتمنى . وليس من حقك أي شيء .
ونصيحتي لي ولك أن تغلق فمك وعينك وأذنك من الآن حتى لا تحاسب أنت مع القنوات والإذاعات لأنها متهمة حتى النخاع .

ليست هناك تعليقات: