الأربعاء، ١٦ يناير ٢٠٠٨

الهجرة والأمل ..

في كل عام وفي مثل هذه الأيام كل منا يقف مع نفسه ليقيم عاما مضى ويفكر في عام قادم وآماله وطموحاته وماذا سيفعل الله به. وفي هذا العام وحين جاءت بداية العام التاسع والعشرون بعد الأربعمائة وألف وقفت متأملا حال عالمنا الإسلامي وحال أمتنا متسائلا ومبتهلا لله قائلا " يا رب أرسل لنا بارقة أمل حتى نستطيع أن نكمل الطريق .. يا رب لقد فعل بنا أعدائنا الأفاعيل ولم يبقى أحد على وجه الأرض إلا وقد نال منا .. يا رب إن رعاع الأرض قد تجرئوا على دينك وعلى نبيك وعلى عبادك المؤمنين .. يا رب فرج ما نحن فيه " وأثناء دعائي دارت بخاطري الأحداث التي مرت بالرسول صلى الله عليه وسلم قبل وبعد الهجرة من بداية وفاة السيدة خديجة رضي الله عنها ووفاة عمه أبو طالب فرجعت إلى سيرة ابن هشام وأعدت قراءة هذه الفترة فوجدت أن الهجرة كانت باب الأمل الذي فتح النصر والتمكين للإسلام ولرسول الإسلام وللمؤمنين فلنقرأ ما قاله ابن هشام قبل الهجرة" قال ابن إسحاق : وكان النفر الذين يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته أبا لهب والحكم بن العاص بن أمية وعقبة بن أبي معيط ، وعدي بن حمراء الثقفي ، وابن الأصداء الهذلي وكانوا جيرانه لم يسلم منهم أحد إلا الحكم بن أبي العاص ." وكذلك قال " قال ابن إسحاق : ثم إن خديجة بنت خويلد وأبا طالب هلكا في عام واحد فتتابعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم المصائب بهلك خديجة وكانت له وزير صدق على الإسلام يشكو إليها ; وبهلك عمه أبي طالب وكان له عضدا وحرزا في أمره ومنعة وناصرا على قومه وذلك قبل مهاجره إلى المدينة بثلاث سنين . فلما هلك أبو طالب نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذى ما لم تكن تطمع به في حياة أبي طالب حتى اعترضه سفيه من سفهاء قريش ، فنثر على رأسه ترابا " وقال ايضا قال ابن إسحاق : ولما هلك أبو طالب نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذى ما لم تكن تنال منه في حياة عمه أبي طالب فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ، يلتمس النصرة من ثقيف ، والمنعة بهم من قومه ورجاء أن يقبلوا منه ما جاءهم به من الله عز وجل فخرج إليهم وحده ". وعندما ذهب صلى الله عليه وسلم إلى ثقيف قال له النفر الذي جلس معهم "فقال له أحدهم هو يمرط ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك ، وقال الآخر أما وجد الله أحدا يرسله غيرك وقال الثالث والله لا أكلمك أبدا . لئن كنت رسولا من الله كما تقول لأنت أعظم خطرا من أن أرد عليك الكلام ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغي لي أن أكلمك" وقد وصف ابن إسحاق وضع الرسول والمسلمين قبل الهجرة بعامين قائلا " قال ابن إسحاق : ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، وقومه أشد ما كانوا عليه من خلافه وفراق دينه إلا قليلا مستضعفين ممن آمن ". ثم عرض الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه على القبائل وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم ينادي القوم بالإسلام والتوحيد وورائه أبو لهب ينادي عليهم ألا يسمعوا كلامه وأن لا يسلخوا اللات والعزى من أعناقهم . فعرض الرسول نفسه على كنده فأبوا وعلى بني كلب وكان منهم بطن يقال لهم بنو عبد الله فلم يقلبوا منه ما عرض. وعرض نفسه على بني حنيفة فلم يكن أحد من العرب أقبح عليه ردا منهم . ثم عرض نفسه على بني عامر فقالوا له لا حاجة لنا بأمرك . وهكذا كان الأمر وكان الحال ثم ماذا بعد ؟! . كانت البشرى وكان الأمل وكانت إرهاصات الهجرة وكان إسلام ستة نفر من الخزرج . وبعدها بعام كانت بيعة العقبة الأولى وإرسال مصعب للمدينة . وكانت البشرى بإسلام سعد بن معاذ وأسيد بن حضير وكانا سيدا قومهما بني عبد الأشهل . وجلسا يدعوان للإسلام حتى دخل الإسلام كل دور المدينة إلا القليل . ثم كانت الهجرة وما بعدها وكانت الغزوات والفتوحات ودخل الناس في دين الله أفواجا حتى عم الخير وفتحت فارس ودخلوا في الإسلام وفتحت بلاد الروم وشمال إفريقيا وعم النور الخير على العالم .
ما أكثر المثبطات هذه الأيام. وما أكثر ما نتعرض إليه من مصائب . وما أكثر الهزائم ولقد هنا حتى على أنفسنا . ولكن الهجرة تنادينا " إن الأمل قائم دائما"
إذا كانت الهجرة مفتاح خير ونور وأمل . فالهجرة إلى الله هي أملنا أيها الإخوة . والهجرة بدراستها العميقة تعطينا الأمل أن نصر الله قادم وأن التمكين لدين الله قادم ولكن ؟ ولكن سيروا على ما كان عليه رسول الله . واجتهدوا كما اجتهد رسول الله . وابذلوا كما بذل رسول الله . أعملوا عقولكم . واتخذوا الوسائل لنصرة دينكم فالأمة مشتاقة لمن يحمل الراية . والساحة خالية تبحث عمن يملأها . هلا من مشمر .
وأنا أكتب المقال سمعت خبر استشهاد كوكبة من رجال الله في أرض الرباط ومنهم حسام الزهار . وكان واجب علي وعلينا جميعا أن نقدم التهنأة والتعازي لأهلنا في أرض الرباط وللدكتور الزهار تهنئة خاصة .

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

السلام عليكم ورحمة الله،

نعم الهجرة مليئة بالدروس والعبر لمن أراد أن يتلمس بصيص نور وسط حلكة الظلام، وكم سمعنا من خطب ودروس وقرأنا مقالات وتحليلات عنها ومع ذلك لم نرى أثر في المجتمع فلماذا؟ أنا لاأحب التعلق بالأوهام والخيالات ولا خداع النفس بالحديث عن الأمل (القريب) في التغيير. إن الحالة التي نحن فيها لم تأت من فراغ ولا بدون أسباب. وقبل ان نتطلع إلى التغيير المنشود لابد من معرفة هذه الأسباب وعلاجها حتى يحدث هذا التغيير. إن لله في خلقه سنن لاتتبدل ولا تتغير منها (إن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) فمن اراد الإصلاح والبناء فلابد أن يتوافق منهجه مع هذه السنن الإلهية وإلا فهو الفشل الأكيد، وتاريخنا ملئ بالنماذج التي تؤكد ذلك. إن من أكبر أسباب وضعنا المزري هو ضعف (إن لم يكن إنعدام) الإيمان بالآخرة،وأنا أتكلم عن إيمان صادق يصدقه الأفعال وليس إيمان كاذب باللسان تناقضه التصرفات. ترى لو أن المسلمين وضعوا نصب أعينهم حقيقة أن الله سيجمعهم ويحاسبهم على أعمالهم كانوا سيقدمون على ما يقع منهم في زماننا من بيع الدين بعرض من الدنيا،أو التعدي بلا أدنى خوف من الله على حرمات الله وحقوق عباده. لو أنك نظرت إلى سلوكيات المسلمين اليومية لظننت أنهم أقوام بلا دين!! أنا ما كنت اظن أن اقرأ خبرا يقول أن أب يزنــي بإبـنـتـه في دولة مســلمة!!!
إن الناس حاليا في حاجة إلى من يبدأ معها من البداية، فالجهل بالدين متفش، والإيمان ضائع لذا في رأيي أن أي إنشغال بغير هذين الأمرين، مهما كان، لن يجدي شيئا. وهذا هو منهج رسولنا صلى الله عليه وسلم في إقامة الأمة المسلمة، تعليم الناس الدين الصحيح، وتعليق القلب بالله، وربطهم بالآخرة وتزهيدهم في الدنيا. فما أهلك السلمين إلا تنافسهم في الدنيا ونبذهم الآخرة.
أسأل الله أن يرينا الحق ويرزقنا الإيمان به والعمل بمقتضاه والعوة إليه.

أبو عبد الرحمن المصري